(فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)

(فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)عبدالمجيد الزهراني (*)

معنى القدوة في أصلها: هي «متابعة من المقتدي للمقتدى به في فعله». (أبو لاوي، 1423هـ).
معنى القدوة في التربية الإسلامية: هي «إحداث تغيير في سلوك الفرد في الاتجاه المرغوب فيه عن طريق القدوة الصالحة، وذلك بأن يتخذ شخصًا أو أكثر تحقق فيهم الصلاح، ليتشبه بهم ويأخذ عنهم سلوكه» (أبو لاوي، 1423هـ).

ويمكن من التعريف السابق أن نستنبط أركان هذا الأسلوب التربوي، وهي:
1) المقتدي: وهو المتربي.
2) القدوة: وهو المربي.
3) هدف القدوة: وهو إحداث تغيير في سلوك المتربي باقتدائه بالمربي.

مسميات القدوة: تسمى القدوة، ويرادفها في المعنى: الأسوة، والتقليد، والمحاكاة، والتشبه، والتمثل أو المثل (أبو لاوي، 1423هـ) (مكانسي، 1422هـ).

منهج القرآن في الدعوة إلى الاقتداء: يمكن عرض منهج القرآن الكريم في النقاط التالية:

1) أمره أن يكون الرسول قدوة لنا، كما قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21]. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال: 64]. وقال تعالى: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) [آل عمران: 20].

2) أمره لنا باتباع الأنبياء والاقتداء بهم، كما قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ. الآية) [الممتحنة: 4]. وقال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) [الممتحنة: 6]. وقال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) [النساء: 125]. وقال تعالى: (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ.) [يوسف: 38]. وقال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ. الآية) [الأنعام: 89 – 90].

3) يجب الاقتداء بمن يصل معه المقتدي إلى الهداية والاستقامة، كما قال موسى عليه السلام للرجل الصالح: (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) [الكهف: 66].
ويجب الحذر من الاقتداء بأهل الضلال، كما قال تعالى: (وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) [المائدة: 48]. (مكانسي، 1422هـ).

الأهمية التربوية لأسلوب القدوة:
1) أنه الطريق الأكثر فعالية إلى تحويل المنهج التربوي إلى حقيقة واقعة، «فمن السهل تخيل منهج. ولكن هذا المنهج يظل حبرًا على ورق. يظل معلقًا في الفضاء. ما لم يتحول إلى حقيقة واقعة تتحرك في واقع الأرض. ما لم يتحول إلى بشر يترجم بسلوكه وتصرفاته ومشاعره وأفكاره مبادئ المنهج ومعانيه، عندئذ فقط يتحول المنهج إلى حقيقة، يتحول إلى حركة، يتحول إلى تاريخ». (محمد قطب، 1409هـ، ج:1، ص: 180).

ولأن المنهج التربوي المتكامل لا يغني عن وجود واقع تربوي يمثله إنسان مُربٍّ يحقق بسلوكه كل الأسس والأساليب والأهداف التي يراد إقامة المنهج التربوي عليها، لذلك بعث الله الرسول ، ليكون قدوة للناس يحقق المنهج التربوي الإسلامي، كما قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب:21] (النحلاوي، 1403هـ) (محمد قطب، 1409هـ، ج:1).
والتربية الإسلامية تعطي قيمة لأسلوب التربية بالمواقف والأفعال، وتعتبر ذلك أقوى تأثيرًا من التوجيه بالوعظ والقول (عبود، عبدالعال، 1990م).

2) أنه يوافق رغبة الفطرة الإنسانية في التعلق بالقدوة والبحث عن الأسوة، ليكون للمقتدي نبراسًا يضئ له سبيل الحق، ومثالًا حيًا يبين له كيف يطبق شرع الله، لذلك كان الطريق لتبليغ رسالات الله هو إرسال الرسل، ليبينوا للناس ما أنزل الله من شريعة، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل: 43 – 44] (النحلاوي، 1403هـ).

