في توجيه طيب للإمام حسن البنا، نُشر في جريدة (الإخوان المسلمون)، مايو 1943، جاء فيه: «أيها الإخوان: مٌروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، ولا تترددوا، ولا تٌقصروا في النصيحة، وابذلوا لكل الناس، ولقد وزن الله الأمم بهذا الميزان، فوضع به ورفع، وقال في أمة:(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَأنِ دَأوُودَ وَعِيسَى أبْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَأنُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَأنُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ)المائدة: 78- 79، وقال في أخرى:(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)آل عمران: 110. فاحرصوا دائما على أن يرجح بكم ميزان الحق، وعلى أن يكون منكم:(الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ)التوبة: 112.»(1)
الإرشادات الدعوية والدروس التربوية 1- أن الإخوان المسلمون يرفعون لواء محمد بن عبد الله ﷺ، الذي أرسله الله كافة للناس بشيرًا ونذيرًا، وأرسله سبحانه رحمةً للعالمين، وبالتالى كان لزامًا على الإخوان المسلمين، أن يحملوا الخير لكل الناس، وينشرون الرحمة في العالمين. ولأنهم أصحاب رسالة ويحملون مشاعل الهدى والنور للعالمين، فقد وجب عليهم أن ينيروا الدنيا بما أفاض الله عليهم به من نوره، كما نصحهم الإمام حسن البنا في أحد توجيهات (عام 1948)، حيث قال: «اسمحو لي – أيها الإخوة – أن أذكركم بأن الدنيا كلها في حاجة إلى النور يُسعدها، ويُضيء لها ويهديها، وهو في يديكم أنتم من كتاب الله، وشريعة القرآن، ونظام الإسلام. فتهيئوا لتُنيروا الدنيا بما أفاض الله عليكم من نوره،﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَأبٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَأنَهُ سُبُلَ السَّلَأمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16)﴾المائدة 15: 16».
2- أن خيرية الأمة تترتكز على ثلاث دعائم هي (الايمان بالله – الأمر بالمعروف – النهي عن المنكر)، ومقتضى الخيرية أي يكون لدى الأمة القوة التي تمكّـنها من القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر الخير، وأن تصون الحياة من انتشار الفساد وشيوع المنكر والشر، وحتى تكتمل الخيرية لا بدَّ من الإيمان الصحيح الذي يضبط الموازين، ويُحدد القيم، ويضح حدود للمعروف والمنكر، ويضع تصور ثابت للخير والشر، وللفضيلة والرذيلة، لأن غياب الإيمان – وإن توفرت جهود الإصلاح – يؤدى إلى اضطراب الموازين واختلال الحياة.
ولذلك «جاء الإسلام بعقيدة تنبثق منها شريعة ينبثق منها نظام» كما قال صاحب الظلال – رحمة الله عليه. من هنا كان على الإخوان المسلمين وهم يسلكون طريق الدعوة، ويرفعون لواء الإصلاح، أن يحرصوا على هذه الدعائم الثلاثة، لينالوا شرف الخيرية.
يذكر الإمام البنا في أحد وصايا: «أيها الاخوة الفضلاء: إن الله ميزكم بالانتساب إلى الدعوة، فاحرصوا على التميز بآدابها وشعائرها بين الناس، وأصلحوا سرائركم، وأحسنوا أعمالكم، واستقيموا على أمر الله، وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وتوجهوا بالنصيحة في رفق ولين إلى الناس أجمعين، واستعدوا للبذل والاحتمال والجهاد بالنفس والمال».
3- أن النهوض بتكاليف الأمّـة الخيّـرة، له ضريبته وتكاليفه وتبعاته، فطريق الإصلاح ونشر الخير ليس مفروشًا بالورود، فمن يحض على المعروف والخير، ويقف في وجه المنكر والشر، ومن يصون المجتمع من عوامل الهدم والفساد، ويصلحه بالبناء والإرشاد، لايتصور أنها مهمة سهلة المنال، ولكن عليه التحلى بالصبر وتقديم التضحية والبذل. ولعل هذه الحقيقة تتجلى في قول الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه لقمان وهو يعظ ابنه (يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَأنْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَأبَكَ) لقمان: 17، فطريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج للصبر والعزم. وأن التواصى بالحق يتبعه التواصى بالصبر، (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) العصر: 3. لذلك يقول الإمام البنا: «وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وتوجهوا بالنصيحة في رفق ولين إلى الناس أجمعين، واستعدوا للبذل والاحتمال والجهاد بالنفس والمال».
