ما من عمل ينتفع به المسلم عند الله وينتفع به الناس مثل الخلق الحميد، وبالتالى وجب على من تصدر للإفادة والتربية أن يتميز بأخلاقه. وهناك أخلاق وصفات لا بد أن يحوزها المربي ويجاهد نفسه فيتكلفها حتى يصبح مطبوعاًً بها، ومن أمهات هذه الأخلاق مايلى :
1- أن يكون عادلاً مقسطاً :
قال رسول الله ﷺ: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في قومهم وأهليهم وماولوا».
يقول شهيد القرآن -رحمه الله- في الظلال عن هذه الآيات: «إنها أمانة القيام بالقسط على إطلاقه في كل حال وفي كل مجال، القسط الذي يمنع البغي والظلم في الأرض والذي يكفل العدل بين الناس والذي يعطى كل ذي حق حقه من المسلمين وغير المسلمين، ففي هذا الحق يتساوى عند الله المؤمنون وغير المؤمنين، ويتساوى الأقارب والأباعد ويتساوى الأصدقاء والأعداء ويتساوى الأغنياء والفقراء، إنها أمانة القوامة على البشر والشهيد يكون شهيداً لله ولوعلى نفسه ولو على أبيه، وإتباع الهوى ظلم يمنع من العدل ولو كان الهوى عاطفة حميدة».
ويقول رحمه الله: «والهوى صنوف شتى ذكر منها بعضها – يعنى القرآن أو الآية – حب الذات هوى، وحب الأهل والأقربين هوى، والعطف على الفقير في موضع الشهادة والحكم هوى، ومجاملة الغنى ومجاراته هوى، وكراهية الأعداء ولو كانوا أعداء الدين في موطن الشهادة والحكم هوى، كلها مما ينهي الله الذين آمنوا عنها أو التأثر بها، والعدول عن الحق والصدق تحت تأثيرها»
ثم يقول: «من الميثاق الذي واثق الله به الأمة الإسلامية القوامة على البشرية بالعدل المطلق الذي لا يميل ميزانه مع المودة والشنآن مع الحب او الكره وهي قمة أعلى مرتقى وأصعبُ على النفس وأشق. إقامة النفس بالعدل مع الشعور بالكره والبغض ولو كان بغيضك عدواً لك في الدين شديد الكيد فاجر اللسان في الله ورسوله والمؤمنين، كاليهودي فينبغي أن يكون عدلك معه مطلقاً، فقضية اليهودي الذي برأه القرآن وأمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم في سياق الآيات أن يستغفر الله مما بدر منه في هذه القصة خير شاهد على العدل المطلق الذي أمر به القرآن المؤمن».
وذكر الإمام الطبري عند قوله تعالي (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) 112 النساء، يقول :«أن البرئ اختلف فيه أهل التأويل يقول بعضهم أنه رجل من المسلمين من الأنصار مثل سيدنا لبيب بن سهل وبعضهم يقول آخرون أنه زيد ابن السليل وهو يهودي».
وقصة هذا الرجل أنه كان سُرق درعاً من سيدنا رفاعة عم سيدنا قتادة بن النعمان الأنصاري، سرقها مع الأسف بيت من بيوت الأنصار يسمى بنو أسير، يسمى أحد بن أبيرق، ثم أخذ بن أبيرق هذا الدرع وقذفها عند اليهودي، وقال: اذهبوا إلى رسول الله ﷺ وقولوا له برئ هذا الرجل، وهم رسول الله ﷺ أن يفعل ثم نزلت هذه الآيات وبرأ الله عز وجل اليهودي .
والأستاذ سيد رحمه الله له تعليق على هذه القصة يقول «أن اليهود في هذا الوقت أهل شر وكيد، والأنصار خاصة رسول الله، فكيف يُبرأ اليهودي؟. من أجل أن العدل لابد أن يكون مطلقا فقد برأ القرآن المتهم اليهودي وأثبت التهمة على رجل من الأنصار، واليهود يفعلون الأفاعيل بالمسلمين، والأنصار هم خاصة رسول الله ﷺ”. وأقيم العدل ولم يدخل اليهودي في الإسلام ثم هرب بن ابيرق هذا إلى أهل الشرق ومات بعيداً عنه ومع ذلك بالرغم من هذه النتيجة نزل القرآن بأمر المسلمين بأن يقيموا العدل مطلقاً ولو كان مع يهودياً أو على بني دينهم” .
