
فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ
- zadussaerinweb@gmail.com
- مارس 6, 2018
- أخلاق وقيم تربوية
- 0 Comments
(فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) – بقلم: الدكتور محمد حامد عليوة
الاقتداء: طلب موافقة واتباع الغير في أفعالهم وأقوالهم.
والقدوة الحسنة: يعتبرها علماء التربية والسلوك من أنجع وأنجح أساليب التربية أثراً، وأكثرها فاعلية وأشدها تأثيراً في النفس والسلوك، ولا سيما القدوة العملية منها، لأن التربية بالقدوة العملية تحول الأقوال إلى أفعال والنظريات إلى سلوك وعمليات، فيرى المتربي من شيخه وأستاذه أكثر مما يسمع، ويرى الأولاد من والديهم تجسيداً عملياً لما ينصحونهم به، لذلك كان أثر القدوة العملية في النفس بالغاً وفعلها للقلوب نافذاً. وهنا يكون الإقتداء.
وفي هذه الأيام تعاني الأمة من غياب القدوة الحسنة، بسبب البعد عن دين الله، والانبهار بمدنية الغرب الزائفة، وتقليدهم – كمجتمعات وأفراد – في كثير من أحوالهم وأعمالهم وصولاً إلى اتخاذ قدوات منهم، وتقلِّيدهم في كل شيء، رغم ما لدينا من إرث عظيم زاخر ومنهج قويم فاضل، وما في ديننا وتاريخنا من عظماء أخيار وقادة أبرار أحق بهذا الاقتداء وأولى بهذا الاتباع.
وصدق رسولنا العظيم ﷺ في حديثه: عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: «لتتبعُنَّ سَنَنَ من كان قبلَكم، شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضبٍّ تبعتُمُوهم»، قلنا: يا رسولَ اللهِ، اليهودُ والنصارى؟ قال: «فمَنْ؟». [البخاري: 7320].
(أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ):
والمتدبر في الآية الكريمة؛ يلاحظ أن محل الاقتداء هنا ليس أشخاصهم أو مكانتهم أو ألقابهم أو مالديهم من أموال طائلة أو أعراض زائلة؛ وإنما محل الاقتداء بما هُم عليه من الهُدى والحق. (فَبِهُدَاهُمُ) أي: بِسُنَّتِهِمْ وَسِيرَتِهِمْ وأخلاقهم وأفعالهم.
(فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ). إنه ارتباط بالقيم والمبادئ؛ لا بالأسماء والأشخاص، لأن الحق وما تنبثق عنه من قيم ومبادئ ثابت؛ وما سواه متغير.
ومن فوائد هذا المعني: أن يحرص الدعاة على لزوم الحق والارتباط به، والتشبث بالمبادئ والقيم على طريق الدعوة، فهي الأولى والأبقى، أما الأشخاص فمتغيرون، ومن ربط مصيره بمتغير قد يتغير معه فى وقت من الأوقات. لذلك كان إخواننا من أهل السبق يركزون معنا على هذا المعني، وهو ألا نرتبط على طريق الدعوة بالأشخاص، لأنهم إذا فتن أحدهم قد نسير وراءه، وننحرف عن الطريق معه. «ليس أحد إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي ﷺ».
وهو الأمر الذى أورده الإمام حسن البنا فى (الأصل السادس) من الأصول العشرين لفهم الإسلام، فقال: «وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم ﷺ وكل ما جاء عن السلف – رضوان الله عليهم – موافقًا للكتاب والسنة قبلناه، وإلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالاتباع، ولكنا لا نعرض للأشخاص – فيما اختلف فيه – بطعن أو تجريح، ونَكِلُهم إلى نياتهم وقد أفضوا إلى ما قدموا».
ولقد حرص الإمام حسن البنا على تربية إخوانه عمليًا على هذا المعنى الدقيق، ومن الوقائع الثابتة الدالة على ذلك هذا الموقف من تاريخ الدعوة:
في مؤتمر الطلاب الذي انعقد بدار جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة عام 1938م خطب الإمام الشهيد حسن البنا، فتحمس أحد الإخوة من الطلاب فهتف بحياة حسن البنا – وبرغم عدم استجابة الحاضرين لهذا الهتاف – إلا أن الأستاذ المرشد وقف صامتًا لا يتحرك برهة، فاتجهت إليه الأنظار في تطلع. ثم بدأ حديثه في غضب فقال:
«أيها الإخوان، إن اليوم الذي يهتف في دعوتنا بأشخاص لن يكون ولن يأتي أبدًا. إن دعوتنا إسلامية ربانية قامت على عقيدة التوحيد، فلن تحيد عنها.
أيها الإخوان، لا تنسوا في غمرة الحماس الأصول التي آمنا بها، وهتفنا بها: (الرسول قدوتنا). ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾».
ورغم أن الهتاف بحياة الزعماء والقادة في ذلك الوقت كان أمراً شائعاً، ولم يكن مستهجناً، إلا أن الإمام البنا لم يسمح به، فمثلاً كان من هتافات السعديين لزعيمهم سعد زغلول (نموت نموت ويحيا سعد).
والإمام حسن البنا بهذا الموقف يُرسي قاعدة ويُؤكد مبدأ؛ وهو أن طريق الدعوة طريق رباني، يجب على السائرين عليه أن يرتبطوا بالطريق ومنهجه وقيمه ومبادئه، وأن يقتدوا بغيرهم فيما يحملون من هذا المنهج وهذه القيم. والحمد لله رب العالمين
—————————–