كيف تحيا مهموماً بدعوتك؟ (2)

كيف تحيا مهموماً بدعوتك؟ – الحلقة (2)

زيادة الإيمان تنمي الهمّ بالدعوة:
إذا كان الإيمان يزرع بذرة الهمّ بالدعوة والإنشغال بها في قلب رجل العقيدة وجندى الدعوة، والإيمان كما نعلم يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، فإن زيادته تنمي الهمّ بالدعوة والإنشغال بها فلا بد لنا من ذكر بعض العوامل التي تزيد الإيمان وتعمقه في قلب المؤمن ليؤدى دوره الفعال في تنمية الهمّ وتفعيل طاقة المسلم وتفجيرها.

1- سلامة العقيدة وصدق الإيمان: يمكنان المرء من تصحيح مقاييسه وموازينه لتكون ربانية لا مادية فلا تصبح الدنيا الزائلة أكثر همه ولا مبلغ علمه ولا تشغله عن الآخرة التي هي الحياة الحقيقية الدائمة ولكنه يعيش لآخرته فيلتزم في كل أمور حياته صغيرها وكبيرها وفقًا لتعاليم الإسلام كما جاءت في كتاب الله وفي سنة رسوله ﷺ، ويؤثر ما عند الله على كل متاع الدنيا.

والعقيدة مع الإيمان يفجران في النفس طاقات الخير والعمل الصالح فيصبح المؤمن كله حيوية ونشاط يحقق الإنجازات الكبيرة في أقل وقت وبأقل جهد مستعينًا بالله دون شعور بعجز ويأس، فتصبح حياته ولو كانت قصيرة حافلة بالعمل والإنتاج المثمر في حقل الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله منفذًا لإرادة الله وحكمته في خلقه في هذه الدنيا.

2- العلم بدين الله: ولكن لا بدَّ لهده الطاقات الهائلة التي تفجرها العقيدة، أن تكون على هدى من العلم بدين الله وتوجيه الله لأن التلبس بالدين مع الجهالة خطر عظيم وتولد جهودًا عمياء وقوة خرقاء تطغى على حدود النظام الاجتماعي، طوفانًا يخرب الحياة من حيث يريد أصحابها الإصلاح ويحسبون أنهم مهتدون.

3- العبادة الصحيحة: الالتزام بالعبادات والطاعات تعمل على زيادة الإيمان وتزودنا بزاد التقوى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة 21، والعبادات والطاعات تزيد الإيمان وزاد التقوى هو الذي يحقق لنا السعادة في الدنيا والفوز بالنعيم في الآخرة والنجاة من النار، فالإنسان في هذه الحياة يمر بامتحان ويتعرض إلى ابتلاء وفتن، وخير ما يعين على النجاح في هذا الامتحان وعلى النجاة من الفتن هو زاد التقوى، وعبادة الله من أهم مصادر هذا الزاد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَأمُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة 183 (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) سورة التوبة 103 (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) سورة البقرة 197.

وصحة العبادة لها زاوية أخرى غير الأحكام التي تُتبع كي تصح بها ولا تبطل، وتتناولها كتب الفقه، أما الزاوية التي تعنينا هنا هي دور القلب في هذه العبادات والأثر الروحي والتربوي الذي تحققه هذه العبادات في نفس المسلم الذي يؤديها حق الأداء. وكل عبادة لها زادها وأثرها التربوي الذي تتميز به بحيث تتكامل جميعًا في بناء شخصية المسلم النموذج. والكتب كثيرة التي تتكلم عن الأثر التربوي والإيماني لكل عبادة من العبادات ويمكن الرجوع إليها.

ويجب أن نذكر هنا أن للعبادة معنىً شاملًا، وليس قاصرًا على الفرائض ولكنه يعني أن نجعل من كل ما نقوم به في حياتنا من أعمال عبادة نتقرب بها إلى الله. (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَأيَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) سورة الأنعام 162، 163. فالدعوة إلى الله عبادة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة، والعمل على التمكين لدين الله في الأرض عبادة، والجهاد في سبيل الله عبادة، وكل ما يعين على العبادة فهو عبادة، فالأكل والشراب إذا جعلنا النية فيهما أن نتقوى على طاعة الله وعبادته وتحرينا الحلال وتجنبنا الحرام صار الأكل والشراب عبادة، ودراسة الطالب العلم عبادة إذا قصد بها إفادة الإسلام والمسلمين، والعمل إذا قصد به خدمة الإسلام والمسلمين وتحقيق الاكتفاء الذاتي مع البعد عن العمل الذي فيه حرمة أو شبهة فهو عبادة، وكذلك الزواج وما يتبعه من نية العفة والحصانة وإقامة البيت المسلم القدوة وتنشئة الذرية الصالحة يكون عبادة، والرياضة بقصد تقوية البدن لتحمل أعباء الدعوة والجهاد في سبيل الله تكون عبادة.

