مقدمة السعيد من رتب أوراقه وهيأ نفسه للاستفادة من تلك الفرص قبل قدومها عليه، فلا يدعها تمر حتى يتزود منها بكل ما يحتاجه في رحلته إلى الله عز وجل، كما قال الله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)) (البقرة) ومن أهم المحطات التي تمر على المسلمين مرة واحدة كل عام: (شهر رمضان)، فها هي الأيام تمضى ويهل علينا الشهر الكريم بخيره وبركته.
ولقد جعله الله عز وجل موسمًا لاستباق الخيرات، النافلة فيه كالفريضة والفريضة كسبعين فريضة في غيره. شعاره يا باغي الخير أقبل. الشياطين فيه مصفدة، وأبواب النيران مغلقة، والأجواء مهيأة لنيل المغفرة والرحمة والعتق من النار. تزينت فيه الجنة ونادت خُطابها أن هلموا إلى وأسرعوا الخطى فالسوق مفتوح والبضاعة حاضرة، والمالك جواد كريم. فهيا بنا نُحسن الاستعداد لاستقباله حتى لا نُفاجأ بقدومه، ومما يُعنينا على ذلك معرفة ماذا نريد من هذا الضيف الكريم؟ وما الوسائل التي سنستخدمها؟.
وهذه الصفحات التي بين أيدينا هي محاولة للإجابة عن هذا السؤال.
أولا:رمضان شهر المغفرة يقول ﷺ: «رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له». فمن لم يغفر له في رمضان فمتى يغفر له؟ . أيُغفر له وهو غارق في بحر الدنيا بعيدًا عن الآخرة؟ أم يُغفر له وهو يلهث وراء الدرهم والدينار وطلبات الزوجة والأولاد؟ نحن لا نتألى على الله تعالى ولكن كما أخبرنا – سبحانه وتعالى – أن للمغفرة أسبابًا، ولدخول الجنة تكاليف. فليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.
هل من مشمر للجنة: يقول ﷺ: «ألا هل من مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وثمرة نضيجة، وزوجة جميلة، وحلل كثيرة، ومقام في أبد في دار سليمة، وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في حلية عالية بهية» قالوا: نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها، قال: «قولوا إن شاء الله» فقالوا إن شاء الله.
إن دخول الجنة يحتاج بعد التعلق برحمة الله إلى كثير من المجهود نبذله في طاعة الله، ولم لا؟ وما هي إلا أيام معدودات نمكثها في هذه الحياة الدنيا ثم يعقبها سنوات طوال – لا نهاية لها – في القبر والدار الآخرة.
إن أغلى أماني أهل القبور أن يعودوا إلى الدنيا ولو للحظة: يسبحون الله فيها تسبيحة أو يسجدون له سجدة واحدة، فهل لنا فيهم من عبرة؟ أما آن لنا أن نفيق من غفلاتنا ونستعد لمواجهة المصير الذي ينتظرنا؟
إننا ما زلنا في الدنيا والفرصة سانحة أمامنا للتزود لما بعد الموت، وها هو شهر رمضان يدعونا لذلك، هيا بنا نشمر عن سواعدنا ونهجر فراشنا ونوقظ أهلنا ونرفع راية الجهاد ضد أنفسنا وشهواتها ورغباتها، وهيا بنا نُجيب داعي الله: (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّلَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ(47)) (الشورى)
ثانيا:أحوال الناس مع رمضان نعم. رمضان فرصة عظيمة لا تأتي إلا مرة واحدة في العام، ولكن هل يتعامل معها المسلمون بنفس المستوى؟ * فمن الناس من يعتبر مجيء هذا الشهر عبئًا ثقيلًا عليه يتمنى زواله فلا يرى فيه إلا الحرمان. هؤلاء دخل عليهم رمضان ثم خرج دون أن يترك فيهم أثر أو يُحدث لهم ذكرًا.
* ومنهم من أستشعر قيمته فشمر سواعد الجد وأجتهد غاية الاجتهاد في الاتيان بأكبر قدر من الطاعات فأكثر من ختم القرآن وأداء الصلوات والقربات دون الاهتمام بحضور القلب فيها. تعامل مع كل وسيلة علي أنها هدف في حد ذاته، ولم ينظر إلى الهدف الأسمى الذي يرنو الصيام إلى تحقيقه. ومما لا شك فيه أن هؤلاء يشعرون بأثر طيب في قلوبهم. هذا الأثر سرعان ما يزول بعد انتهاء رمضان بأيام قلائل.
