أركان النجاح للأمة الناهضة – بقلم: الدكتور محمد حامد عليوة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه واقتفى أثره إلى يوم الدين، ثم أما بعد.
بين يدي هذه السلسلة
إن المتأمل في كتابات الإمام الشهيد حسن البنا – رحمه الله- يجد نفسه أمام رجل موفق من ربه، بدليل ما تتركه هذه الكتابات من أثر في نفس قارئها، فضلًا عن عمق وثراء معانيها، وجزالة أسلوبها وبساطة مبانيها، وواقعية مراميها.
فتجده يؤصل القضايا، ويحلل عناصرها، ويشخص الداء، ويحدد الدواء، يبث فيالنفوس الأمل، ويحثها على الجهد والعمل. وتلحظ فيما كتب وسطر، أنك أمام داعية ومرب وفقيه ومجرب، وعالم أحسن النظر فى كتاب الله وسنة رسوله وسيرة صحابته والتابعين، وملم بتجارب التاريخ والأمم.
وصدق من وصفوه وأطلقوا عليه هذه الأوصاف: (إمام الجيل)، و(مجدد شباب الأمة)، و(رائد النهضة الإسلامية فى القرن الرابع عشر الهجري)، وغيرها من الأوصاف والألقاب، التى لم يكن يسعى إليها يومًا، ولكنه بإخلاصه وعلمه وعمله نالها.
خلاصة القول فى هذا المدخل: إن كل ماسبق هو توفيق من الله لهذا القائد الرباني، ودليل على إخلاصه وتضحيته من أجل دعوته وفكرته، ولذلك كانت كلماته وكتاباته تنفذ إلى قلوب وعقول من يُعمل النظر فيها.
ولذلك كانت هذه السلسلة من النظرات التربوية فى مختارات من تراث الإمام حسن البنا (رحمه الله).
اركان النجاج في سبيل النهوض
يقول الإمام البنا: «أعتقد أن أركان النجاح للأمة الناهضة ثلاثة، لا بد منها:
– طبيب حاذق ماهر يتعرف العلة ويصف الدواء
– دواء نافع يستأصل شأفة الداء
– وإقبال من الأمة على التعاطى وإن كان الدواء مُرًا؛ حتى يتم الشفاء
وإن فضل الله على الأمة الإسلامية أن طبيبها لا يزال خالدًا ماثلًا فى قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء 107)، وأن دواءها سيظل محفوظًا فى قارورة قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر 9)، ولم يبق إلا أن يقبل الناس على التعاطى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد 11).» (*)
————————————
الدروس الدعوية والفوائد التربوية: أولًا:إن مقومات عودة الأمة الإسلامية إلى سابق عزها ومجدها موجودة محفوظة، وهذا من فضل الله عليها، فطبيبها لا يزال خالدًا ماثلًا في قوله تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)(الأنبياء 107)، ودواءها سيظل محفوظًا في قارورة قوله تعالى:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(الحجر 9)، ولا ينقص الأمة إلا الإرادة القوية نحو الأخذ بهدي طبيبها وتعاطي الدواء من قرآنها لتنهض من كبوتها وتفيق من غفلتها.
ثانيًا:أن هدي النبي محمد ﷺ وسيرته العطرة كقدوة وأسوة في قوله وفعله، في عقيدته وعبادته وخلقه ومعاملاته؛ بمثابة النموذج العملي الحي فى بناء المسلم الصحيح، وتكوين الجيل الذى يستطيع – إن أحسن الاقتداء – أن ينهض بالأمة ويعود بها إلى سابق عهدها من التمكين والسؤدد.وأن سيرة من اتبع هديه واقتفى أثره من الصحابة والتابعين وتابعيهم باحسان هي معين للتربية، واتصال امين بهدي النبي القدوة.