يضاف إلى ذلك قوله تعالى (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ) مجرد القول، (وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) ثم (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ)، فالنقيب المتصدر للتربية يطالب قلبه بالعدل بين إخوانه، ويطالب لسانه بالعدل بينهم، ويطالب عينه بالعدل أيضاً، فلا يميل قلبه عن فلان بغير بينه ولا تثبت، ولا يفرق بين اثنين في ظن الخير ولا غير يقين، ولا يحابي قديماً لقدمه على حديث لحداثته، فالعدل ميل عن هوى الود وميل عن هوى النفس وهو صراط مستقيم، وهو قسطاس مستقيم، والعدل مقدس لذاته وإخوان النقيب رعية استرعاه الله واسترعته جماعته إياهم، فلا مناص له إلا أن يكون حكماً مقسطاً شهيداً لله تعالى وحده .
2- أن يكون شريفاً في خصومته :
الشرف في الخصومة من خلق سادات المؤمنين، وما أحوج المربي له لما له من عظيم الأثر في نفس الخصم، وكفى شرفاً لك أن تعترف لخصمك بفضله وأنت على خصام معه، وحرصاً من الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله، على غرس هذه المنقبة العظيمة في نفوس الإخوان يقول لهم رضى الله عنه : «وصيتي لكم أيها الأخوان أن تحرصوا على شرف الخصومة فكونوا منصفين لخصومكم، لا تدعوكم الخصومة أيها الأخوان إلى إنكار فضل خصومكم ولا تدعوكم الخصومة لتلمس العيب لهم».
وقد جرى بين الصحابة رضوان الله عليهم من الاعتراف بالفضل في الخصومة ما يثير العجب وعلى سبيل المثال: عندما وقف الزبير -رضي الله عنه- في الصف لقتال على رضي الله عنه ذكّره علىُُ رضى الله عنه فانصرف الزبير، ثم اتبعه رجل من صف علي (بن الجرموز) فقتل الزبير رضى الله عنه، ثم اتى ابن الجرموز هذا يستأذن على علي رضى الله عنه يريد أن يجعل لنفسه حظوة عند علي، فقالوا من؟ قالوا: فلان، فكان ما قاله سيدنا علي الآتي: (بشر قاتل بن صفية بالنار) ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إن لكل نبي حواري وحواريي الزبير»، (والحديث ورد في سند الأمام أحمد بروايتين صحيحتين من جهة الإسناد).
كان هذا في الخصومة التي وصلت إلى حد القتال وإراقة الدماء وترمل النساء وتيتم الأطفال، فإذا ما كانت الخصومة دون ذلك فربما تكون خلافاً، فإن كنا أصحاب دعوة حقيقيين فلابد ان نعترف بالفضل لمن يخالفونا أو يخاصمونا .
إن الظلم وعدم الإنصاف صفات منفرة للنفوس المقبلة على الدعوة، والنقيب الذي لا يعدل أو لا يُنصف، فلا يسأل بعد ذلك عن فقد الحب والثقة والتألف بين إخوان أسرته .
3- أن يكون متواضعاً ذليلاً :
متواضعاً لله ذليلاً على إخوانه، تواضع الأكابر في الدين والعلم هو خلق الأبرار والصديقين، وما أحوج المربي إليه. والتواضع خلق ذي التجربة والحنكة والعقل حتى ولو كان من غير المؤمنين، أما المؤمن وهو صاحب عقل وحنكة فلابد أن يتواضع. والذلة على الأخوان خلق القرآن العظيم الذي عظم به المؤمن وشرف به ، فمن وصفه تعالى وجل ثناؤه لمن يحبهم ويحبونه أنهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين .
