­

في السياسات العامة للدعوة

في السياسات العامة للدعوة(سمات ومعالم من رسائل الإمام البنا)

السياسات هي المبادئ الحاكمة للعمل وما يرتبط بها من قواعد، لتترجم المنطلقات والتوجهات إلى صيغ مرشدة لتوجيه مسيرة الحركة نحو الهداف المعتمدة.

1- النضال الدستوري السلمي من أجل تحرير الأوطان:
لقد جعل الإخوان المسلمين النضال الدستوري السلمي من سياستهم واستراتيجياتهم العامة، يقول الإمام البنا: «ثم النضال الدستوري حتى يرتفع صوت هذه الدعوة في الأندية الرسمية، وتناصرها وتنحاز إليها القوة التنفيذية، وعلى هذا الأساس سيتقدم مرشحو الإخوان حين يجيء الوقت المناسب إلى الأمة ليمثلوها في الهيئات النيابية، ونحن واثقون بعون الله من النجاح ما دمنا نبتغي بذلك وجه الله (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (سورة الحج)».
(1).

2- البعد عن مواطن الخلاف الفقهي:
يقول الإمام البنا: «ونحن نعتقد أن الخلاف في فروع الدين أمر لا بد منه ضرورة، ولا يمكن أن نتحد في هذه الفروع والآراء والمذاهب، لأسباب عدة منها:
اختلاف العقول في قوة الاستنباط أو ضعفه وإدراك الدلائل والجهل بها والغوص على أعماق المعاني، وارتباط الحقائق بعضها ببعض، ووالدين آيات وأحاديث ونصوص، يفسرها العقل والرأي في حدود اللغة وقوانينها، والناس في ذلك جد متفاوتين، فلابد من خلاف.
ومنها سعة العلم وضيقة، وإن هذا بلغه ما لم يبلغ ذاك، والآخر شأنه كذلك،
وقد قال الإمام مالك لأبي جعفر المنصور: إن أصحاب رسول الله قد تفرقوا في الأمصار وعند كل قوم علم، فإذا حملتهم على رأي واحد تكون فتنة.
ومنها اختلاف البيئات حتى أن التطبيق ليختلف باختلاف كل بيئة، وإنك لترى الإمام الشافعي رضي الله عنه يفتي بالقديم في العراق ويفتي بالجديد في مصر وهو في كليهما آخذ بما استبان له وما اتضح عنده، لا يعدو أن يتحرى الحق في كليهما.
ومنها اختلاف الاطمئنان القلبي إلى الرواية عند التلقين لها، فبينما هذا الراوي ثقة عند هذا الإمام تطمئن إليه نفسه، وتطيب بالأخذ عنه، تراه مجروحًا عند غيره لما علم عن حاله.
ومنها اختلاف تقدير الدلالات فهذا يعتبر عمل الناس مقدمًا على خبر الآحاد مثلًا وذاك لا يقول معه به وهكذا.

كل هذه أسباب جعلتنا نعتقد – نحن الإخوان المسلمين – أن الإجماع على واحد في فروع الدين مطلب مستحيل، بل يتنافى مع طبيعة الدين، وإنما يريد الله لهذا الدين أن يبقى ويخلد ويساير العصور ويماشي الأزمان، وهو لهذا سهل لين لا جمود وفيه ولا تشديد». (2).

ويقول الإمام البنا: «والخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببًا للتفرق في الدين، ولا يؤدي إلى خصومة أو بغضاء، ولكل مجتهد أجره، ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقية، من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم أو التعصب». (3).

3- البعد عن هيمنة الكبراء والأعيان:
إن من السياسات العامة التي تميز الجماعة، البعد عن هيمنة الكبراء والأعيان، وفي ذلك يقول الإمام البنا:
«وأما البعد عن هيمنة الكبراء والأعيان فلانصرافهم عن هذه الدعوة الناشئة المجردة من الغايات والأهواء إلى الدعوات القائمة، التي تستتبع المغانم وتجر المنافع ولو في ظن الناس لا في حقيقة الحال، ولأننا معشر القائمين بدعوة الإخوان تعمدنا هذا لأول عهد الدعوة بالظهور؛ وحتى لا يطمس لونها الصافي لون آخر من ألوان الدعوات التي يروج لها هؤلاء الكبراء، وحتى لا يحاول أحد منهم أن يستغلها ويوجهها في غير الغاية التي تقصد إليها.
وعلى هذا ظل هذا الصنف بعيدًا عن الإخوان، اللهم إلا قليلًا من الأكرمين الفضلاء يفهم فكرتهم، ويعطف على غايتهم، ويشارك في أعمالهم، ويتمنى لهم السداد والنجاح».
(4).

