تابع: (العوامل التي تعمل على تنمية الهم والإنشغال بالدعوة)
خامساً: استشعار سمو الغاية ونبالة الأهداف إن وضوح الغاية واستشعار سموها في نفس الداعية لتولد فيه همّ بالدعوة وانشغال بها، وإن من أبرز أسباب الخمول والكسل لهو نسيان الغاية والإنشغال عنها، فالداعية الحق (الله غايته)،(والجنة مطلبه) وسلعة الله غالية (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ) التوبة 111.
يقول الإمام الشهيد حسن البنا في رسالة (إلى أى شىء ندعو الناس) تحت عنوان (أين المسلمون من هذه الغاية) : «فبربك يا عزيزى هل فهم المسلمون من كتاب ربهم هذا المعنى فسمت نفوسهم ورقت أرواحهم وتحرروا من رق المادة، وتطهروا من لذة الشهوات والأهواء، وترفعوا عن سفاسف الأمور ودنايا المقاصد، ووجهوا وجوههم لله الذى فطر السماوات والأرض حنفاء يعلون كلمة الله ويجاهدون فى سبيله وينشرون دينه ويزودون عن حياض شريعته. أم هم هؤلاء أسرى الشهوات وعبيد الأهواء والمطامع، كل همهم لقمة لينة، ومركب فاره، وحلة جميلة، ونومة مريحة، وامرأة وضيئة، ومظهر كاذب، ولقب أجوف؟
وصدق رسول الله ﷺ: «تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة».
ويقول أيضاً الأستاذ البنا في نفس الرسالة بعد أن بين مقاصد الناس في الحياة : «تلك مقاصد من مقاصد الناس في الحياة نزه الله المؤمنين عنها وبرأهم منها وكلفهم مهمة أرقى وألقى على عاتقهم واجباً أسمى ذلك الواجب هو: هداية البشرية إلى الحق وإرشاد الناس جميعاً إلى الخير وإنارة العالم كله بشمس الإسلام ، فذلك قوله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ) الحج 77-78».
وإن وضوح نبالة الأهداف وعظمتها في نفس الداعية لتجعله يستجيب لنداء ربه فيما فرضه عليه من واجبات، فتشحذ من همته وتقوى من عزيمته، وتجعله مشغولاً بتلك الأهداف العظيمة والمهام الجسام.
فمهمتنا نحن الإخوان المسلمون كما ذكرها الأستاذ البنا في رسالة (الإخوان المسلمون تحت راية القرآن) -: «أن نقف فى وجه هذه الموجة الطاغية من مدنية المادة وحضارة المتع والشهوات، التى جرفت الشعوب الإسلامية فأبعدتها عن زعامة النبى ﷺ، وهداية القرآن، وحرمت العالم من أنوار هديها وأخرت تقدمه مئات السنين، حتى تنحسر عن أرضنا ويبرأ من بلائها قومنا ، ولسنا واقفين عند هذا الحد بل سنلاحقها فى أرضها وسنغزوها فى عقر دارها، حتى يهتف العالم كله باسم النبى ﷺ، وتوقن الدنيا كلها بتعاليم القرآن وينتشر ظل الإسلام الوارف على الأرض ، وحينئذٍ يتحقق للمسلم ما ينشده، فلا تكون فتنة ويكون الدين كله لله (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ). الروم 4-5».