قيل كان الظاهر أن يقال أذلة للمؤمنين كما يقال تذلل لهم ، لكنه عدى بـ (على) لتضمين معنى العطف والحنو ، وقيل للتنبيه على أنهم مع عُلو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خافضون لهم أجنحتهم. وليتذكر المربي قصة سيدنا أبي بكر الصديق رضى الله عنه ، (قال رسول الله ﷺ لأبي بكر عن سليمان وصهيب وبلال ، يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك ، فأتاهم أبا بكر فقال يا أخوتاه أأغضبتكم ، فقالوا لا، يغفر الله لك يا أخي) والحديث في صحيح مسلم . وهذا هو سيدنا الصديق الشريف القرشي الذي اشترى سيدنا بلال يسترضيه بعد ذلك ، اشتراه وأعتقه ومع ذلك يسترضيه ، وليعرف المربي لأدنى إخوانه قدرهم. عندما سمع أبو بكر رضى الله عنه أن رسول الله ﷺ سمع خشخشة بلال في الجنة فقال أبو بكر رضى الله عنه : (ليت أم بلال ولدتني وأبو بلال وأنا مثل بلال). (الحديث رجاله ثقات رواه الطبري) .
ولنتذكر وصف سيدنا عمر رضى الله عنه وصف بلال بسيدنا ، (ذكر عمر رضى الله عنه فضل أبو بكر رضى الله عنه فجعل يصف مناقبه ثم قال وهذا سيدنا بلال حسنة من حسناته) – (سير أعلام النبلاء للأمام الذهبي).
وعلى المربي النقيب أن يوقن أنه أدني إخوانه خيراً ومنزلة عند الله تعالى وأن كل أحد من إخوانه خيرُ منه قال بعض السلف بعد انصرافهم من عرفات (كنت أرجو الرحمة لجميعهم لولا كوني فيهم) ( من كتاب موعظة المؤمنين).
ومرب بغير تواضع كيف تألفه القلوب ، ومن التواضع مساواة نفسه في جلسته بجلساتهم وإقباله وانصرافه ويتلقى عن أحدهم الخير كما يتلقى الجاهل من العالم ويفرح لذلك ويحرص في نيته عند الجلوس إليهم على أن ينصفه الله بهم ولا يغبش هذه النية انه جاء ليعلمهم ويربيهم ، كما يحرص على الاستفادة منهم بدعوة .
4- حب العلم والاستزادة منه دائماً :
حث الإسلام العظيم المسلم على العلم والتزود منه وارتياد مجالسة في نصوص كثيرة ، أما المتصدرون لإرشاد الناس وتعليمهم الخير والهدى والمربون فإن العلم حياة دعوتهم وعصمة من الضلال والانحراف وقيد السلامة والنور الذي يمشي به المؤمن في الناس وقد أمر الله أعلم خلق الله ﷺ بالعلم فقال (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) . ويقول العلماء لم يؤُمر صلى الله عليه وسلم بالاستزادة من شئ مثلما أمر بالاستزادة من العلم .
والعلم منه ما هو فريضة يأثم المرء بتركها أو بجهلها أو بعدم تعلمها ومنه ما هو عزيمة مؤكدة وضرورة ، وإن نزلت عن مرتبة الفريضة وهذه الضرورة وهذه العزيمة هما ما نحتاج إليهما في دعوتنا هذه المباركة ، وقد حث إمام هذه الدعوة الإمام البنا رحمه الله كل من ينتسب إليها على التعلم والاستزادة من العلم طيلة حياته ، وكلامه في حق من تصدر للتربية والثقافة أأكد وألزم ، وينبغي للمربي في دعوة الإخوان أن يكون ذا مكانه رفيعة في العلم ويحرص على ألا يمضي يوماً إلا وقد ازداد فيه علماً ويزيد هو غيره هدى .
وللإمام الشهيد رضى الله عنه تعبيرات دقيقة في الحث على التعلم وبلوغ المراتب العالية فيه ومنه قال رحمه الله في حديثه عن دعوة الإخوان : (هي دعوة عامة قوامها العلم والتربية والجهاد)، فجعل هنا العلم ركن من أركان هذه الدعوة. ويقول رحمه الله عن نفسه وعن الإخوان في مذكرات الدعوة والداعية، وكان عمره مابين 14 – 17 عاما : “بالرغم من اشتغالنا الكامل بالعبادة والذكر واستغراقنا في الطريقة بأورادها ووظائفها وأحكامها إلا أننا كنا دائماً نتعشق العلم والقراءة”، ويوضح رحمه الله أن مما يشهده العالم الإسلامي مما يدمي القلب ويفتت الكبد يحتاج إلى دعوة ذات أصول منها العلم فيقول رحمه الله : ” ولفتت (أي أحداث مصر والعالم الإسلامي الدامية) نظري إلى وجوب الجد والعمل وسلوك طريق التكوين بعد التنبيه والتأسيس بعد التدريس” .(رسالة المؤتمر الخامس).