4- التدرج في الخطوات واعتماد المرحليات:
يقول الإمام البنا موضحًا منهج التدرج في الخطوات: «وأما التدرج والاعتماد على التربية ووضوح الخطوات في طريق الإخوان المسلمين، فذلك أنهم اعتقدوا أن كل دعوة لابد لها من مراحل ثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج، وكثيرًا ما تسير هذه المراحل الثلاث جنبًا إلى جنب نظرًا لوحدة الدعوة وقوة الارتباط بينها جميعًا، فالداعي يدعو، وهو في الوقت نفسه يتخير ويربي، وهو في الوقت عينه يعمل وينفذ كذلك.

ولكن لاشك في أن الغاية الأخيرة أو النتيجة الكاملة لا تظهر إلا بعد عموم الدعاية وكثرة الأنصار، ومتانة التكوين. في حدود هذه المراحل سارت دعوتنا ولا تزال تسير». (5).

ثم بين الإمام البنا أن نجاح الدعوة لن يكون إلا بالتدرج وفق هذه الخطوات فقال: «أيها الإخوان المسلمون وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم: اسمعوها مني كلمةً عاليةً داويةً من فوق هذا المنبر في مؤتمركم هذا الجامع: إن طريقكم هذا مرسومة خطواته، موضوعة حدوده، ولست مخالفًا هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول، أجل قد تكون طريقًا طويلةً ولكن ليس هناك غيرها. إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرةً قبل نضجها، أو يقتطف زهرةً قبل أوانها، فلست معه في ذلك بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلي غيرها من الدعوات، ومن صبر معي حتى تنمو البذرة، وتنبت الشجرة، وتصلح الثمرة، ويحين القطاف، فأجره في ذلك علي الله، ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين: إما النصر والسيادة، وإما الشهادة والسعادة».(6).

5- إيثار الناحية العملية على الناحية الدعائية والإعلانية:
قال الإمام البنا في مقدمة رسالة المؤتمر الخامس: «كنت أود أن نظل دائما نعمل ولا نتكلم، وأن نكل الأعمال وحدها الحديث عن الإخوان وخطوات الإخوان، وكنت أحب أن تتصل خطواتكم اللاحقة بخطواتكم السابقة في هدوء وسكون».
(7)

وقال رحمه الله في موضع آخر: «وأما إيثار الناحية العملية على الدعاية والإعلانات، فقد أثارها في نفوس الإخوان ودعا إليها في منهاجهم أمور:

منها ما جاء في الإسلام خاصا بهذه الناحية بالذات، ومخافة أن تشوب هذه الأعمال شوائب الرياء، فيسرع إليها التلف والفساد.والموازنة بين هذه النظرة وبين ما ورد في إذاعة الخير والأمر به والمسارعة إلى إعلانه ليتعدى نفسه، أمر دقيق قلما يتم إلا بتوفيق.

منها نفور الإخوان الطبيعي من اعتماد الناس على الدعايات الكاذبة والتهريج الذي ليس من ورائه عمل، وما أنتجه في هذه الأمة من أثر سيئ، وتضليل كبير، وفساد ملموس.
ومنها ما كان يخشاه الإخوان من معاجلة الدعوة بخصومة حادة، أو صداقة ضارة، ينتج عن كليهما تعويق في السير، أو تعطيل عن الغاية.
كل هذه أمور وضعها الإخوان في ميزانهم وآثروا أن يسيروا في دعوتهم بجد وإسراع وإن لم يشعر بهم إلا من حولهم، وإن لم يؤثر ذلك إلا في محيطهم.

قليل من الناس من يعرف أن الداعية من دعاة الإخوان قد يخرج من عمله المصلحي في عصر الخميس، فإذا هو في العشاء بالمنيا يحاضر الناس، وإذا هو في صلاة الجمعة يخطب بمنفلوط، فإذا هو في العصر يحاضر بأسيوط، وبعد العشاء يحاضر بسوهاج، ثم يعود أدراجه هادئ النفس مطمئن القلب يحمد الله على ما وفقه إليه ولا يشعر به إلا الذين استمعوه.
هذا مجهود لو قام به غير الإخوان لملأ الدنيا صياحا ودعاية، ولكن الإخوان – لما قدمت – يؤثرون ألا يراهم الناس إلا عاملين، فمن أقنعه العمل فبها، ومن لم يؤثر فيه العمل فلن يرشده القول».
(8).

