مرتكزات القوة عند الإخوان  –  د. محمد حامد عليوة

مرتكزات القوة عند الإخوان  –  د. محمد حامد عليوة

في ظل الهجمة العاتية على الدعوة وأهلها، والحملات الرهيبة القاسية على منهجها وتاريخها وجهادها، ليس الآن فقط ولكن عبر تاريخها الطويل، ورغم ذلك كله فإن الله سبحانه تعهد بحفظ دعوته رغم ضراوة الحملات المعادية لها، والمكر السيىء بها ليل نهار، ونرى الدعوة تخرج من كل محنة، وهي أقوى عوداً، وأكثر صموداً، ويخرج أهلها من كل بلاء خروج السيف من الجِلاء، وهم أكثر نقاءً وأقوى ولاءً.

والسؤال هنا ما سر ذلك؟ وما هي وسائل قوة الإخوان أمام البغي والطغيان؟
وقبل أن نحدد وسائل قوة الإخوان المسلمين، نسوق لكم ما ذكره الإمام البنا فيما يتعلق بحال الإخوان أمام المحن والعقبات فيقول -رحمه الله-: «ولكنها – أي المحن والعقبات – تمر بكم مراً رفيقًا رقيقًا، يُقوي ولا يُضعف، ويُثبت ولا يُزعزع، ويُنبه ولا يُوهن، ويزيدكم بنصر الله إيمانًا وبرعايته ثقة؛ لأنكم بكلمته تنطقون، ولدعوته تعملون، فأنتم لذلك على عينه تُصنعون (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّك فَإِنَّك بِأَعْيُنِنَا) (الطور:48). ومن هنا كان واجبكم أكبر الواجبات، وكانت تبعاتكم أثقل التبعات»(1)

مرتكزات القوة عند الإخوان في الثبات أمام البغي والطغيان

وسائل قوة الإخوان أمام البغي والطغيان
إنها ثلاثية القوة في وجه الطغيان (الحق – الإيمان – الأمل)، هكذا كما حددها الإمام البنا، حين قال: «سنعمل بالحق، يدفعنا الإيمان، ويحدونا الأمل». ويمكن التعبير عن هذه الثلاثية بالعناصر التالية:
أولًا: العمل بالحق والثبات على المبدأ.
ثانيًا: الإيمان بالله وتعلق القلوب به لا بسواه.
ثالثًا: الأمل واليقين في تأييد الله ونصره لدعوته وأوليائه.

هي ثلاثية مترابطة ومتكاملة لا بدَّ منها من أجل قوة الدعوات:
أولأً: (العمل بالحق والثبات على المبدأ)، فلا تزل الأقدام ولا تفتر الهمم، خاصة وأن طريق الدعوات هو طريق الجنة لذلك فهو محفوف بالمخاطر والمكاره والعقبات، الأمر الذي يتطلب الصبر والمجاهدة، واستمرار المسير، دون استعجال النتائج أو استبطاء النصر.

يقول الأستاذ مصطفى مشهور -رحمه الله-: «والأخ المسلم المخلص لربه؛ لا تفتر همته في بذل الجهد ومواصلة السير على الطريق، ولو لم تظهر له النتائج المبشرة بالنصر، فالمطلوب منه العمل وبذل الجهد كله دون تقصير؛ مع إخلاص النية، أما النتائج فالله سبحانه هو الذي يرتب لها ويختار لها الوقت المناسب»(2) 

ومن يعمل للحق وبالحق لن يقدر عليه أحد ولن تنال منه الليالي والأيام، لأنه يرتكن بإيمانه إلى ركن شديد، فالحق باق خالد قوي دائم.
يقول الإمام البنا: «إن لنا سلاحًا لا يفل ولا تنال منه الليالي والأيام هو (الحق)، والحق باق خالد، والله تعالى يقول: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) الأنبياء:18، ويقول: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) الرعد:17، ويقول: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) الإسراء:81».

ثانياً: (الإيمان بالله سبحانه، وتعلق القلوب به لا بسواه)، والإيمان هو الأساس الثاني لقوة الدعوات، ومصدر عزتها وسر قوتها، فالسائرون على طريق الدعوة الذين جعلوا الله غايتهم يستمدون قوتهم من ربهم، لا يخافون غيره ولا يرهبون سواه، يعملون وكلهم يقين أن الله لن يُضيع بذلهم المخلص الصالح، وهم في ساح الدعوة والإصلاح والنهوض يبتغون النصر والسيادة أو الشهادة والسعادة، ولا يشعر بهذه المعاني إلا المؤمنون الصادقون.

يقول الأستاذ البنا في هذا السياق: «ولنا سلاح آخر بعد ذلك هو سلاح (الإيمان)، والإيمان كذلك سر من أسرار القوة لا يدركه إلا المؤمنون الصادقون، وهل جاهد العاملون من قبل، وهل يجاهدون من بعد إلا بالإيمان؟ وإذا فُقد الإيمان فهل تغني أسلحة المادة جميعا من أهلها شيئًا؟ وإذا وُجد الإيمان فقد وجدت السبيل إلى الوصول، وإذا صدق العزم وضح الوصول، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) الروم:47، ولئن تخلى عنا جند الأرض فإن معنا جند السماء، (إِذْ يُوحِي رَبّك إِلَى الْمَلَائِكَة أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) الأنفال:12».(3)

ويحضرني في هذا المقام قول صادق الرافعي – رحمه الله: «إنك إذا آمنت لم تعد بمقدار نفسك، إنما بمقدار القوة التي أنت بها مؤمن». والفائدة من هذا الكلام القيم: أن المؤمن الذي يدرك قدر الله عز وجل ويعظمه في قلبه لا يهاب أحداً في الحق سوى الله، وتراه بقوة الله يصول ويجول، لم لا وقد استمد قوته من ربه سبحانه، الذي لا يضعف من يستمد منه القوة.  