وقال أيضاً رحمه الله في دعوة صريحة : ” ولهذا توجب على الأخ المسلم إن يتعبد بما أمره الله في وجدانه وأن يتعلم ما وسعه العلم ليتسع إداركه وان يتخلق بأخلاق الإسلام لتقوى إرادته وان يلتزم نظام الإسلام في الطعام والشراب والنوم ليحفظ الله عليه بدنه من درائن الأمراض والأسقام”. ( رسالة دعوتنا في طور جديد).
وقد جعل الإمام دراسة الإسلام دراسة واسعة مستوعبة، من الأركان التى تدور عليها فكرة الإخوان فيقول فىرسالة دعوتنا: (أولها المنهاج الصحيح وقد وجده الإخوان في كتاب الله وسنه رسوله وأحكام الإسلام حين يفهمها المسلمون على وجهها غضه نقية بعيدة عن الدخائل والمفتريات فعكفوا على دراسة الإسلام على هذا الأساس دراسة سهلة واسعة مستوعبة).
وهناك معلومات خاصة يلزم لكل من ينتسب لهذه الجماعة الإلمام بها، أما النقيب والمربي فعليه تحصيل هذه المعلومات بعناية ونشرها بين من يولي أمرهم ومن هذه المعلومات وفي مقدمتها الإحاطة علماً وفهما بقانون النظام الأساسي لدعوة الإخوان المسلمين واللائحة الداخلية العامة للإخوان المسلمين.
فلا يصح ألا يعلم النقيب القانون الأساسي واللائحة العامة اللذان ينظمان لجماعته أنشطتها ولا يليق أن يتصدر عامل للمسؤولية وهو لا يعلم النظام الذي يحكم أنشطته ومسؤولياته. وبالنظر إلى الأصول العشرين نجد أن فيها إحاطة بأمر الإسلام بإيجاز ودقة عجيبين قد استخلصت من علم غزير وهذا العلم الغزير هو الذي تطالبنا هذه الدعوة بان نحصله، وهو المطلوب أن يسعى المربي النقيب إلى تحصيله ليقف على هذه الأصول ويقف على تفاصيلها وبهذا نكون كما قال الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه نحمل المحبرة حتى المقبرة .
5- أن يكون ديدن المربي والنقيب الاستشارة :
ونعنى بها إستشارة أهل العلم والاختصاص وأهل التجربة والخبرة سواء كانوا أعلى منه أو دونه ممن يرعاهم وقد يجري الله على لسان أدنى المؤمنين منزلة عند الناس حكمة لا تخرج من عالم جهبذ وأحوج الناس إلى الاستشارة الراعي. وكلنا يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الغني عن كل رأي بالوحي المقدس أمر أن يشاور من هم دون مرتبة النبوة المشرفة وكان العقل يقول أن يشاور النبي نبياً مثله ، أما أن يشاور سيد النبيين صلى الله عليه وسلم من هو ما بينه وبين سموات النبوة سماوات لا يعلمها إلا الله فهو تأديب بليغ لعامة المؤمنين أن يتشاوروا.
قال تعالي (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ. فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) آل عمران 159 ، وقال جل شأنه في الثناء على المؤمنين (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ) الشوري 38 . قال الأمام بن العربي في قوله تعالى وأمرهم شوري بينهم : “أي لا يستبدون بأمر ويتهمون رأيهم حتى يستعينوا بغيرهم ممن يظنوا به أن عنده مدركاً للغرض” ،
وقال الأمام الطرطوسي (المستشير وإن كان أفضل رأياً من المستشار فإنه يزداد برأيه رأياً ) وقال ابن الأزرق(ومن شاور عاقلاً أخذ نصف عقله) وإن كان المستشير ذو عقل ورشاد فإنما يحتاج اللبيب ذو التجربة إلى المشاورة ليتجرد له رأيه من هواه .