ثالثًا:إن الأمة التى حفظ الله لها قدوتها الأول بهديه وسيرته القولية والعملية، قد حباها الله أيضا بحفظ المعين الصافى لمنهج حياتها ومصدر عزها وهو القرآن الكريم، والعجيب أن تمتلك أمة هذه المقومات تم نراها تعيش حالة من الانقسام والتبعية والضعف والتخلف. وحديث نبينا ﷺ يؤكد ذلك:«إِنِّى قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِى وَلَنْ تَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ». صححه الألباني فى صحيح الجامع
رابعًا:أن أصل مشكلة أمتنا، هو البعد عن منهج ربها وهدي نبيها، وهو ما حرص ويحرص عليه أعداء الأمة والمتربصون بها، فتراهم يجتمعون وينفقون ويبذلون من أجل أن يبعدوها عن مصدر عزها وسبيل نهوضها.
خامسًا: أن القرآن الكريم هو دستور أمتنا، فيه الحل لمشاكلنا، والدواء لأمراضنا، والشفاء لأسقامنا، وبالتالي أي منهج للتربية والتغيير لا يكتب له النجاح بعيدًا عن هذا المنهج الرباني، الذى فيه صلاح الدنيا ونعيم الآخرة، والذى به تتحقق السعادة للبشرية جمعاء؛ إن عاشت في ظله ونهلت من معينه العذب الصافي.
سادسًا:أن القيادة القدوة لها دورها البارز في إنهاض الأمة من كبوتها، ولا سيما القادة الربانيين الذين يتركون بصمات لا تمحى على صفحات تاريخ الأمة، وأمثال هؤلاء القادة التغيريين من أبرز وأهم صفاتهم أنهم:(أنهم أصحاب سيرة فذة – ولديهم القدرة على القراءة الصادقة لحوادث التاريخ – ومن سماتهم أنهم يتحينون الفرصة ويحسنون استثمار اللحظة – ويحرصون على صيانة طاقات الأمة أن تبدد في غير طائل). ومن أصناف القيادة القدوة على طريق النهوض، من يقومون على تربية الجيل من النقباء والمربيين والقادة التربويين، فهم من دعائم نهضة الأمة، وحجر الزاوية فى بناءها التربوي، وبقدر الإهتمام بهم وإعدادهم وتأهيلهم ورعايته ورفع كفاءته؛ يكون أثرهم في نهضة أمتهم ونجاح دعوتهم.
سابعًا:أن عملية الإصلاح والتغيير وإن توفر لها المنهاج الصحيح(الدواء)، والقائد القدوة(الطبيب)، لا بد لها من إرادة الفعل، هذه الإرادة التى تتحطم في سبيلها الحواجز والعقبات، والتي وصّفها الإمام البنا بقوله:«إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف»، فإرادة الفعل من أجل التغيير تحتاج إلى تضحيات، وصبر وثبات، لأن طريق الدعوة والتغيير طويل وشاق، لكن للعاملين الصابرين عليه الأجر القريب في الدنيا (نصر وتمكين)، وفي الآخرة (رضا الله والجنة).
ثامنًا:أن دور الفرد في نهوض الأمة لا يقل عن دور المربي أو المنهج، فلا بد للفرد أن يمتلك الإرادة، وتتحقق لديه الرغبة لتغيير نفسه في جوانبها المختلفة، وما الفرد في الأمة إلا قاعدة أساس وقاسم مشترك، فبتغير الفرد يتغير البيت ثم المجتمع ثم الحكومة ثم الدولة، وهكذا. وهذا هو السر في أن الإمام البنا ركز على بناء الفرد، واعتبره أول مرتبة من مراتب العمل، ثم حدد للفرد صفات عشر، وهي صفات جامعة لكل جوانب البناء والتكوين الفردي، وبالتالي يصبح الفرد المتحلي بها قادرًا على تغيير ما حوله. وبهذا البيان يكون الإمام الشهيد حسن البنا وصَّف الحالة، وحدد أركان النجاح للأمة وهي:(القائد -المنهاج- إرادة الفعل والتغيير لدى أفراد الأمة). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
——————————— (1) المصدر: خطبة لفضيلة الأستاذ الإمام حسن البنا، نشرت فى جريدة النادي، العدد (32) بتاريخ 2 شعبان 1354هـ – الموافق 27 ديسمبر 1936م.