3) أن حياة المربي المسلم هي حياة الداعية إلى الله، يحتاج أن يكون قدوة أمام المتربين والمقتدين به (النحلاوي، 1403هـ).
4) أن الحياة العامة تجدب إذا خلت من المثل الطيبة التي تظل حية في ضمائر الشعوب، تستحضرها إذا احتاجت إليها، وحياة الفرد لا يكون لها طعم إذا انعدم منها المثل، فأصبحت تافهة، لا تحقق هدفًا، ولا تترك بعدها أثرًا (صبح، 1413هـ).
5) أن الجانب السلوكي العملي أوقع في النفس وأكثر طمأنينة لها من القول في كثير من الأحيان (أبو لاوي، 1423هـ).
6) تعتبر التربية بالقدوة أفضل الوسائل في إعداد المتربي خلقيًا، ونفسيًا، واجتماعيًا، فالقدوة لها أثر كبير في نفسية المتعلم، وفي تقبله للخبرة والمعرفة، واستجاباته للمثيرات، وتفاعله مع الأنشطة (الدخيل، 1422هـ).
7) أن القدوة عامل أساسي في بناء شخصية المتربي، وفي صلاحها أو فسادها (الدخيل، 1422 هـ) (عبود، عبدالعال، 1990م) (أبو العينين، 1408هـ).
8) إذا وجدت القدوة في شخصية المربي، فإن كثيرًا من الجهد المطلوب لتنشئة الطفل على الإسلام يكون ميسورًا، وقريب الثمرة في ذات الوقت، لأن الطفل سيتشرب القيم الإسلامية من الجو المحيط به بطريقة تلقائية، بمعنى: إن القدوة الطيبة هي دائمًا قيمة موجبة، يحذف بإزائها قدر مساو من الجهد الذي يجب بذله (مدكور، 1411هـ).

الأسس النفسية لاتخاذ القدوة:
إن حاجة الناس إلى القدوة نابعة من غريزة تكمن في نفوس البشر أجمع، هي التقليد، وهي رغبة ملحة تدفع الطفل وهو يخضع للتربية إلى تقليد والديه ومعلميه وتمثل سلوكهم، وذلك لأنه حاجة نفسية تدفع الناس إلى أن يتشبهوا بالأشخاص الذين يحبونهم ويقدرونهم (عبود، عبدالعال، 1990م) (النحلاوي، 1403هـ).

والتقليد يرتكز على ثلاثة عناصر:
1) الرغبة في المحاكاة والاقتداء: فالطفل مدفوع برغبة خفية لا يشعر بها نحو محاكاة من يعجب به، وهذا التقليد غير المقصود لا يقتصر على حسنات السلوك، بل يتعداها إلى غيرها.
ولذلك نبه القرآن الآباء إلى أن الاستمتاع بالأطفال والحنان والعطف عليهم، يجب ألا يشغلهم عن أن يكونوا قدوة صالحة لهم، فقال في وصف عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَأمًا) [الفرقان: 74].

2) الاستعداد للتقليد: فلكل مرحلة من العمر استعدادات وطاقات محدودة، لا بد من مراعاتها عندما نطلب من الطفل تقليد أحد أو الاقتداء به.
3) الهدف: لكل تقليد هدف، قد يكون معروفًا لدى المقلد وقد لا يكون، والهدف الأول لدى الطفل هو غرض دفاعي، للدفاع عن الكيان الفردي في ظل الشخص القوي، فإذا ارتقى الوعي عند المقلد عرف الهدف من التقليد، فأصبح التقليد عملية فكرية، يمزج فيها بين الوعي والانتماء والمحاكاة والاعتزاز، ويصبح له في التربية الإسلامية اسم آخر هو الاتباع، وأرقى أنواعه ما كان على بصيرة، أي معرفة بالغاية والأسلوب، وفي هذا المعنى يقول الله تعالى: (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108] (النحلاوي، 1403هـ).