ويقول الأستاذ سعيد حوى أن من فوائد حكم الشورى :
1ـ اطمئنان الأفراد على سلامة سير العمل .
2ـإطلاع ذوو الشأن على قضايا العمل .
3ـ الأمن من ندم الاستبداد بالرأي الظاهر خطؤه .
4ـ إحراز الصواب غالباً أو ازدياد الثقة بالصواب .
5ـ استجلاب الثواب والرحمة، قال عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه (المشورة والمناظرة بابا رحمة ومفتاحا بركة لا يقبل معهما رأي ولا يُفقد معهما حزم) .
وما يُطلب الاستشارة فيه هو ما خُفي فيه وجه الصواب من أمور الدين والدنيا ومن أمثلة أمور الدين قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين (وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيرُ من الناس ) ويقول العلماء (يعلمها العلماء) – البخاري ومسلم .
6- أن يكون ثابت العقل والقلب عند فجأة القوارع ومواجهة غير المتوقع :
يحتاج النقيب المربي إلى تحصيل هذه الصفة وإن كانت صفة قليلة في الناس وحبذا لو تدرب عليها حتى يُحصل منها ما استطاع فما تلقاه الدعوة من مفاجأة المكروهات والإيذاء والتنكيل والتهديد شئ قد بات وكأنه الأصل عند الصادّين عن سبيل الله وقد يقف الأخ في إحدى ساحات القتال بين المسلمين وأعدائهم من الفجرة الكفرة كما في فلسطين وغيرها فيفاجأ بتطاير رقاب إخوانه وتمزيق أجسادهم وبرك الدماء الذكية من حوله وقد يقف بعد ذلك وحيداً يتوقع ذات المصير فكيف يجد ثبات قلبه وعقله آنذاك ، قد يكون لهول المفاجأة أثر كبير في اضطراب تفكير الإنسان فلا يدري كيف يكون التصرف الصحيح في اللحظة الأولي فيفوت خير كثير ويقع حذر كبير لهذا جاء الإسلام الحنيف ليرسي حقائق وأصولاً في نفس المؤمن منها :
1ـ أن الدنيا دار ابتلاء وشدائد للجنس الآدمي مسلماً كان أم كافراً .
2ـ أن الإنسان واقع به الموت وبكل من يحب .
3ـ أن المؤمن مبتلي من اجل دينه بما يخطر له على بال وبما لا يخطر له .
7- الحزم وعدم التواني:
أن يسارع النقيب إلى حسم مادة الخلاف بين إخوانه إذا ما بدرت ولا يترك للشر باباً ولا ينتظر ذلك وإن أقدم وأحجم فلا يخطئ موضع كل من الإقدام والإحجام .
ولنا في سيدنا خالد رضى الله عنه أسوة حسنة عندما عاد بجيش المسلمين من معركة رأى فيها هلاك هذا الجيش فبارك له ذلك رسول الله ﷺ وأثني عليه وعلى جيشه وكان من قوله (انا فئتهم إنحازوا إلى) ، وقال المغيرة ابن شعبة رضى الله عنه وكان من أكابر دهاه العرب وكانوا يقولون إن العرب لهم دهاه أربعة واحد منهم هو سيدنا المغيرة، كان يقول ما رأيت أحزم من عمر كان له والله فضلً يمنعه أن يخدع وعقلً يمنعه أن يُخدع ، والحزم كما يقول الأستاذ سعيد حوى (يبعث على مبادرة الأعمال المطلوبة في وقتها ويبعث على التعرف على غاية الأمور قبل الدخول فيها ويجنب عاقبة استحقار الخطر الهين فإنه قد يجر إلى خطأ عظيم ويبعث الحزم على تقديم الحيطة والحذر المحمودين) .
8- أن يكون شعار النقيب مع إخوانه (يا أخي هل بلغك عني ما تكره):
يذكر الأمام الغزالي: أن عمرا رضى الله عنه كان يقول: رحم الله امرأً أهدى إلى عيوبي، وكان يسأل سلمان عن عيوبه فلما قدم عليه قال له ما الذي بلغك عنى مما تكرهه؟ فاستعف سلمان رضى الله عنه، فألح عليه عمر رضى الله عنه، فقال سلمان بلغني أنك جمعت إدامين على مائدة وان لك حلتين حلة بالنهار وحلة بالليل، قال وهل بلغك غير هذا قال: لا ، فقال عمر رضى الله عنه: أما هذان فقد كفيتهما – يعنى أمرهم سوف أقوله لك.