سادساً: دراسة سير الدعاة السابقين ومطالعة أخبار الصالحين :
إن التشبه بالرجال فلاح، فدراسة تاريخ هؤلاء ممن تفرد همهم بدعوتهم ودينهم بعيداً عن هموم الدنيا، لاشك فيه الزاد لمن أراد أن يضع قدمه على الطريق حتى لا تزل له قدم، ومن أراد أن يلحق بقافلة الخير حتى لا يكون مع المخلفين، ونضرب مثلاً لنموذج من هذه النماذج الفريدة إنه فى الداعية الذى لا يعرف الراحة، ذلكم هو نوح – عليه السلام – إذ يقول الله عنه : (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا) سورة نوح 5-9
انظر إليه وتأمل حاله وسائل نفسك أين أنت منه …؟ !! فهو فى قيام لا يهدأ معه، يصل ليله بنهاره، ورغم صدود قومه وتنكرهم له، لا تلين له قناة، ولاتفل له عزيمة، إنه يتجول فى أحيائهم، ويطرق عليهم بيوتهم، تقرب إليهم بشتى الوسائل فى الليل والنهار، فى السر والعلانية، فى الترغيب والترهيب. (من رسائل العين – الراشد)
فالإهتمام بدراسة سيرة الرسل الكرام والتأمل فى جهادهم، وسيرة الصحابة والتابعين والصالحين، فهى مليئة بالزاد والعبر لمن أراد أن ينمى فى نفسه وفى إخوانه همّ الدعوة والإنشغال بها .
سابعاً: مصاحبة أولى الهمم العالية
يقول سبحانه وتعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) سورة الكهف 28 . «اصبر نفسك مع هؤلاء لا تمل ولا تستعجل، صاحبهم وجالسهم، ففيهم الخير، فوجهتهم إلى الله ، لا يبغون جاهاً ولا متاعاً ولا انتفاعاً، إنما يبغون وجه الله ويرجون مغفرته ورضاه». (مفاهيم تربوية ج1 – الشيخ محمد عبد الله الخطيب)
إن مصاحبة أولى الهمم العالية لترفع همة الفرد وتجعله يتعلم من سلوكهم العملى وانشغالهم بدعوتهم ما لا يتعلمه من كثير من المواعظ والكلام ، فقد قيل: (عمل رجلٍ فى ألف رجل خير من قول ألف رجلٍ فى رجل).
وقد أدرك السابقون هذا الأمر فحرصوا عليه أشد الحرص ، فهذا الحسن البصرى يصف طريق النجاة مع زمرة الصالحين: «والله لقد صحبنا أقواماً كانوا يقولون ليس لنا فى الدنيا حاجة ، ليس لها خلقنا ، فطلبوا الجنة بغدوهم ورواحهم وسهرهم ، نعم والله حتى أهرقوا فيها دماءهم ورجوا فأفلحوا ونجوا» من كتاب ممرات الحق – رائد عبد الهادى
يتحدث الأستاذ أحمد عيد (رحمه الله)، فى كتابه (مواقف إيمانية ج2) عن شخصية من الإخوان المسلمين يقول: «رأيته لأول مرة فى القطار وكان ذاهباً إلى شبين الكوم ليتسلم عمله (عاملاً فى المعهد الزراعى) وذكر لى عنوانه فأوصلته إليه، وكان ذلك فى منتصف الأربعينات . ومضت الأيام ورأيته فى درس الثلاثاء، بدار الإخوان فى شبين الكوم وقد كان حريصاً عليه دائماً، كما كان يوجه إلى المحاضر أسئلة، كنت أتعجب لها فمثلاً، كم عدد الإخوان المسلمين حالياً ؟ وكم عدد الكفار الآن؟ . ولما سئل عما يرمى إليه، قال : أشعر بأن هناك مسئولية تقع على كاهلى وهى دعوة الناس إلى الإسلام، وأريد أن أعرف ما يخصنى بالضبط، حين أعلم عدد الكافرين وعدد المؤمنين فى العالم الآن !!».
ويروى الأستاذ عمر التلمساني فى كتابه (الملهم الموهوب): «أنه حضر حفلاً مع الإمام الشهيد فى المنزلة، وعند النوم دخل الإمام البنا سريره وأرخى ناموسيته، وفعلت مثل ما فعل والتعب والإجهاد قد بلغ منى مداه، فاعترانى قلق، وبعد خمس دقائق سألنى فضيلته : هل نمت يا عمر؟ قلت: ليس بعد، ثم كرر السؤال فترة بعد فترة فصممت ألا أرد عليه موهماً إياه أننى نمت، فلما اطمأن إلى نومى نزل من سريره فى هدوء كامل وعند الباب أخذ (القبقاب) بيده وسار حافياً حتى وصل إلى دورة المياه حيث توضأ وأخذ سجادة الصلاة وذهب إلى آخر الصالة بعيداً عن الغرفة التى ننام فيها وأخذ يصلى ما شاء الله له أن يصلى …».
