
في تعلّق القلب بالله – د. محمد حامد عليوة
- zadussaerinweb@gmail.com
- يناير 10, 2025
- أخلاق وقيم تربوية
- 0 Comments
في تعلّق القلب بالله – د. محمد حامد عليوة
قُلوب الناس مُتقلبة، وأحوالهم مُتغيرة، المناصب تنتهي، والوجاهة تختفي، والألقاب تنتفي، وأيام الناس دُول يوم يُسرٍ ويوم عُسرٍ، والكيًس في هذه الحياة من تعلّق قلبه بالله، والخاسر من تعلق قلبه بغير الله، فمن استكتفى بالله كفاه ومن أوى إلى الله أواه.
ومَن تعلق بغير الله وَكَلَه الله إلى مَن تعلق به؛ ومن تعلق بربه ومولاه ربِّ كل شيء ومليكه؛ كفاه ووقاه، وحفظه ورعاه؛ فهو نعم المولى ونعم النصير، ومما رواه الإمام أحمد وورد في (حلية الأولياء)؛ من حديث وهبُ بن منبه: «أوحى الله تبارك وتعالى إلى نبيه داوُد عليه السلام: يا داوُد! أما وعزّتي وعظمتي لا يعتصم بي عبدٌ من عبادي دون خلقي، أعرف ذلك من نيته، فتكيده السماوات السبع ومن فيهن، والأرضون السبع ومن فيهن، إلا جعلتُ له من بينهن مخرجاً، أما وعزّتي وعظمتي لا يعتصم عبدٌ من عبادي بمخلوقٍ دوني، أعرف ذلك من نيته، إلا قطعتُ أسباب السماء من يده، وأسخت الأرض من تحت قدمه، ثم لا أبالي بأي أوديتها هلك». (حلية الأولياء (4/26))

وإذا تعلق قلب المرء بالله؛ ظهرت عليه علامات ودلت عليه منارات؛ منها: (الخضوع والخشوع لربه في كل أوامره ونواهيه)، فهو بيقينه يُسلم بأمر ربه، الذي بيده الأمر كله وإليه يُرجع الأمر كله. فتراه راسخ الأقدام في الانصياع لحُكمه والتسليم لأمره.
ومنها: (التزود للرحيل والاستعداد الدائم له)، ذلك أن المتعلق بالله يعرف حقيقة الحياة أنها دار عمل وبذر والآخرة دار حساب وحصد، فتراه دائماً يتزود من دنياه لآخرته، مستعدٌّ للرحيل على الدوام، حازمٌ أمره قبل الموت، حاملٌ زاده قبل الفوت، حبلُ أمله في الدنيا أقصر من كراع نملة، وفي الآخرة أوسع من شعاع الشمس.
ومن روائع شيخ الإسلام بن تيمية في تعلق العبد بربه وخضوعه وافتقاره إليه؛ ما ورد في الفتاوى، حيث قال: «العبد كلما كان أذل لله وأعظم افتقاراً إليه وخضوعاً له كان أقرب إليه، وأعز له، وأعظم لقدره؛ فأسعد الخلق أعظمهم عبودية لله؛ فأعظم ما يكون العبد قدراً وحرمة عند الخلق إذا لم يحتج إليهم بوجه من الوجوه، فإن أحسنت إليهم مع الاستغناء عنهم كنت أعظم ما يكون عندهم، ومتى احتجت إليهم ولو في شربة ماء نقص قدرك عندهم بقدر حاجتك إليهم، وهذا من حكمة الله ورحمته، ليكون الدين كله لله، ولا يُشرَك به شيء». (الفتاوى (1/39).
ما نخلص إليه هنا: أن من تعلق قلبه بمولاه وأنزل حوائجه بالله، والتجأ إليه وفوض أمره كله إليه، كفاه مؤنته وقضى حاجته، وقرّب إليه البعيد، ويسّر له العسير، ومن تعلّق قلبه بغير الله واعتمد على أحدٍ من خلقه سواه، أو استند إلى حوله وقوته، أومنصبه ووجاهته، أو أهله وعشيرته، أوعلمه وماله.. وغيرها، وكلّه الله إلى ما ارتبط قلبه به واستند في أموره عليه. والحمد لله رب العالمين