* وهناك صنف من الناس اعتبر رمضان فرصة نادرة لإحياء القلب وإيقاظه من رقدته وإشعال فتيل التقوى وجذوة الإيمان فيه.
نظر إلى مستهدف الصيام فوجده في قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَأمُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)) (البقرة) فتقوى الله عزوجل هي مقصود العبادات (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(21) [(البقرة) وعلى قدرها في القلب يكون قرب العبد أو بعده من الله عز وجل] إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)) (الحجرات)
وعلم هذا الصنف أن شهر رمضان ما جاء إلا ليقرب الناس من ربهم ويزيد من صلاتهم به، ويقطع عن قلوبهم صلتها بالدنيا فهو يزود القلوب بخير زاد (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَالزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)) (البقرة) فشمر عن سواعد الجد وأحسن استخدام الوسائل التي وضعها الإسلام في هذا الشهر المبارك وجمع بين عمل القلب وعمل الجوارح.
ومما لا شك فيه أن الصنف الأخير هو الفائز الأكبر من رمضان فلقد أصلح من خلاله قلبه وانطلق به في طريق السائرين إلى الله.
ثالثا:إصلاح القلوب في رمضان عندما يستيقظ الإيمان، وتشتعل جذوته في القلب فإن أمارات الصلاح تظهر بوضوح على الجوارح مصداقًا لقول الرسول ﷺ: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» فترى صاحب هذا القلب مسارعًا في الخيرات معظمًا لشعائر الله مصداقًا لقوله تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)) (الحج). وما جاء شهر رمضان إلا ليقرب الناس من ربهم ويزيد من صلاتهم به، ويقطع عن قلوبهم صلتها بالدنيا فهو يزود القلوب بخير زاد] (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَالزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)) (البقرة)
وسائل إصلاح القلوب في رمضان: ووسائل إصلاح القلوب في رمضان يمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسيين:
* قسم يصلح من خلاله العبد ما بينه وبين الله، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الجانب الشعوري الوجداني،
* والقسم الآخر فيختص بعلاقة الفرد بمجتمعه ويسمى الجانب السلوكي الاجتماعي، ولا يمكن الاستغناء بأحد القسمين عن الآخر، فكلاهما له دور في إنجاح مهمة المسلم على الأرض، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) (النساء: 125) فإسلام الوجه لله – وهو أمر شعوري ووجداني – لا بدَّ أن يصاحبه إحسان إلى الخلق.
(أ)القسم الأول: إصلاح ما بين العبد وبين الله
يُتيح شهر رمضان للمسلم العديد من الوسائل التي من شأنها أن تحي قلبه، وتحسن صلته بربه ومنها ما يأتي. 1:الصيام: وهو وسيله عظيمة لإمتلاك النفس والسيطرة عليها، ولم لا؟ ، وهي – أي النفس – العائق الأكبر في سير العباد إلى الله، فمن شأنها دومًا طلب الحظوظ والفرار من الحقوق، ومن أفضل طرق ترويضها الصيام، فبه تضعف مادة شهوتها، فإذا أردنا أن نستفيد من هذه الوسيلة فعلينا ألا نقضى أغلب النهار في النوم، وعلينا كذلك أن نتوسط في تناول الطعام والشراب عند الإفطار، ولا نتوسع في الأصناف فيكفى صنف أو اثنان، قال الحليمى: وكل طعام حلال فلا ينبغي لأحد أن يأكل منه ما يثقل بدنه، فيحوجه إلى النوم، ويمنعه من العبادة وليأكل بقدر ما يسكن جوعه، وليكن غرضه من الأكل أن يشتغل بالعبادة ويقوى عليها. ومع الصيام عن الطعام والشراب علينا كذلك الإقلال من الكلام والضحك قدر المستطاع ولنرفع شعار (أمسك عليك لسانك)، وليكن كلامنا بعيداً عن اللغو وسائر أفات اللسان.
2:التعلق بالمساجد: المسجد له دور كبير في تنوير القلوب. ففي ختام قوله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَأوَاتِ وَالْأَرْضِ) يقول تعالى: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(النور: 35) وفي الأيه التي تلتها حدد سبحانه أعظم مكان لتلقى نوره بقوله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ) (النور: 36) ففي المسجد تربط القلوب على طاعة الله وتحبس النفس عن معصيته. يقول ﷺ: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، قالوا بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكارة وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط».