ثامناً: المبادرة والمداومة على أعمال الخير
يقول سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). سورة آل عمران 200. «إنه النداء العلوى للذين آمنوا، نداؤهم بالصفة التى تربطهم بمصدر النداء، والتى تلقى عليهم هذه الأعباء والتى تؤهلهم للنداء وتؤهلهم للأعباء، وتكرمهم فى الأرض كما تكرمهم فى السماء. النداء لهم، للصبر والمصابرة، والمرابطة، والتقوى.» ظلال القرآن ج1 .
فعلى الداعية أن يبادر ويبادىء فى أقصى الظروف حماية لهمته أن تهمد ووقاية لها أن تضمر، فتنشط فى نفسه دعوته، ويبادر ويسارع إلى حثها على طاعة الله والإنشغال بدينه .
كما ينبغى عليه المداومة على الخير وإن قل، فالقليل الدائم خير من الكثير المنقطع، ففى رواية عائشة رضى الله عنها، أن رسول الله ﷺ سئل: «أى الأعمال أحب إلى الله ؟ قال : أدومها وإن قل»، وفى رواية «كان أحب الأعمال إلى الله عز وجل الذى يدوم عليه صاحبه». رواه البخارى، فهذه المداومة على الخير والمثابرة عليه تولد فى المسلم الإنشغال بالحق والإستعداد لحمل الأمانة والعون عليها .
وهذه المبادرة والمداومة تحتاج إلى المثابرة والصبر العظيم وفى هذا يقول عبد الله بن المبارك «إن الصالحين فيما مضى كانت أنفسهم تواتيهم على الخير عفواً، وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره فينبغى لنا أن نكرهها».
كما ينبغى على الداعية اغتنام الأوقات فى طاعة الله وذلك انتباهاً إلى حديث رسول الله ﷺ: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ». رواه البخارى عن بن عباس. وقوله: «بادروا بالأعمال سبعاً، هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر.» رواه الترمذى عن أبى هريرة .
وقوله: «اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك» رواه الحاكم بسنده – فى المستدرك – عن ابن عباس .
– ويقول سبحانه وتعالى فى سورة الإنشراح (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) قال ابن عباس وقتادة: «فإذا فرغت من صلاتك (فانصب)» أى بالغ فى الدعاء وسله حاجتك، وقال ابن مسعود: إذا فرغت فانصب لعبادة ربك. ويقول د.عبد الله الحسن: «والإحتفاظ بالهمة مسارعة للخير، فاغتنام الصحة قبل المرض، والنشاط قبل الفتور، والحياة قبل الموت، والغنى قبل الفقر، والشباب قبل الهرم» .
إذا هبت رياحك فاغتنمها فإن لكل خافقة سكونا
رسائل العين – الإيجابية بتصرف
وكان أحد الصالحين يقول: “إذا فتح لأحدكم باب خير، فليسرع إليه، فإنه لايدرى متى يغلق عنه” . سير أعلام النبلاء 14/540، وكان الإمام الشهيد حسن البنا يقول: (الوقت هوالحياة )، وكان يكرر أيضاً: (الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك). وهذا يلزم الداعية اغتنام أوقاته بالطاعات بكل ألوانها، حسب استعدادات النفس وحسب الحاجة والأهمية، فتارة بالقراءة النافعة وأخرى بالكتابة والإقتباس، وتارة بالصلاة والدعاء وأخرى بزيارة مدعو تدعوه إلى الله عز وجل وغيرها فى : صلة رحم أو قضاء حاجة للوالدين أو عمل مباح يكون محل استراحة ومحطة وقود تنطلق منها .