التطبيقات التربوية لتلك الأسس النفسية:
إذا فهم المربي تلك الأسس النفسية فإنه يمكن له أن يدرك أبعادها التربوية، المتمثلة في:
1) أن المتربي في المراحل الأولى من عمره يتأثر بالمربين من دون تمييز، لوجود الرغبة والاستعداد للتقليد، ثم تستمر هذه النزعة النفسية في المراحل المتأخرة من عمره، ولكنه يميز بين من يتلقى عنهم التربية، ولذا فإنه ينبغي للمربي استغلال المراحل الأولى من عمر المتربي بصورة إيجابية، وأن يكون شخصية مقنعة للمتربين الكبار.

2) أن المتربي في تقليده لا يقتصر على حسنات السلوك، بل يتعدها إلى غيرها، فالشخص المتأثر يتقمص شخصية المربي كلها أو جُلها، ولذلك كان من الخطورة ظهور الضعف في سلوك القدوة.
3) أن المربي يتحمل نتائج سلوكه، كما قال الرسول : «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» [مختصر مسلم: 533].

4) اقتداء المتربي بمن حوله مبني على هدف ظاهر أو خفي، فينبغي تربيته على معرفة أهمية الأهداف والغايات في حياة المسلم بما يناسب مستواه العمري.

مجالات التربية بالقدوة:
أولًا: العبادة:
وتتعين التربية بالقدوة في مجال العبادة في أمرين، هما:
أ- أن يكون قيام المربي بأداء العبادات حافزًا للناشئ على التشبه بالمربي: وهذا يعني أن يتأثر الفرد المستهدف بالمربي من خلال قيامه بأداء العبادات وحرصه عليها، واهتمامه بها بطريقة غير مباشرة، بحيث يكون ذلك حافزًا وحاثًا له أن يختار هذا السلوك لنفسه طالما أن مربيه الذي يحبه ويكبره يفعل ذلك ويحرص عليه، والذي يشكل جزءًا من حياته وجانبًا من شخصيته.

ب- أن يأخذ الناشئ عن المربي كيفية أداء العبادة وآدابها الشرعية: وهذا يراد به أن يكون أداء العبادة أم الناشئين أسلوبًا من أساليب تدريبهم وتربيتهم على أدائها صحيحة وتامة بحسب الكيفية التي أدى بها رسول الله هذه العبادة أو تلك.

ثانيًا: الأخلاق:
القيم الأخلاقية تكتسب عن طريق القدوة والأسوة الصالحة، لأن السلوك الأخلاقي من أكثر القيم السلوكية تأثرًا بالمخالطة والصحبة.
ولا بد أن تكون تلك القيم الأخلاقية نابعة من ذات المربي، بلا تكلف، لأن الناشئ المستهدف بالتربية يدرك مدى صدق المربي، وفي حال توصل الناشئ إلى أن مربيه يتكلف السلوك تكلفًا، فإنه سيكون أمام أحد أمرين، أحدهما: فقدان الثقة بمربيه بالشعور أنه متناقض، والثاني: سقوط وقع القيم من نفسه والقفز عنها إذا اعتقد ضرورة ذلك، وفي كلا الحالين تقويض لأسس العملية التربوية.
ومما يدل على أهمية ذلك: لوم الناس مريم على غير فهم للمعجزة التي جاءت بها فقالوا كما في قوله تعالى: (مَا كَانَ أَبُوكِ أمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) [مريم: 28].

ثالثًا: المعاملة:
وهي تشمل محيطًا واسعًا من العلاقات المختلفة، كعلاقة المسلم بربه وأسرته وأقاربه وجيرانه وأمته، وهي لا تقوم على أساس الإسلام إلا بالتربية الإسلامية، والتي من أساليبها القدوة الصالحة. (أبو لاوي، 1423هـ).