وعلى هذا الأساس تجد الإخوان يقومون بكثير من العمال لا يفصحون عنها، ولا يصرحون بها، ولو قام بها غيرهم لملأوا الدنيا صراخًا، ولأسمعوا بها من في الشرق والغرب.

6- التوازن بين العقل والعاطفة، وبين الخيال والواقع:
لقد عمل الإخوان المسلمون على الوسطية والتوازن بين العقل والعاطفة، وفي ذلك يقول الإمام البنا: «ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة.
ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة، ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها علي بعض، وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد».
(9).

كما عملوا على التوازن بين الخيال والواقع، وفي ذلك يقول الإمام البنا: «إن ميدان القول غير ميدان الخيال، وميدان العمل غير ميدان القول، وميدان الجهاد غير ميدان العمل، وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ.
يسهل علي كثيرين أن يتخيلوا، ولكن ليس كل خيال يدور بالبال يستطاع تصويره أقوالًا باللسان، وإن كثيرين يستطيعون أن يقولوا ولكن قليلًا من هذا الكثير يثبت عند العمل، وكثير من هذا القليل يستطيع أن يعمل، ولكن قليلًا منهم يقدر على حمل أعباء الجهاد الشاق والعمل المضني. فأعدوا أنفسكم وأقبلوا عليها بالتربية الصحيحة والاختبار الدقيق وامتحنوها بالعمل، العمل القوي البغيض لديها الشاق عليها، وافطموها عن شهواتها ومألوفاتها وعاداتها».
(10).

7- عدم تجريح الهيئات والأشخاص:
لقد التزم الإخوان المسلمون بالخلق الإسلامي في التعامل مع الأشخاص والهيئات، فعفت ألسنتهم عن النيل من أحد أو تجريح أحد، فعفت ألسنتهم حتى عن ألد خصومهم، وعملوا بقاعدة (إذا هوجم الإسلام انتفضنا، وإذا هوجم الأشخاص احتسبنا)،
فتراهم يحتسبون عند الله كل من يخوض في أشخاصهم وقيادتهم، عاملين بقول السلف:
«إن كان ما تقول فينا حقًا فيغفر الله لنا، وإن كان ما تقول فينا باطلًا فيغفر الله لك»،
وقد أوصى الإمام البنا في الوصية الثامنة من الوصايا العشر فقال:
«تجنب غيبة الأشخاص، وتجريح الهيئات، ولا تتكلم إلا بخير».
وكما قال الإمام المؤسس يرحمه الله
«كونوا كالشجر يرميهم الناس بالحجر فيرمونهم بأحسن الثمر».

8- عدم الانجرار إلى معارك جانبية تعوق دون الوصول إلى الهدف:
لما كانت غاية الإخوان واضحة، وأهدافهم محددة، وطريقهم مرسومة، ومرجعيتهم معلومة لذا تجدهم يسيرون نحو أهدافهم، لا ينشغلون بأي شاغل يعطلهم في طريق سيرهم، يعلمون تمامًا
(أن المتلفت لا يسير، والمتفلت يشوه المسير).
وكثيرًا ما تجد غيرهم يحاول أن يشغلهم بقضايا خلافية، أو مسائل جدلية، لا طائل من ورائها إلا الجدل العقيم والمراء المذموم، ولذلك تراهم يغضون الطرف عنها.

ولذلك تراهم لا ينشغلون إلا بما ينبني عليه عمل، كما قال الإمام البنا:
«وكل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه شرعًا، ومن ذلك كثرة التفريعات للإحكام التي لم تقع، والخوض في معاني الآيات القرآنية التي لم يصل إليها العلم بعد، والكلام في المفاضلة بين الأصحاب – رضوان الله عليهم – وما شجر بينهم من خلاف».
(11).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

(1) رسالة: المؤتمر السادس.
(2) رسالة: دعوتنا.
(3) رسالة: التعاليم.
(4) رسالة: المؤتمر الخامس.
(5) رسالة: المؤتمر الخامس.
(6) رسالة: المؤتمر الخامس.
(7) رسالة: المؤتمر الخامس.
(8) رسالة: المؤتمر الخامس.
(9) رسالة: المؤتمر الخامس.
(10) رسالة: المؤتمر الخامس.
(11) رسالة: التعاليم.

اترك تعليقا