عوامل تقعد الفرد عن انشغاله وهمه بدعوته:
1- الركون إلى الدنيا والإنشغال بها …. (العلاج : تذكر البرزخ واليوم الآخر)
إذا علمنا أن أشد ما يقعد الفرد عن انشغاله وهمه بدعوته هو تعلقه وركونه إلى الدنيا وانشغاله بها فهى تملأ عليه قلبه، لذا لابد أن يكون العلاج لذلك الزهد فى الدنيا، وهذا الزهد لا يتأتى إلا بالتذكير الدائم فى حياة ما بعد الموت وأهوال اليوم الآخر ، لذلك وجه رسول الله ﷺ صحابته لتذكر الموت لئلا تفتر هممهم بتعلقهم بالدنيا الفانية فيقول: ” أكثروا من ذكر هاذم اللذات” رواه الترمذى ، قال الطيبى: ” شبه اللذات الفانية والشهوات العاجلة ثم زوالها ببناء مرتفع ينهدم بصدمات هائلة، ثم أمر المنهمك فيها بذكر الهادم لئلا يستمر الركون إليها، ويشتغل بما يجب عليه من الفرار إلى دار القرار ” .
فها هو هانىء مولى عثمان رضى الله عنه يقول: ” كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكى وتبكى من هذا ؟ فقال: إن رسول الله ﷺ قال: إن القبر أول منزل من منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه.” رواه الترمذى .
هكذا كان سمت الصحابة رضوان الله عليهم فما كان الموت واليوم الآخر يفارق أذهانهم ، وذلك لينفكوا من أسر الدنيا التى تكبل المسلم من الحركة والشغل بدعوته وتجذبه إلى الطين ليتحرك من أجله . هكذا المؤمن الذاكر لله واليوم الآخر تبقى جذوة الإيمان متقدة فى نفسه والعاطفة جياشة فى قلبه ، تدفعه إلى العمل لدينه ونصرة دعوته لأنه علم ما قاله الإمام البنا : ”لا خير فى عقيدة لا تدفع صاحبها إلى العمل”
2-مقارنة عمله وجهاده بعمل وجهاد من هو دونه من حيث قدراته وإمكانياته …. (العلاج: أن يضع نصب عينيه فردية الحساب فى الآخرة)
يقول الأستاذ / سيد قطب فى ظلال هذه الآيات : “وطائر كل إنسان ما يطير له من عمله وهو كناية عما يعمله ، وإلزامه له فى عنقه تصوير للزومه إياه وعدم مفارقته، فعمله لا يتخلف عنه وهو لايملك التملص منه. وكذلك التعبير بإخراج كتابه منشوراً يوم القيامة، فهو يصور عمله مكشوف لايملك إخفاءه أو تجاهله أو المغالطة فيه.(مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لنفسه) ” فهى التبعة الفردية التى تربط كل إنسان بنفسه، إن اهتدى فلها وإن ضل فعليها، وما من نفس تحمل وزر أخرى، وما من أحد يخفف حمل أحد، إنما يسأل كل عن عمله، ويجزى كل بعمله، ولا يسأل حميم حميما” ظلال القرآن ج4 ص2217 .
إن إحياء هذا المعنى فى نفس الداعية يجعله يمتلك زمام المبادرة دون الإلتفات إلى عمل الآخرين، رغم أن الكثير من التكاليف واجبة فى حق الجماعة المسلمة مجتمعة (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)، وقوله تعالى: (الَّذِينَ إن مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ). الحج 41، وغيرذلك الكثير، فإن ذلك لا يحمل عن المسلم فردية الحساب بين يدى الله سبحانه وتعالى (وكلكم آتيه يوم القيامة فردا ) لذلك فعلى الداعية أن يفكر بنفسه وأنه محاسب يوم القيامة عن أعماله، وعمّا قدم ، كما أن عليه ألا يرنوا ببصره إلى غيره، فقد يكون لهم من الأعذار ما يمنعهم عن شىءٍ ما، فيتخذ من رسول الله ﷺ قدوته فى توجيه الله له (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) سورة النساء 84 ، فلا ينتظر إعانة من أحد بالرغم أن الأمة كلها مكلفة بالجهاد .