إن قلب المؤمن كثير التقلب من حالة إلى حالة نتيجة التنازع المستمر بين داعي الإيمان وداعي الهوى، وهو بحاجه إلى ربطه وتثبيته على حالة الإيمان. وهنا يأتي دور المسجد، قال أبو هريرة في قوله تعالى: (اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا) (آل عمران: 200) لم يكن في زمان النبي ﷺ غزو يرابط فيه ولكن انتظار الصلاة بعد الصلاة.
فلنبكر بالذهاب إلى المسجد ولا نترك أماكننا بعد الصلاة إلا لضرورة كي ننعم بصلاة الملائكة علينا. قال ﷺ:«الملائكة تصلى على أحدكم مادام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث: اللهم أغفر له اللهم ارحمه» وعلى الأخت المسلمة أن تخصص مكانا في بيتها تتخذه مسجدًا فتبكر في الذهاب إليه وانتظار الصلاة وترديد الأذان وطول المكث فيه كلما سنحت ظروفها.
3:القرآن الكريم: رمضان شهر القرآن وقد كان من هدى رسول الله ﷺ مدارسة القرآن فيه. فهو وسيلة عظيمة لشفاء القلوب وهدايتها وتنويرها، قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (يونس: 57) وعلى قدر صلة المسلم بالقرآن تكون صلته بالله. قال ﷺ: «أبشروا! فإن هذا القرآنطرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تهلكوا ولن تضلوا بعده أبدًا». قال ابن القيم رحمه الله: لا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبروالتفكر، فإنه جامع لجميع منازل السائرين، وأحوال العالمين، ومقامات العارفين. فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواه، فقراءة آية بتفكر خير من ختمة بغير تدبر وتفهم.
كيف ننتفع بالقرآن؟ 1- قبل بدء القراءة: دعاء الله والإلحاح عليه بأن يفتح قلوبنا لأنوار كتابه، وأن يكرمنا ويعيننا على التدبر والتأثر، فهذا الدعاء له دور كبير في تهيئه القلب لاستقبال القرآن (وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ * فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَلَهُ الدِّينَ) (غافر: 13، 14). 2- الإكثار من تلاوة القرآن، وإطالة فترة المكث معه ويفضل أن يكون اللقاء بالقرآن في مكان هادئ – قدر المستطاع – وبعيدًا عن الضوضاء ليساعد المرء على التركيز وعدم شرود الذهن، ولا ننسى الوضوء والسواك قبل القراءة. 3- القراءة من المصحف وبصوت مسموع وبترتيل: فالترتيل له وظيفة كبيرة في الطرق على المشاعر ومن ثم استثارتها وتجاوبها مع الفهم الذي سيولده التدبر، لينشأ بذلك الإيمان حينما يتعانق الفهم مع التأثير. 4- القراءة الهادئة الحزينة: علينا ونحن نرتل القرآن أن نعطي الحروف والغنات والمدود حقها حتى يتيسر لنا معايشة الآيات وتدبرها والتأثر بها، وعلينا كذلك أن نقرأ القرآن بصوت حزين لاستجلاب التأثر. 5- الفهم الإجمالي للآيات: من خلال إعمال العقل في تفهم الخطاب، وهذا يستلزم منا التركيز التام مع القراءة، وليس معنى إعمال العقل في تفهم الخطاب أن نقف عند كل كلمة ونتكلف في معرفة معناها وما ورائها، بل يكفى المعنى الإجمالي الذي تدل عليه الآية أو الآيات حتى يتسنى لنا الاسترسال في القراءة، ومن ثم التصاعد التدريجي لحركة المشاعر فتصل إلى التأثر والإنفعال في أسرع وقت. 6- الاجتهاد في التعامل مع القرآن: كأنه أنزل عليك، وكأنك المخاطب به، والاجتهاد كذلك في التفاعل مع هذا الخطاب من خلال الرد على الأسئلة التي تتضمنتها الآيات، والتأمين عند مواضع الدعاء، وهكذا. 7- تكرار وترديد الآية أو الآيات التي حدث معها تجاوب وتأثر قلبي: حتى يتسنى للقلب الاستزادة من النور الذي يدخل، والإيمان الذي ينشأ في هذه اللحظات. 8- لا بأس من وجود تفسير مختصر بجوارنا: لجلاء شبهة أو معرفة معنى شق علينا فهمه، وإن كان من الأفضل الرجوع إليه بعد انتهاء القراءة حتى لا نخرج من جو القرآن والإنفعالات الوجدانية التي نعيش في رحابها، إلا إذا ألحت علينا كلمة نريد معرفة معناها في التو واللحظة.
