من روائع الإخلاص وإنكار الذات (قصة صاحب النّقْب)

من روائع الإخلاص وإنكار الذات(قصة صاحب النّقْب)

كان مسلمة بن عبد الملك بن مروان أحد قادة الفتح الإسلامي الكبار في المشرق، وتذكر كتب التاريخ قصة القائد مسلمة بن عبد الملك مع صاحب النقب.

ففي يوم من أيام جهاده المجيد حاصر مسلمة حصنا من حصون الروم واستعصى على المسلمين فتحه، فندب الناس (أي طلبهم وحثهم) إلى نَقْب منه، هو مصرف للمجاري والقاذورات ولكنه المدخل الوحيد للحصن. لعل أحدًا منهم يدخل منه ويقاتل في الداخل ثم يصل الباب ويفتحه للمسلمين، فما دخله أحد.

فجاء رجل من عرض الجيش، فدخله ففتحه وكان فتحا من الله تعالى على المسلمين، فنادى مسلمة: «أين صاحب النّقب؟» فما جاء أحد.فنادى: «إني قد أمرت الآذن بإدخاله ساعة يأتي، وعزمت عليه إلا جاء (أي أمرته وعليه الطاعة)»؛ فجاء رجل فقال للآذن: «استأذن لي على الأمير». فقال له الآذن: «أنت صاحب النّقب؟ “قال: «أنا أخبركم عنه»، فأتى مسلمة فأخبره عنه، فأذن له، فقال: «إن صاحب النِّقب يأخذ عليكم ثلاثًا: الا تُسَوِّدُوا اسمه في صحيفة إلى الخليفة، ولا تأمروا له بشيء، ولا تسالوه: ممن هو؟» قال مسلمة: «فذاك له»، قال: «أنا هو». 

فوقف مسلمة والدموع تملأ عينيه فقال: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).
وكان مسلمة بعد ذلك يقول في سجوده: «اللهم احشرني مع صاحب النقب».

ورغم أنَّ مسلمة من أشهر الفاتحين إلا أن دعاءه في كل صلاة أن يجعله الله مع صاحب النقب الذي كان سببًا في فتح الحصن، شرفه أكثر من كل سمعة وشهرة.

لقد مات صاحب النقب في أجله الموعود، فنسيه الناس ولم يعرف بموته أحد، ولكن الله سبحانه وتعالى يعرفه ولا ينساه. وأين معرفة الناس وذكرهم من معرفة الله وذكره؟

يقول الإمام بن القيم – رحمه الله: «إن الله إذا أراد بعبدٍ خيرًا سلب رؤية أعماله الحسنة من قلبه والإخبار بها من لسانه، وشغله برؤية ذنبه، فلا يزال نُصْبَ عينيه حتى يدخل الجنة، فإن ما تُقبِّل من الأعمال رُفع من القلب رؤيته، ومن اللسان ذكره».

إنْ لم يكن للهِ فعلك خالصًا .. فكلّ بنـاءٍ قد بنيْتَ خـرابُ
اجعلوا بينكم وبين الله خبيئة عملٍ صالح تنفعكم يوم لا ينفع مال ولا بنون.

اترك تعليقا