قُطُوف من واحة الأخلاق

قُطُوف من واحة الأخلاق  –  د. محمد حامد عليوة

الأخلاق لغة: الأخلاق جمع خلق، والخُلُق -بضمِّ اللام وسكونها- هو الدِّين والطبع والسجية والمروءة، وحقيقته أن صورة الإنسان الباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخَلْق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها.

وقال الرَّاغب الأصفهاني: «والخَلْقُ والخُلْقُ في الأصل واحد… لكن خص الخَلْق بالهيئات والأشكال والصور المدركة بالبصر، وخص الخُلْق بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة».

الأخلاق اصطلاحًا: عرَّف عبد القادر الجرجاني الخلق بأنَّه: «عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر ورويَّة، فإن كان الصادر عنها الأفعال الحسنة كانت الهيئة خلقًا حسنًا، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي مصدر ذلك خلقًا سيئًا».

وعرفه ابن مسكويه بقوله: «الخلق: حال للنفس، داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا رويَّة، وهذه الحال تنقسم إلى قسمين: منها ما يكون طبيعيًّا من أصل المزاج، كالإنسان الذي يحركه أدنى شيء نحو غضب، ويهيج من أقل سبب، وكالإنسان الذي يجبن من أيسر شيء، أو كالذي يفزع من أدنى صوت يطرق سمعه، أو يرتاع من خبر يسمعه، وكالذي يضحك ضحكًا مفرطًا من أدنى شيء يعجبه، وكالذي يغتمُّ ويحزن من أيسر شيء يناله. ومنها ما يكون مستفادًا بالعادة والتدرب، وربما كان مبدؤه بالرويَّة والفكر، ثم يستمر أولًا فأولًا، حتى يصير ملكة وخلقًا».

وقد عرف بعض الباحثين الأخلاق في نظر الإسلام بأنها عبارة عن «مجموعة المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني، التي يحددها الوحي، لتنظيم حياة الإنسان، وتحديد علاقته بغيره على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على أكمل وجه».

قُطُوف من واحة الأخلاق

عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه، قال: أول ما قدم رسول الله المدينة، انجفل الناس إليه، فكنت فيمن جاءه، فلمّا تأمّلت وجهه، واستبنته، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، قال: فكان أول ما سمعت من كلامه، أن قال: «أيها الناس.. أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» (رواه الترمذي).

– يقول الإمام الحسن البصري – رحمه الله:  «مروءةُ الرَّجُلِ: صِدْقُ لِسانِهِ، واحْتِمَالُهُ مُؤْنَةَ إخْوانِهِ، وبذْلُهُ المعروفَ لأهلِ زمانِهِ، وكَفُّهُ الأذى عن جِيرانِهِ.»

– وَكَانَ يَقُولُ رحمه الله تعالى: «أربعٌ من كُنَّ فيه أدخلَهُ اللهُ الجنةَ، ونشرَ عليهِ الرحمةَ: مَنْ برِّ والِدَيهِ، ورَفَقَ بمَمْلُوكِهِ، وكَفَلَ اليتيمَ، وأعانَ الضعيفَ.»

– يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله: «وأربعة تجلب الرزق: قيام الليل، وكثرة الاستغفار بالأسحار، وتعاهد الصدقة، والذكر أول النهار، وآخره.»

من فضائل الأخلاق الحسنة

أورد عَلَوي السقاف، فى موسوعة الأخلاق (الدرر السَّنيَّة)، بعض فضائل الأخلاق الحسنة، منها:

1- الأخلاق الحسنة من أسباب دخول الجنة:

قال : «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه».

عن أبي هريرة رضي الله عنه: «سئل رسول الله عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: تقوى الله وحسن الخلق، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: الفم والفرج».

2- الأخلاق الحسنة سبب في محبة الله لعبده: وقد ذكر الله تعالى محبته لمن يتخلق بالأخلاق الحسنة، والتي منها الصبر والإحسان والعدل وغير ذلك، فقد قال الله تعالى: (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة: 195]. وقال أيضًا: (وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 146]. وقال أيضًا: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطين) [المائدة: 42]. وقال : «أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقًا».

3- الأخلاق الحسنة من أسباب محبة الرسول قال : «إنَّ من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا».

4- مكارم الأخلاق أثقل شيء في الميزان يوم القيامة: قال : «ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق».

5- الأخلاق الحسنة تضاعف الأجر والثواب: قال : «إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار». وقال : «إنَّ المسلم المسدد ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله عزَّ وجلَّ لكرم ضريبته وحسن خلقه».

6- الأخلاق الحسنة من خير أعمال العباد: قال : «يا أبا ذرٍّ، ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر، وأثقل في الميزان من غيرهما؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: عليك بحسن الخلق، وطول الصمت، فو الذي نفس محمد بيده، ما عمل الخلائق بمثلهما».

7- الأخلاق الحسنة تزيد في الأعمار وتُعَمِّر الديار: قال : «حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار».

8- الأخلاق الحسنة علامة على كمال الإيمان: عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي : «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم».

وفي حديث عمرو بن عبسة أنَّه سأل النبي : أيُّ الإيمان أفضل؟ قال: «حسن الخلق».

0 Comments to “قُطُوف من واحة الأخلاق”

  • zadussaerin

    قُطُوف من واحة الأخلاق
    الأخلاق لغة: الأخلاق جمع خلق، والخُلُق – بضمِّ اللام وسكونها – هو الدِّين والطبع والسجية والمروءة، وحقيقته أن صورة الإنسان الباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخَلْق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها.

اترك تعليقا