لأزحفنَّ بك زحفًا إلى الله

لأزحفنَّ بك زحفًا إلى اللهبقلم: د. محمد حامد عليوة

كان أبو مسلم الخولاني – رحمه الله – حازمًا مع نفسه، فقد علق سوطًا في بيته يُخوف به نفسه، وكان يقول لنفسه: «قومي، فوالله لأزحفن بك زحفًا إلى الله، حتى يكون الكلل منك لا مني»، فإذا فتر وكلَّ وتعب تناول سوطه وضرب رجله ثم قال: «أيظن أصحاب محمد أن يستأثروا به دوننا؟ كلا والله لنزاحمنهم عليه زحامًا، حتى يعلموا أنهم خلفوا وراءهم رجالًا».

هذه عزمة الصادقين، وإرادة الجادين الذين يُحسنون التعامل مع أنفسهم، ويحزمون أمرهم معها، فتراهم يهتمون بها ويحاسبونها ويلومونها على تقصيرها، قال الإمامُ ابنُ القيمِ – رحمه الله تعالى -: «ومن تأملَ أحوالَ الصحابةِ رضي الله عنهُم وجدَهم في غايةِ العملِ معَ غايةِ الخوف، ونحن جمعنا بين التقصير، بل بين التفريطِ والأمن». وإذا كان هذا كلام بن القيم عن حال التقصير والتفريط مع النفس فى عصره، فما بالنا نحن الآن؟!.

لنتدبر قول الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
يقولُ الإمام ابنُ كثيرٍ – رحمه الله – في تفسيرِ قولِه تعالى: (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ): «أي حاسبوا أنفسَكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ماذا ادخرتُم لأنفسِـكم من الأعمالِ الصالحةِ ليومِ معادِكم وعرضِـكم على ربِكم، واعلموا أنه عالمٌ بجميعِ أعمالِكم وأحوالِكم، لا تخفى عليهِ منكم خافيه».

ولنتأمل في وصية سيدنا عمر بن الخطاب، – رضي الله عنه – حين أرسل إلى أحد عمُّالِهِ قائلاً له:  
«حاسب نفسكَ في الرخاء قبلَ حسابِ الشدة، فإن من حاسبَ نفسهُ في الرخاءِ قبلَ حساب الشدة، عادَ أمرُه إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلتْـهُ أهواؤه عادَ أمرُه إلى الندامةٍ والخسارة».

نعم إنها الخسارة والندامة أن يتلهي وينشغل الإنسان عن نفسه ويُهملها ولا يحاسبها، بل هو الهلاك الخطير، ليس هلاك البدن، بل هلاك القلب، وما أخطر وأضر هلاك القلب. يقولُ ابنُ القيّم – رحمه الله -: «وهلاكُ القلب من إهمالِ النفسِ ومن موافقتها واتباع هواها».

ميدانكم الأول أنفسكم
نعم إنه ميدان العمل الأول، الذي يتطلب مزيداً من الكفاح والبذل، فكل جهد نبذله مع النفس، نرى أثره نجاحاً ونفعاً مع غيرنا، بينما يكون العجز معها هو الطريق للفشل والعجز مع من حولنا.

ومن التوجيهات الطيبة في هذا المعنى ما ذكره الإمام حسن البنا – رحمه الله – حيث قال: «يا شباب الإخوان المسلمين: ميدانكم الأول أنفسكم، فإذا انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر، وإذا أخفقتم في جهادها كنتم عما سواها أعجز، فجربوا الكفاح معها أولًا، واذكروا أن الدنيا جميعًا تترقب جيلًا من الشباب الممتاز بالطهر الكامل والخلق الفاضل، فكونوا أنتم هذا الشباب ولا تيأسوا». (1)

——————————
(1) من توجيهات الإمام حسن البنا، نُشرت في جريدة (الإخوان المسلمون) تحت عنوان (توجيهات)، بتاريخ (26 ذو القعدة 1361 هـ، الموافق 5 ديسمبر 1942م).

اترك تعليقا