مفاهيم أساسية حول العمل مع المجتمع – بقلم د. محيي حامد
يشعر كل أفراد هذه الجماعة منذ نشأتها على يد الإمام البنا -رحمه الله- أنَّ واجبهم العملي هو إصلاح هذه النفس ودعوة الغير وأن كل ما يعدُّون أنفسهم به من وسائل التربية المختلفة هو لإعداد هذه النفس لتحمل تبعات الدعوة الجسام والصبر على ما تلاقيه على المستوى الفردي والجماعي ويرجون أن يلقوا ربهم غير خزايا ولا نادمين ولا مبدلين ولا فاتنين ولا مفتونين ويدعون ربهم دائمًا (اللهم اجعلنا هداة مهديين لا ضالين ولا مُضلين).
وقد حيل بيننا وبين دعوة قومنا إلى الخير الذي نحمله ونذيقهم حلاوة ما ذقناه في ظل هذه الجماعة المباركة فترة طويلة وعندما كانت تُتاح لنا الفرصة بين الحين والحين أو في بعض مجالات العمل في المجتمع وجدوا منا نموذج الداعية الذي يحترق ليضيء للحائرين الطريق ﴿أَوَ مَن كَأنَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ (الأنعام: من الآية 122). وها هي مساحات العمل الدعوي تتسع وتحتاج منا إلى همة عالية وصبر طويل واطمئنان إلى أن الأجر عند مَن لا تضيع لديه الودائع ومَن لا يُضِيع أجر مَن أحسن عملًا، ولذا لزم التذكير بعدة مفاهيم أساسية:
أولًا: أننا جماعة ربانية تستلهم قرآنَ ربها في كلِّ موقف وسنة نبيها ﷺ، وكما قال الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – عن القرآن: «إنَّ هذا القرآنَ نزل في جوٍّ ساخن ولا يُفهم إلا في مثل الجو الساخن الذي نزل فيه»، وكذلك سنة الحبيب المصطفى ﷺ الذي أوتي جوامع الكلم نتدارس مواقفه العديدة في العمل في المجتمع في كل الظروف والأحوال ومع العديد من الشخصيات ذات الطبائع والسلوكيات المختلفة.
ثانيًا: أن أجر العمل مع المجتمع كبيرٌ وعطاء الله فيه وفير؛ لأن الله عز وجل عندما وهبنا هذه النعمة أراد منا أن نؤدي زكاتها بتوصيلها لمن حُرم منها أو نذيقه حلاوة أن يعيش في ظل ما أفاء الله علينا من فضل، وكما قال الرسول ﷺ: «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ».
ثالثًا: أن دافع العمل مع المجتمع يكون من باب الطبيب الذي يشفق على مرضاه ويعلم أن دراسته وتدريبه في فترة إعداده إنما كانت لكي يقوم بهذه المهمة لمرضاه حتى يشفيهم الله على يديه متمثلًا الحديث القدسي الشريف: «إن تابوا فأنا حبيبهم فإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم»، فنحن كطبيب الأوبئة لا يمكن أن يتخلى عن واجبه في علاج الأوبئة في مجتمعه قيامًا بواجبه وشفقةً على مرضاه وأهله وعشيرته، ولكن عليه أن يُحصِّن نفسه أولًا قبل دخول هذا المعترك الواجب وأن يُحصِّن الأصحاء ويضع برنامجًا طبيًّا متكاملًا لعلاج المرضى المصابين. فتمثل أنت بذلك أخي الداعية المصلح وكن حبيبًا للتائبين وطبيبًا للعاصين المذنبين.
رابعًا: إن المدخل إلى كل النفوس هو الحب، وهو الذي يوجهنا إليه الحديث نفسه: «أتودد إليهم بنعمي»، ويقول: «أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني بحب الله لي»، وتذكَّر أن أخذك بيد غيرك ليس تفضلًا منك ولكنه حق الله عليك في شكرِ هذه النعمة، وحق العباد المحرومين منها في رزقِ الله لك؛ لأن الطائع الصالح المتحرك بدعوته بين الناس يكون كالماء الحالي طاهرًا في نفسه مطهرًا لغيره فإذا ما توقَّف ولم يجرِ بها أصبح طاهرًا في نفسه فقط غير مطهرٍ لغيره ثم لا يلبث بعد فترة من الركود والركون أن يُصبح غيرَ طاهرٍ في نفسه ولا مطهرًا لغيره.
خامسًا: إنَّ المعاملةَ مع عمومِ الناس يجب أن تكون حسنة؛ فقد أمرنا الله أن نقول للناس حسنًا وأن نعفو عمَّن ظلمنا ونصل مَن قطعنا ونُعطي من حرمنا؛ لأننا يجب أن نكون أصحاب فضل، وقد همَّنا الأجر ﴿وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(22)﴾ (النــور). جعلنا الله وإياكم ممن هداهم وهدى بهم إلى صراطه المستقيم وجنات النعيم.
———————-
0 Comments to “مفاهيم أساسية حول العمل مع المجتمع”
zadussaerin
نحن بحاجة ماسة إلى دراسة أساليب العمل مع المجتمع، وآثارها التربوية والدعوية.