
في انتقاء الرجال – الشيخ محمد الغزالي
- zadussaerinweb@gmail.com
- يناير 31, 2025
- المربي القدوة
- 0 Comments
في انتقاء الرجال – الشيخ محمد الغزالي
أورد الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – في كتابه القيّم (في موكب الدعوة) معاني فريدة في الدعوة وشمائل الدعاة، وحين تعرض لشخصية الإمام حسن البنا – رحمه الله – قال:
«وعندما استمعت إلى (حسن البنا) لأول لقاء بيننا تكشفت لي أمور كثيرة لابد منها في صحة إبلاغ الرسالة، وإمكان النفع الكامل بها.
ليس الداعية إلى الله، أداة ناقلة، كالآلة التي تحمل سلعة ما من مكان إلى مكان، وليست وظيفته أن ينقل النصوص من الكتاب والسنة إلى آذان الناس، ثم تنتهي بعد ذلك مهمته!
كانت لدى (حسن البنا) ثروة طائلة من علم النفسي، وفن التربية، وقواعد الاجتماع، وكان له بصر نافذ بطبائع الجماهير، وقيم الأفراد، وميزان المواهب. وهذه بعض الوسائل التي تعين على الدعوة، وليست كلها.

والوسيلة التي تعتبر طليعة غيرها، ولا تؤتى الدعوة إلى الله ثمارها كاملة إذا لم تتوافر لها هي إلهام الله للداعية أن يتخير موضوعه المناسب وأن يصوغه في الأسلوب الذي يلتقي هوى في أفئدة السامعين، ويترك أثره المنشود في نفوسهم وأفكارهم.
إن القذيفة قد تنطلق كاملة العناصر، تامة القوة، ولكنها تقع بعيدة عن مرماها، فتذهب هدراً.
وما أكثر الخطباء الذين يرسلون من أفواههم حكما بالغة، تنطلق هنا وهناك كما ينطلق الرصاص الطائش، لا يصيب هدفا، ولا يدرك غرضاً.
وحسن البنا كان موفقا في انتقاء الرجال وكانت كلماته البارعة تأخذ طريقها المستقيم إلى عقولهم فتأسرها. وذلك أمر يرجع إلى فضل الله أكثر مما يرجع إلى المهارة الخاصة، واقتياد الكلمة من فم القائل إلى شغاف قلب السامع، يمكن أن يقال فيه: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17].
وقد سمعت بعض تلامذة الإمام الشهيد يرددون المعاني نفسها التي كانت تجرى على لسان الرجل، ويستحيل أن تجد في كلامهم عوجا، ومع ذلك فإن الفتح بها محدود.
إن السماء وحدها التي تضع للإنسان القبول في الأرض. وقد كان (حسن البنا) ملاحظاً بعناية الله من هذه الناحية الهامة.
ويوجد في العالم الإسلامي رجال في مثل علم الإمام الشهيد، وربما كان لهم قلمه وأداؤه، ولكن التوفيق الذي صاحب دعوة (حسن البنا) والنجاح الباهر الذي صادفه، لم يلقه غيره مع تشابه الأداة!»