في ظلال ركن الثقة
في ظلال ركن الثقة – بقلم: د. محمد حامد عليوة
حينما نكتب عن الثقة فإننا نقف أمام واحد من أهم أركان البيعة العشر التي حددها الإمام الشهيد حسن البنا في رسالته الهامة والموجزة (رسالة التعاليم)، والتي كتبها – رحمة الله عليه – في يوليو 1938.
وهي الرسالة التي وجهها إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين، والتي حدد لهم فيها صفتين أساسيتين هما:
1- الذين آمنوا بسمو دعوتهم وقدسية فكرتهم.
2- الذين عزموا صادقين أن يعيشوا بها أو يموتوا في سبيلها.
وبذلك تحددت ملامح هذه الرسالة، وأبعادها وما ترمي إليه، من تحديد واضح لأركان هذه الدعوة، وما ينبني عليها من واجبات للعاملين بها. واليوم نتحدث في ظلال أحد أركانها القيمة، وهو ركن الثقة.
والحديث ليس شرحا لهذا الركن، ولكنها وقفة حول بعض المعاني والظلال التربوية لهذا الركن المهم الذى ختم به الإمام الشهيد منظومة الأركان العشر.
حيث قال -رحمه الله-: «وأريد بالثقة، اطمئنان الجندي إلى القائد فى كفاءته وإخلاصه اطمئنانًا عميقًا ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة، ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (النساء: 65)».

والسؤال: لماذا جاء ركن الثقة في خاتمة الأركان؟
والإجابة: ليكون سياجًا يحميها ورابطًا يقويها، وإطارًا يقيها خطر التفتت والانفراط. ليس هذا فحسب، بل إن الثقة تعد حاصل ونتيجة وثمرة لما سبقها من أركان، فهي نتاج لفهم مشترك وعمل مشترك، وتآخٍ وتضحية على طريق الدعوة.
وبالتالي حينما نُصبّر أنفسنا، ونَصبر على بعضنا ونتعاون في ميادين العمل والجهاد والتضحية، فإن ذلك كله يكون في إطار ثقتنا، فتجد القلوب مترابطة والصفوف متراصة لأن الثقة قائمة بيننا، ترانا نلبي نداء قادتنا ونسمع لهم ونطيع في غير معصية لأننا نثق بهم، ترانا نتآخى ونتحاب ونتواد، ويُعين بعضنا بعضًا، ويحمل بعضنا عبء بعض لأننا نثق في طريقنا ودعوتنا ومنهجنا الذي جمعنا، وهكذا يكون حالنا مع بقية الأركان.
الثقة حالة قلبية
والثقة حالة قلبية داخلية تتحقق عن رغبة وطواعية، لا تُفرض قسراَ أو جبراُ بين القائد وجنده، وبالتالي وجب علينا، أن نُحسن غرسها في النفوس، لتنمو وتثمر. ولأنها حالة قلبية فقد وصفها الإمام البنا بأنها: (اطمئنان الجندي إلى قائدة)، والاطمئنان من أعمال القلوب، فالثقة ليست قناعة فكرية أو حالة مهارية، وإن كانت تحتاج في بعض خطوات التربية عليها إلى معارف وتأصيل لفهمها واستيعاب جوانبها.
والاطمئنان الذي يريده الإمام البنا بين القائد وجنده على طريق الدعوة ليس اطمئنانًا وقتيًا أو سطحيًا، ولكنه (اطمئنانا عميقا)، هذا الاطمئنان العميق المستمر المتنامي له أربع ثمار، أو إن شئت قل: أربع دلائل ومؤشرات وبراهين، هي (الحب والتقدير والاحترام والطاعة)، ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
والثقة بمفهومها العام لها ميادين شتى ومجالات متعددة، منها: (الثقة في الطريق، والثقة في المنهج، والثقة في القيادة، والثقة في رفقاء الطريق من أبناء الدعوة، والثقة في وعد الله بنصرة دينه ودعوة)، وهي كلها ميادين مترابطة ومتقاطعة، لكن الذي يؤكد عليه الإمام البنا في هذا الركن: هي الثقة في قيادة الدعوة على اختلاف مستوياتها، ولأن القيادة جزء من الدعوة، ولا دعوة بغير قيادة، فإن الثقة بالقيادة هي في ذات الوقت ثقة في الدعوة التي تمثلها هذه القيادة، الدعوة بكل مفرداتها ومكوناتها من صف ومنهاج وطريق وغايات ووسائل. وغيرها.
كما يؤكد الإمام البنا على قضية مهمة في موضوع الثقة وهي أن تكون متبادلة بين القائد والجنود فيقول: «وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة، وإحكام خططها، ونجاحها في الوصول إلى غايتها، وتغلبها على ما يعترضها من عقبات»، فالثقة شعور متبادل يحرص القائد والمربي أن يحققه في نفسه ويربي عليه إخوانه.

الثقة فى خضم المحن
فما أحوجنا أيها الأحبة الكرام إلى هذا الخلق الفاضل، والمبدأ العظيم، خاصة وأن دعوتنا تواجه محنة قاسية، وأن سهام الحقد والشر والعدوان تُصوَّب إليها وإلى قادتها ومنهجها من كل جانب، ما أحوجنا أن نلتف حول قيادتنا ولا سيما في هذه الظروف التي تمر بها الدعوة، وأن نثق بمنهجنا الذي رسمه لنا الإمام البنا، مقتفيا ومقتدياً بزعيمنا وقائدنا ونبينا العظيم محمد بن عبد الله، صلوات ربي وسلامه عليه. وكلنا يقين في نصر الله لدعوته ودينه وأوليائه.
معينات على تحقق الثقة
وختاما: ما يعيننا على تحقق الثقة بيننا، أن نتعارف جيدًا ونتعايش طويلًا، ونتناصح دائمًا، ونتعاون كثيرًا، ونتسامح دائمًا، ونلتف حول قيادتنا، ونتمسك بمبادئنا، عندئذ تحدث الألفة وتتحقق المحبة وتنمو الثقة ويقوى الصف أمام المحن والفتن، وقبل كل ذلك وبعده نُقبل على الله بقلوبنا ونلهج إليه بألستنا وقلوبنا، بأن يُصلح ذات بيننا، وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن يوحد صفنا، ويقوي جمعنا، وأن يحفظ دعوتنا، ويوفق قادتنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله رب العالمين