4- أن سلوك طريق الإصلاح وبلوغ منزلة الخيرية لا يصلح معه التردد، وضعف العزيمة ولكن يحتاج إلى الإقدام والمبادرة، لأن دعاة المنكر والفساد لا يهدؤن في نشر فسادهم وإشاعة منكرهم، والأولى بأهل الحق الإصلاح أن يتقدموا ولا يترددوا، مهما كانت الصعاب، لأن الأمة – بل والآنسانية كلها – بحاجة ماسمة للخير الذي معهم، ومن هنا كان أمر الإمام البنا لإخوانه: «مٌروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، ولا تترددوا»، وهو ما أكد عليه في موضع آخر حين قال: «تقدموا أيها الإخوان لإنقاذ أمتكم، بإصلاح النفوس، وتطهير الأرواح، وتزكية الأفئدة، وتقويم الأخلاق،(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)الرعد: 11، وكونوا أنتم المثل الحيّ، والنموذج الأول من طراز المسلم الصحيح خلقًا وعملًا».
5- الامام البنا يحذر الإخوان من التقصير في النصيحة، لأن التقصير فيها عواقبه وخيمة على العباد والبلاد، والنصيحة في الدين مكانتها عظيمة، ومنزلتها عند الله رفيعة، وحاجة الإنسان لها ماسة، لذلك حصر رسول الله ﷺ كل الدين فيها، فعن تميمِ بن أوسٍ الدَّاري – رضي الله عنه – أن النبيَّ ﷺ قال: «الدِّين النصيحة”، قلنا: لِمَن يا رسول الله؟ قال: “لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين، وعامَّتِهم». رواه مسلم.
6- يؤكد الإمام البنا على أن فعل الخير وإسداء النصح وإصلاح الأمر وبذل الجهد يكون لكل الناس، فيقول – رحمه الله – «وابذلوا لكل الناس»، وهو ما يعنى أن أصحاب الدعوة لا بدَّ أن يشعروا بأنهم أمناء على الناس كل الناس، لأنهم حملة أعظم رسالة أنزلها الله للعالمين، وهو شعور واسع يتبعه هم دائم يسيطر على الدعاة، إنه هَمٌ الدعوة والبلاغ الذي دفع بالإمام البنا أن يقول: «وددت أن أبلغ هذه الدعوة للطفل في بطن أمه».
إنه الشعور الواسع والهم الدائم بأمانة تبليغ الرسالة والحركة بها بين الناس، وهذا شعور الصادقين الذين يحملون هم دعوتهم والانشغال بها حتى تملأ على الفرد منهم نفسه وحياته فيعيش بها ولها، ومع ازدياد الاهتمام بالدعوة تتضائل باقى الاهتمامات في نفسه حتى يستولى عليه هم واحد هو (همّ الدعوة)، فتراه لايتكلم إلا بالدعوة ولا يغضب إلا للدعوة ولا يفرح إلا للدعوة ولا يخاف إلا على الدعوة، فيحيا بها كريمًا أو يموت كريمًا. يقول الإمام البنا في رسالة إلى الشباب: «سنجاهد في سبيل تحقيق فكرتنا، وسنكافح لها ما حيينا، وسندعو الناس جميعا إليها، وسنبذل كل شيء في سبيلها، فنحيا بها كراما أو نموت كراما».
7- أن أهل الدعوة والصلاح لا بدَّ أن يلزموا طريق الحق مهما كانت العواقب، وأن يُرجح بهم ميزان الحق دائما، فقد جاء في توجيه الإمام البنا لإخوانه: «فاحرصوا دائما على أن يرجح بكم ميزان الحق، وعلى أن يكون منكم:(الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ)التوبة: 112.»، وهذا يعنى أن أصحاب الدعوات رجال مبادئ لا يصرفهم عن لزوم الحق صارف من عقبات أو مغريات، ولا تُغير نفوسهم تجاه الحق مطامع أو رغبات، ولكن ثبات على الحق حتى الممات، فقد جاء في حديث معاذ، عن النبي ﷺ أنه قال: «الا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار، الا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب.»، لأن موت على طريق الحق خير من حياة على طريق الباطل، كما ورد في نهاية حديث معاذ، حيث قال النبي ﷺ: «موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله» أخرجه الطبراني في الكبير. وختاما: نسال الله سبحانه أن يجعلنا من الصالحين المصلحين، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والحافظين لحدود الله. والحمد لله رب العالمين
—————– (1) المصدر: توجيه للإمام البنا، نشر في جريدة (الإخوان المسلمون)، العدد 17، السنة الأولى، 11 جمادى الأولى 1362هـ – 15 مايو 1943م، ص 3.