أقصد بالسلوك المؤسسي هنا (السلوك في العمل الجماعي)، مما يجرى ويسري داخل المؤسسات والجماعات والهيئات التي لها رؤيتها وهياكلها ونظمها ولوائحها وخططها وبرامجها، ولها مؤسساتها ووحداتها الصغرى سواء كانت الشورية أو الإدارية أو الفنية.
ومن الآداب والقيم التي يحتاج لها الفرد في سلوكه الجماعي، وتحتاج إليها المؤسسة، لضبط حركتها وأداء أفرادها، حتى تسطيع السير الصحيح نحو أهدافها المنشودة.
(1) لا شك أن فاعلية الفرد ومدى انجازه داخل المنظمة أمر هام وضروري، ولكن إذا لم يقرن هذا الأداء وهذه الفاعلية بحالة من الالتزام بقواعد العمل داخل الموسسة، وتحلى الفرد بأخلاقيات العمل وضوابط السلوك المؤسسي، فإنه سيضر بالمؤسسة أكثر مما ينفع، وإن كان قوي الفعل عظيم الإنتاج. (كالترس القوي الذي لا يتوائم ويتكامل مع بقية تروس الماكينة، سيُعيق حركتها رغم صلابته ومتانته) وهذا تشبيه مع الفارق.
(2) في المؤسسات الناجحة تسعى الإدارة إلى خلق جو من الرضا والعمق النفسي والترابط الاجتماعي بين الأعضاء، وهذه حالة نجاح منشودة؛ يسعون من خلالها إلى تحقيق الرضا الوظيفي، وتقوية الانتماء للمؤسسة بهذا الإشباع النفسي والاجتماعي للأعضاء، حتى يصل الشعور عندهم نحو المؤسسة أنهم أصحابها وليسو أُجراء فيها.
(3) هناك حقيقة عامة تؤكدها التجارب والوقائع وهي: (من لم يتزود من معين الجندية يعجز عن الفاعلية فى القيادة)، لأن تذوق معانى الجندية الحقة، والتغلب على النفس في تنفيذ متطلباتها، تجعل الفرد يحسن ترويض نفسه، ويجيد قيادة غيره. ومن ضعف في الأول عجز في الثانية وإن حمل أضخم الألقاب.
(4) إن تجارب التاريخ وشواهد الواقع يؤكدان علي: ضرورة الحزم مع لا يحترمون مبادئ وقيم المؤسسة، ولا يلتزمون بسياساتها، ولا ينصاعون للنصح والإرشاد فيها، وإن التهاون معهم – مع استمرارهم فى التجاوز – بحجج الاستيعاب الواهية ضعف وتخاذل، وأمثال هؤلاء فى أي مؤسسة يضرون بها أكثر مما ينفعون.
والقيادة التى لا تُحسن التعامل مع هذا الصنف غير المنضبط قيادة عاجزة، فالحزم والجد مع الذين لا يلتزمون النظام ضروري، لأن هؤلاء المتجاوزون – وإن كانوا أصحاب قدرات ومهارات – لا يخدمون المؤسسة بقدراتهم، ولكنهم يسهمون فى مناخات غير صحية.
(5) أن إصلاح المؤسسات ورفع كفاءتها وتطوير آليات العمل بها أمرًا واجبا ً تتطلبه مستجدات الواقع وسنن التغيير، لكن الحذر من العبث بالمبادىء والثوابت والقيم، وهنا يتحول التطوير إلى تدمير، والتجديد إلى تبديد، ونكون مع الفارق: (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا). ومن ينادي – من أبناء المؤسسة – بالإصلاح والتطوير، فهو مشكور مأجور، لأنه يفكر لمؤسسته ومنشغل بتطويرها وتحسين أدائها، ولكنه مع ذلك لا ينس أنه جزء من هذه المنظومة، وهو – كعضو فى المؤسسة – منطلق وأساس لكل إصلاح أوتطوير، وفي الحديث: «إِنَّ اللَّهَ لَيُصْلِحُ بِصَلاحِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ وَلَدِهِ، وَوَلَدِ وَلَدِهِ، وَأَهْلِ دُوَيْرَتِهِ، وَدُوَيْرَاتٍ حَوْلَهُ». وليكن شعارنا: (معًا للإصلاح والتطوير لا للتقويض والتدمير).