4:قيام الليل: يقول ﷺ: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم وتكفير للسيئات ومطردة للداء عن الجسد» إن التعرض لنفحات الليل واقتسام الغنيمة مع المجتهدين لمن أعظم وسائل غرس الإيمان في القلب. إن هذه الوسيلة العظيمة التي تجمع بين تدبر القرآن وما فيه من كنوز وبين الركوع والسجود، وما فيها من معاني الذل والخضوع والإنكسار للمولى سبحانه وتعالى لمن أهم وسائل التقرب إلى الله عز وجل. فلا ينبغي أن تفوتنا ليلة دون قيام مهما كانت الظروف، والأفضل بجانب أدائنا لصلاة التراويح أن نستيقظ قبل طلوع الفجر بوقت كاف للتهجد والاستغفار، لتذوق طعم الحياة الحقيقية باستنشاق نسيم الأسحار ونحن نناجى الرحمن.
– من فقه قيام الليل: عندما يمن الله علينا بالاستيقاظ قبل الفجر بوقت كاف، علينا ألا نطيل القيام والقراءة فقط بل نطيل الركوع والسجود أيضا، فأقرب مايكون العبد من ربه وهو ساجد. ففي السجود يتم إخراج معاني الذل والإنكسار وإظهارالفقر والمسكنة لمن بيده ملكوت السماوات والأرض. – اسجد واقترب: إذا أردنا أن تحقق السجدة هدفها، فنقترب من خلالها إلي الله شيئًا فشيئًا كما قال سبحانه وتعالى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (العلق: 19) علينا أن نجعلها سجدة حارة تنسكب فيها الدموع لتكون مداد رسائلنا إلى مولانا.
– ماذا نفعل لو حرمنا القيام؟ : قد نأخذ بجميع الأسباب المعينة على الاستيقاظ للتهجد ثم نفاجأ بأذان الفجر. فماذا نفعل؟ إنها رسالة من الله عز وجل تحمل لنا معاني كثيرة: منها أن هذا الحرمان قد يكون بسبب ذنب أذنبناه أو تقصير في حق من الحقوق. ومنها أن الرغبة في القيام لم تكن أكيدة. ومنها أنها قد تكون ابتلاء من الله لينظر ماذا سنفعل. فإذا حدث ذلك فعلينا بالفرار إلى الله في الصلاة والدعاء نسترضيه ونستغفره ونتملقه عساه يعفو عنا. وعلينا أيضا بصدقة السر فإنها تطفىء غضب الرب.
5:الاستفادة من الأوقات الفاضلة: يقول ﷺ: «إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لهالعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبدا»، هذه النفحات بلا شك ستصيب منيتعرض لها أما الغافل عنها فأحسن الله عزاءه. * فعلى مستوى اليوم: هناك ثلاثة أوقات يسميها العلماء بأوقات السير إلى الله بالطاعات وهي آخر الليل وأول النهار وأخره قال ﷺ:«إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وابشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة». وقد وردت من النصوص الكثيرة في أذكار الصباح والمساء وفي فضل من ذكر الله حين يصبح وحين يمسى، وكان السلف لأخر النهار أشد تعظيما من أوله. * أما بالنسبة للأسبوع: فليوم الجمعة شرف عظيم وفيه ساعة يجاب فيها الدعاء فلنحرص على التعرض لها، يقول النووي: ويستحب الإكثار من الدعاء في جميع يوم الجمعة من طلوع الفجر إلىغروب الشمس رجاء مصادفة ساعة الإجابة فعلينا بالاجتهاد في هذا اليوم المبارك ولنضع له برنامج خاصاً، ولنبكر فيه الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة على أحسن هيئة.
وإن كان شهر رمضان له أفضلية خاصة عن بقية الشهور فإن ليلة القدر لها شرف عظيم، يقول ﷺ: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر لهما تقدم من ذنبه». والتماس ليلة القدر إنما يكون في العشر الأواخر من رمضان، لذلك يستحب الاجتهاد فيها فلقد كان رسول الله ﷺ إذا دخل العشر الأواخر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله.
ومن هذه المواسم أيضا: موسم العمرة فهي في رمضان تعدل حجه فلنحرص على القيام بها. وليعمل كل منا على أن ينظم أموره بالطريقة التي تعينه على الاستفادة من هذه الأوقات الفاضلة، فإن فاته وقت منها لم يترك الاجتهاد في البقية الأخرى.
————————–
(*) انتهى الجزء الأول ويلية الجزء الثاني والأخير المتمم لهذا الموضوع. إن شاء الله تعالى