قال الزجاج : “أمر الله تعالى رسوله ﷺ بالجهاد وإن قاتل وحده لأنه ضمن له النصرة”، ولهذا ينبغى لكل مسلم أن يجاهد (كل معانى الجهاد) ولو وحده، ومن ذلك قول الرسول ﷺ: “والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتى”، وقول أبى بكر وقت الردة : “ولو خالفتنى يمينى لجاهدتهم بشمالى”. تفسير القرطبى
3- وجود الفرد في بيئة مثبطة لا تعينه على انشغاله بدعوته ….(العلاج : التحول إلى بيئة يجد فيها على الخير أعوانا)
فللبيئة المحيطة بالإنسان أثرُ لا يخفى على أحد، فليلق الداعية بنفسه في بيئة تدعوه للهمة والنشاط والحركة و الانشغال بالدعوة، وإياه والركون إلى القاعدين أو السماع إلى نداء المثبطين فإن ذلك خطر عظيم ووبال شديد يقعد من يستجيب له عن طريق الدعوة، وينال بهذا القعود سخط الله، والخسارة في الدنيا والآخرة. يقول تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) الكهف 28، وحذر الله المؤمنين من هذا الصنف فى مواضع كثيرة فى القرآن الكريم ففى سورة التوبة وهو يفضح أمر المنافقين يقول: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) التوبة 79، وفي سورة آل عمران يقول سبحانه: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ۗ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) آل عمران 167-168
– فيجب على الداعية أن يتحول إلى البيئة التي يجد فيها على الخير أعواناً، ففي الحديث الذي ذكِرَ في باب التوبة في كتاب رياض الصالحين عن الرجل الذى قتل مائة نفس دلالة على ذلك . ففي الحديث عن أبى سعيد الخدرى عن النبى ﷺ: « … ، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة ؟ فقال : نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة ؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناس يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا انتصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التى أراد فقبضته ملائكة الرحمة». متفق عليه .
– فليحرص الداعية على الرفقة الصالحة التى تتعاون معه على الخير والتى تتمثل قول الحق سبحانه وتعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) سورة المائدة 2 ، وقوله تعالى: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)) سورة العصر، والحديث الذى رواه الترمذى وأبو داود عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : “لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقىّ .”
من الواجبات العملية التي تنمي في الفرد الهم والإنشغال بالدعوة: 1- التدبر فى آيات البذل والحث على الجهاد فى القرآن الكريم لأخذ العبرة والعظة والعمل بما فيها من توجيهات . 2- الإهتمام بدراسة قصص الأنبياء والصالحين والتابعين والسابقين على هذا الطريق وأخذ العبرة من مواقف جهادهم وعطائهم فى سبيل نصرة الحق . 3- زيارة القدامى ممن سبقوا على الطريق وثبتوا عليه والتأسى بهم فى سيرهم وسيرتهم . 4- مصاحبة وملازمة أولو السبق من الدعاة وأصحاب الهمم العالية والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم . 5- أن يلقى الفرد بنفسه فى أجواء الهمة والنشاط والعمل لدعوة الله . 6- متابعة أخبار المسلمين والاهتمام بأمرهم والسعى إلى مساعدتهم بكل الوسائل المتاحة . 7- عمل أبحاث عن الأقليات الإسلامية واقعهم وواجبنا نحوهم .
———————————— انتهى الجزء الرابع والأخير من حلقات: (كيف تحيا مهموماً بدعوتك ؟)، والحمد لله رب العالمين.