ولتحقق التقوى من العبادة لا بدَّ من الحرص على صحة العبادة، أحد مقومات أو صفات رجل العقيدة كما أسلفنا، ويعنى ذلك أن نحسن أداء العبادة بحيث تحقق أثرها التربوي وتزود صاحبها بزاد التقوى الذي هو ثمرة العبادة.

والإيمان الصادق لا بدَّ أن يصدقه العمل كما جاء في قول رسول الله ﷺ: «ليس الإيمان بالتمنى ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.»، والأعمال كثيرة ظاهرة وباطنة، فالإيمان الصادق يعطى صاحبه طاقة من الصبر والثبات وتحمل الأذى في سبيل الله دون تفريطه في هذا الدين ومتطلباته.

والإيمان يدفع المؤمن إلى الحب في الله والأخوة والإيثار (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر 9

والإيمان الصادق يدفع إلى الجهاد في سبيل الله دون تثاقل إلى الأرض ويدفع إلى حب الاستشهاد في سبيل الله والتضحية بالنفس والمال في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا.

والإيمان يجعل صاحبه يقول الحق ولا يخش في الله لومة لائم ولا يداخله تردد ولا يأس. فالمؤمن يعلم أن الباطل مهما انتفش فهو زهوق وأن سنة الله التي لا تتبدل تتمثل في قوله تعالى: (كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) الرعد17

والمؤمن يأخذ بالأسباب ولا يعوّل عليها ويتوكل على الله حق التوكل وهو مطمئن أن الله كافيه. (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) الطلاق 3، فيسير على الطريق الصحيح في إقدام واطمئنان متوكلًا على الله موقنًا أنه يأوى إلى ركن شديد لا يبالي بالذين يقومون في وجهه يصدونه عن سبيل الله ويبغونها عوجا لا يفتنه منهم إغراء ولا يستخفه إرهاب لأنه معتصم بالله مستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها.

والإيمان الصادق يدفع صاحبه إلى طاعة الرسول ﷺ واتباع سنته لأنه يعلم أن طاعة الرسول طاعة لله (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) النساء 80، وبالتالى طاعة أميره لحديث رسول الله ﷺ: «من أطاعنى فقد أطاع الله ومن عصانى فقد عصى الله، ومن أطاع أميرى فقد أطاعنى ومن عصى أميرى فقد عصانى». والإيمان يولد في النفس الشعور بالعزة والأستاذية للبشرية، وليست عزة تدفع للتعالي على الناس ولكن عزة تحمل على الرحمة والرأفة بالغير والأخذ بأيديهم إلى طريق الهداية باذلًا كل ما يستطيع لا يتوانى ولا يمل ولا يتسرب إلى نفسه اليأس فينصرف، بل هي الدعوة الدائمة المستمرة فهى رسالته في الدنيا ليكونوا شهداء على الناس.

* هكذا وبعد هذه الجولة حول دور الإيمان وأثره في حياة رجل الدعوة وجندى العقيدة وما رأينا لهذا الدور من أهمية سواء في إيجاد همّ الدعوة لدى المرء أو تنمية هذا الهمّ أو الإعداد الكامل له،
ندعو كل أخ إلى وقفة إيمانية يراجع فيها نفسه ومدى تمثله لصفات المؤمنين الواردة في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وندعوه كلما قرأ في القرآن آية فيها هذا النداء الحبيب: (يا أيها الذين آمنوا) أن ينتبه أشد الانتباه إلى ما بعد هذا النداء ليتمثله ولسان حاله يقول سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.

 واجبات عملية:
يسأل الفرد نفسه بعد كل عبادة صلاة أو صيام أو زكاة أو حج أو كل عمل يتحول بالنية من عادة إلى عبادة عن الأثر الروحى والتربوي الذي تحقق بأدائه لها فإذا لم يجد أو يستشعر هذا الأثر فليبحث عن سبب ذلك وكيف يجتاز هذه الأسباب ليكون للعبادة الأثر الذي يرجوه.
وليسأل نفسه هل يقترب من ربه بعد كل عبادة وهل تسمو روحه وترقى همته ليفكر في عمل واجب من واجبات الدعوة عليه.

————————————-
إنتهى الجزء الثانى وللموضوع بقية في الجزء الثالث إن شاء الله.

اترك تعليقا