3- (الأمل واليقين في تأييد الله ونصره لدعوته وأوليائه)، والأمل في نصر الله من أسرار قوة الدعوات، مهما كثرت الخطوب، وأظلمت الدروب، وانتفش الباطل، وعلا صوته وزاد بغيه. فاليأس ليس من أخلاق المؤمنين، يقول الأستاذ البنا: «أيها الإخوان: إنني قوي الأمل في النصر – إن شاء الله – فإننا على الحق، والحق مؤيد من الله، وقد اتجهت الأمة واستيقظت، فلن ننخدع بعد اليوم. فاعملوا والله معكم ولن يتركم أعمالكم».(4)

يقول الأستاذ الإمام البنا -رحمه الله- في هذا السياق: «والأمل بعد ذلك سلاح ثالث، فلا نيأس، ولا نتعجل، ولا نسبق الحوادث، ولا يضعف من همتنا طول الجهاد، والحمد لله رب العالمين، لأننا نعلم أننا مثابون متى حسنت النية، وخلصت الضمائر، وهي خالصة بحمد الله، فكل يوم يمضى يكتب لنا فيه ثواب جديد، والنصر من وراء ذلك لا يتخلف (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) المجادلة:21، (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجرِمِينَ) يوسف:110، ففيم اليأس والقنوط؟ لن يجد اليأس إلى قلوبنا سبيلًا بإذن الله (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) يوسف:87».(5) 

وختامًا: يمكن الخروج من هذا العرض ببعض المعاني التربوية والفوائد الدعوية:
1- أن قوى الباطل رغم تداعيها على دعوة الحق، فلن ينالوا منها ومن أهلها إلا ما قضى ربنا وقدر، وسترتد إليهم سهامهم خائبة خاسرة، لأنها كلها من قوي الارض وعالم الفناء، وأهل الحق يعوذون بقوة السماء ومن له البقاء. فمن تكون له الغلبة؟
ورحم الله الشهيد سيد قطب حين أكد هذه الحقيقة الدامغة بقوله: «ما كان لسفاهة سفيه ولا للمزة جاهل أن تنال من أصحاب عقيدة فى الله».

2- أن دعوتنا دعوة حق، ودعوة الحق في رعاية الحق وتحت كنفه، وبالتالي لن يُوقف زحفها أحد. ورغم الهجمة التي تتعرض لها الدعوة، والأذى الذي يطال الدعاة والمصلحين، نقول للمتربصين بدعوتنا: لن تستطيعوا إطفاء نور الحق، مهما فعلتم، لأن الله متم نوره ولو كره الكافرون، وعلى غرار ما قال عبد المطلب يوم جاء أبرهه لهدم الكعبة (للبيت رب يحميه)، نقول أيضا: (للدعوة ربُ يحميها).

3- أن الله سبحانه قضى وقدّر، ووعد ووعده الحق، بالتأييد والتمكين لعباده المؤمنين، ما أطاعوا ربهم واتبعوا نبيهم وتمسكوا بدينهم وثبتوا على طريقهم.
ووعدهم سبحانه أن يستخلفهم في الأرض لإصلاحها وحمل لواء الخير فيها كما استخلف الذين من قبلهم، وهذا التمكين وهذا الاستخلاف سيكون مهما كانت المواجهة مع الباطل، ومهما عظمت التضحيات، ومهما كثرت الخطوب والملمات، ومهما طالت الأزمان وتعاقبت السنوات. قال تعالي: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [سورة النور:55]

4- رغم شدة المحن وتعاقب الفتن، ستظل هذه الدعوة الربانية، والمسيرة المحمدية، نافذة غالبة قاهرة ظاهرة، لن يضرها من كاد بها إلا أَذًى، ولن تنال منها الخطوب وإن طال المدي، فهي شجرة طيبة، وما زرعته يد الله لن تنال منه يد البشر. فلا تقلقوا على دعوة الحق، فلها رب يحميها، وبالفتن والمحن يمحصها وينقيها، وكلما كثرت التضحيات اقتربت الأمنيات.

وما علينا في هذه الأوقات بعد الصبر والثبات وتعلق القلوب برب الأرض والسموات إلا: إستفراغ الوسع وبذل الطاقات، والتوجه للمولى بخالص الدعوات، أن يجمع على الحق القلوب والكلمات، وأن يفرج كرب دعوتنا، ويفك أسر أحبتنا، ويجمع شمل أمتنا، إنه مجيب الدعوات.

وما بين عشية وضحاها إلا وقد تغيرت الأحوال، وتحققت الآمال، وانكشفت عن الأمة الغمة، وخرج الأحبة من البلاء أنقياء خروج السيف من الجِلاء، وعادت راية الحق والخير تُظل الناس. ولنا في سنن الدعوات وحوادث التاريخ العبر.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

————
(1) رسالة: مؤتمر رؤساء المناطق والشعب، 1945م.
(2) من كتاب مقومات رجل العقيدة.
(3) رسالة: مؤتمر رؤساء المناطق والشعب، 1945م.
(4) رسالة: المؤتمر الشعبي الأول للإخوان، 1945م.
(5) رسالة مؤتمر رؤساء المناطق والشعب 1945م.

اترك تعليقا