أساليب التربية بالقدوة:
أولًا: أساليبها من حيث طريقة انتقال تأثيرها:
ينتقل تأثير القدوة إلى المقتدي بأسلوبين:
1) التأثير العفوي غير المقصود: وهنا يقوم تأثير القدوة على مدى اتصافه بصفات تدفع الآخرين إلى الاقتداء به، كتفوقه في العلم أو الرئاسة أو الإخلاص.
2) التأثير المقصود: فيقرأ المعلم قراءة نموذجية ليقلده الطلاب، ويجوّد الإمام صلاته ليعلم الناس الصلاة الكاملة (النحلاوي، 1403هـ).

ومن تطبيقاتها التربوية:
أ- استثمار النوعين من التأثير بطريقة تربوية متدرجة ومدروسة.
ب- اتصاف المربي بالصفات التي تؤهله للتأثير، ويشمل: محاسبة النفس وتخليصها من جوانب النقص الخفية والظاهرة، وتنمية وتعزيز الصفات الإيجابية.

ثانيًا: أساليبها من حيث مصادرها:
1) التربية بالقدوة عن طريق دراسة سيرة الرسول :
«ينبغي أن تكون سيرة الرسول جزءًا دائمًا من منهج التربية، سواءً في المنزل أو المدرسة أو الكتاب أو الصحيفة أو المذياع، لتكون القدوة دائمة وحية وشاخصة في المشاعر وفي الأفكار».
والله تعالى جعل رسوله القدوة الدائمة للبشرية، «يقبسون من نوره، ويتربون على هديه، ويرون في شخصه الكريم الترجمة الحية للقرآن، فيؤمنون بهذا الدين على واقع تراه أبصارهم محققًا في واقع الحياة».

«وإذ يجعل الإسلام قدوته الدائمة شخصية رسوله، فهو يجعلها قدوة متجددة على مر الأجيال. متجددة في واقع الناس. إنه لا يعرض عليهم هذه القدوة للإعجاب السالب، والتأمل التجريدي في سبحات الخيال. إنه يعرضها عليهم ليحققوها في ذوات أنفسهم، كل بقدر ما يستطيع أن يقبس، وكل بقدر ما يصبر على الصعود، ومن ثم تظل حيويته دافقة شاخصة، ولا تتحول إلى خيال مجرد تهيم في حبه الأرواح دون تأثير واقعي ولا اقتداء» (محمد قطب، 1409 هـ، ج: 1، ص: 185، 187).

2) التربية بالقدوة عن طريق دراسة السير والتراجم والتاريخ:
قد تكون القدوة تاريخًا، ومواقف، وبتحليلها والاقتناع بقوتها وأثرها وملاءمتها، يمكن أن تكون قدوة (صبح، 1413هـ).
وجيل الصحابة رضي الله عنهم أعظم من يقتدى بهم، «فالجماعة الأولى التي رباها الرسول على عينه، وحقق فيها منهج التربية الإسلامية بتمامه كله، هي القدوة الدائمة لنا بعد شخص الرسول . وصورتها الواقعية هي المرجع الدائم لنا في منهج التربية بعد كتاب الله وسنة رسوله. وهذه الجماعة – مع اختلاف بعض أحوالنا عن حالها، واختلاف ظروفها عن ظروفنا – ستظل لأجيال المسلمين كلها – بل لأجيال البشرية كلها – هي النور الذي يستضيئون به، ويحاولون أن ينسجوا على منواله.» (محمد قطب، ج: 2، ص: 87).

وفي تطبيق الأسلوبين السابقين ينبغي للمربي مراعاة الآتي:
أ- اختيار الطريقة المناسبة للمرحلة العمرية التي يتعامل معها:
ففي مرحلة الطفولة: الطريقة المناسبة لعرض السير هو عرض المواقف وليس السرد التاريخي، مثل: العبادة، الصدق، الجهاد، العلم، وغيرها.
وفي مرحلة الشباب: يمكن الجمع بين السرد التاريخي للسير وعرض المواقف.
ب- التحضير والعرض الجيد للمواقف والأحداث، وعدم الاقتصار على القراءة خاصة مع مرحلة الطفولة.
ج- إبراز الدروس والعبر من المواقف والأحداث، مع إعطاء المتربي الفرصة بأن يستنبطها بنفسه.
د- اختيار الكتب المناسبة للمرحلة العمرية، ليقوم المتربي بقراءتها، مع تنويع الأساليب التي تدفعه لقراءتها، مثل: إلقاءه لبعض الدروس منها، والمسابقات.