وهذا عمر يسأل حذيفة ويقول له: أنت صاحب رسول الله وسر رسول الله في المنافقين فهل ترى عليَ شئ من النفاق فهو –كما يقول الأمام الغزالي– على جلالة قدره وعظيم مقامه كانت تهمته لنفسه رضى الله عنه هكذا. ويقول الأمام الغزالي: فكل من كان أوفر عقلاً وأعلى منصباً ومقاماً كان أقل إعجاباً وأعظم اتهاماً لنفسه، وذكر الإمام الغزالي أربع طرق يعرف المرء بها عيوب نفسه:
1ـ المربي البصير لعيوب النفس وآفاتها .
2ـ الصديق الصدوق البصير ذو الدين ينصبه الشخص رقيباً على نفسه أحوالها وأفعالها.
3ـ أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة اعدائه .
4ـ أن يخالط الناس فكل ما رآه مذموماً منهم أقلع عنه فهو يري من عيوب غيره عيوب نفسه .
فليت كل نقيب ينصب على نفسه أخ صديق خبير عاقل ناصح مأمون يستفيد منه في التزين بالحسن والتخلص من المكروه.
والصادق في سؤال الناس بالنصيحة فيما يكرهونه منه، له علامات عندما توضع أمامه عيوبه، ومن هذه العلامات :
1ـ بشاشة وجهه ودعائه للناصح.
2ـ زيادة المودة له عما كانت قبل النصيحة وكثرة الإقبال عليه.
3ـ عدم المجادلة والاعتراف بالعيب إن كان موجوداً فعلاً.
4ـ الرد بغاية الرفق والبشاشة إن كان العيب قد ألتبس على الناصح.
وقد أورد الإمام الدارمي نصائح لأحد أكابر الزهاد وهو الإمام عبَاد بن عباد الخواص فيقول -رحمه الله-: «أما بعد.. اعقلوا والعقل نعمة، فرب ذي عقل قد شُغل قلبه بالتعمق فيما هو عليه حتى عن الانتفاع بما يحتاج إليه حتى سار عن ذلك ساهياً، ومن فضل عقل المرء ترك النظر فيما لا نظر فيه، ناصحوا الله أمتكم إذا كنتم حملة الكتاب والسنة، فإن الكتاب لا ينطق حتى يُنطق به، وإن السنة لا تعمل حتى يُعمل بها، وإن العامل بالحق متكلم وإن كان ساكتاً، ولا تكتفوا من السنة بانتحالها بالقول دون العمل بها، فإن انتحال السنة دون العمل بها كذب بالقول مع إضاعة العمل أو إضاعة العلم، ولا تعيبوا بالبدع تزيناً بعيبها، فإن فساد أهل البدع ليس بزائد في صلاحكم، ولا تعيبوها بغياً على أهلها، إن قلتم بعيب فقولوا بحق، فإن البغي من فساد أنفسكم، وليس ينبغي بالطبيب ان يداوي المرضي بما يبرئهم ويُمرضه، فإنه إذا مرض اشتغل بمرضه عن مداواتهم، ولكن ينبغي ان يلتمس الصحة ليتقوى بها على علاج المرضى. فليكن أمركم فيما تنكرون على إخوانكم نظراً منكم لأنفسكم ونصيحة منكم لربكم وشفقة منكم على إخوانكم، وأن تكونوا مع ذلك بعيوب أنفسكم اعني منكم بعيوب غيركم، وان يستخدم بعضكم بعضاً النصيحة، وأن يحظى عندكم من بذلها لكم وقبلها منكم، وتثبتوا قبل أن تتكلموا، وتعلموا قبل أن تعملوا، فإنه يأتي زمانً يشتبه فيه الحق والباطل، فعليكم بالوقوف عند الشبهات، حتى يبرز لكم واضع الحق بالبينة، فإن الداخل فيما لا يعلم بغيرعلم آثم، ومن نظر لله نظر الله له»
hipbet giriş
Soğan dolması denediniz mi ?