3) التربية بالاقتداء بالأسرة:
«الأسرة هي المحضن الذي يبذر في نفس الطفل أول بذوره، ويكيّف بتصرفاته مشاعر الطفل وسلوكه، ومن ثم ينبغي أن تكون أسرة نظيفة، أسرة مسلمة، حتى ينشأ جيل مسلم يحقق في نفسه مبادئ الإسلام، يأخذها بالقدوة المباشرة، المنقولة عن قدوة الرسول »(محمد قطب، 1409 هـ، ج: 1، ص: 186).

4) التربية بالاقتداء بالمعلم:
لا بد أن تكون أقوال المعلم توافق أفعاله، دون نقص أو تناقض بين الواقع الذي يعيشه والمبادئ والشعارات التي ينادي بها في دروسه، وذلك لأن الطلاب يتأثرون بشخصيته، ومظهره وحركاته، وسلوكه وتصرفاته (الدخيل، 1422هـ) (صبح، 1413هـ) (صلاح، الرشيدي، 1420هـ)، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى: «فإن الطالب في المدرسة لا بد له من قدوة يراها في كل معلم من معلميه، ليقتنع حقًا بما يتعلمه، وليرى فعلًا أن ما يطلب منه من السلوك المثالي أمر واقعي ممكن التطبيق، وأن السعادة الحقيقية الواقعية لا تكون إلا في تطبيقه» (النحلاوي، 1403هـ).

5) التربية بالاقتداء بالصالحين:
تبرز رغبة المتربي بتكوين العلاقات في مرحلة الشباب بصورة خاصة، ولذلك فلا بد للمربي من التهيئة لهذه المرحلة بعدة أساليب، مثل: البدء في بيان فضائل مصاحبة الصالحين، والتحذير من أصحاب السوء، وبيان كيفية التمييز بينهم، وربطهم بالمحاضن التربوية التي يكثر فيها الصالحين، مثل: حلقات تحفيظ القرآن، وغيرها.

———————–
(*) كاتب وشاعر سعودي.
المراجع
1. أبو لاوي، أمين، أصول التربية الإسلامية، 1423 هـ، ط 2، دار ابن الجوزي، الدمام.
2. الدخيل، محمد عبدالرحمن فهد، مدخل إلى أصول التربية الإسلامية، 1422 هـ، ط 2، دار الخريجي، الرياض.
3. صبح، محمد أحمد جاد، التربية الإسلامية: دراسة مقارنة، ج 1، 1413 هـ، ط 1، دار الجيل، بيروت.
4. صلاح، سمير يونس أحمد، والرشيدي، سعد محمد، التربية الإسلامية وتدريس العلوم الشرعية، 1420هـ، ط 1، مكتبة الفلاح، الكويت.
5. عبود، عبدالغني، وعبدالعال، حسن إبراهيم، التربية الإسلامية وتحديات العصر، 1990 م، ط 1، دار الفكر العربي، القاهرة.
6. قطب، محمد، منهج التربية الإسلامية، 1409 هـ، ط 12، دار الشروق، القاهرة وبيروت.
7. مدكور، على أحمد، منهج التربية في التصور الإسلامي، 1411 هـ، دار النهضة العربية، بيروت.
8. مكانسي، عثمان قدري، من أساليب التربية في القرآن الكريم، 1422 هـ، ط 1، دار ابن حزم، بيروت.
9. النحلاوي، عبدالرحمن، أصول التربية الإسلامية وأساليبها، 1403 هـ، ط 2، دار الفكر، دمشق.

اترك تعليقا