
وجوب عالمية العمل الإسلامي
- zadussaerinweb@gmail.com
- مايو 26, 2021
- التربية الدعوية
- 0 Comments
وجوب عالمية العمل الإسلامي
قد لا نحتاج ـ في هذه الحلقة ـ إلى كبير عناء للتأكيد على وجوب العالمية في العمل الإسلامي.
ولكن يبقى العناء في إقناع الاتجاهات والهيئات المحلية والإقليمية بوجوب العالمية هذه، وبأن العمل الإسلامي المحلي لا يمكن أن يكون مقبولًا في عصر معترك الصراع فيه عالمي دولي، وبأن العمل الإسلامي المحلي مهدد بالتلاشي والاندثار أمام التحديات العالمية المختلفة.
الإسلام دين عالمي:
إن من أهم موجبات العالمية في العمل الإسلامي كون الإسلام دينًا عالميًّا، وكون بعثة محمد ﷺ كانت للناس كافة، وكون المنهج الإسلامي خاتم المناهج الإلهية.
إن كثيرًا من الحركات والفلسفات التي لم يكن لها صفة العالمية في الأساس أصبحت عالمية الانتشار والحركة والقيادة والتخطيط تحت ضغط الحاجة، وسعيًا وراء فرص جديدة، وطمعًا في اكتساب أنصار جدد.وبخاصة لما يوفره العصر ووسائله ووسائطه المختلفة من سهولة التلاقي والاتصال والانتقال.
فالحركة القاديانية مثلًا ـ وهي حركة إقليمية هندية ـ أصبح لها من الأتباع في كل أنحاء المعمورة ما يضاهي أتباعها في الهند.
والقومية السورية التي أسسها (أنطون سعادة) لم تعد قاصرة على بلاد الشام وإنما أصبح لها امتدادات عالمية. والبهائية والتي كان موطنها إيران غدت مذهبًا وشيعة عالمية قل أن تخلو منها قارة من القارات.
فإذا كانت هذه الحركات وغيرها من الحركات المحلية قد تجاوزت الأطر الضيقة التي ولدت فيها، وراحت تسعى هنا وهناك لتأمين مواطن جديدة، أفلا يجدر بحملة الرسالة العالمية أن يكونوا قبل غيرهم في هذا المستوى العالمي:
شواهد مختلفة على عالمية الإسلام:
وللتأكيد على عالمية الدعوة الإسلامية سنسوق عددا من الشواهد على سبيل المثال لا الحصر:
(1) الشواهد القرآنية: فمن الشواهد القرآنية نقتطف الآيات التالية:
* (وكذلك جعلناكم أمة وسطا، لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدًا) (البقرة: 143).
* (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا، الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت، فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) (الأعراف: 158).
* (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا، ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (سبأ: 28).
(2) من الشواهد النبوية:
ثم إن كثيرًا من المواقف والأعمال والتوجيهات التي قام بها رسول الله ﷺ تؤكد عالمية رسالته ودعوته.
فرسول الله ﷺ لم يكتف بدعوة قومه إلى الإسلام، لم يكتف بدعوة أهل مكة ويثرب إلى دين الله، وإنما وجه دعوته للعالم أجمع، لكل القوى، لكل المعسكرات، لكل الملوك. وفي هذا تأكيد صريح وشاهد قاطع على عالمية الإسلام.
* وجه دعوته إلى (النجاشي ملك الحبشة) قائلًا:
«بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله، إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة. سلم أنت، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن. وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته، ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى، فخلقه الله من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده ونفخه. وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني، وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول الله. وقد بعثت إليك ابن عمي جعفر، ونفرا من المسلمين. فإذا جاءك فأقرهم، ودع التجبر، فإني أدعوك وجنودك إلى الله فقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصحي. والسلام على من اتبع الهدى».
* ووجه كتابًا إلى (هرقل عظيم الروم) قال فيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى. أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فعليك إثم الأريسيين. (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئًا، ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا أنا مسلمون)».
* وبعث كتابًا آخر إلى (أسقف الروم في القسطنطينية) جاء فيه: «إلى ضغاطر الأسقف. سلام على من آمن. أما على أثر ذلك، فإن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم الزكية. وإني اؤمن بالله وما أنزل إلى ابراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النبيون من ربهم، لا نفرق بين أخد منهم ونحن له مسلمون. والسلام على من اتبع الهدى».
* وبعث خطابًا إلى (المقوقس عظيم القبط) في مصر جاء فيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبد الله ورسوله، إلى المقوقس عظيم القبط. سلام على من اتبع الهدى. أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الاسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت، فعليك إثم القبط. (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، وألا نعبد أ لا الله، ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)».
* وكتب كتابًا إلى (كسرى أبرويز عظيم فارس) جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله، إلى كسرى عظيم فارس. سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله. وأدعوك بدعاء الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا، ويحق القول على الكافرين. فأسلم تسلم فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك».
وعلى هذا النحو بعث رسول الله ﷺ وأرسل كتبا إلى كافة الأنحاء يدعو الناس فيها إلى الإسلام. (يمكن العودة إليها بسهولة في كتب التاريخ الإسلامي: كتاريخ الطبري، وصبح الأعشى، وسيرة ابن هشام، ومجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة، وغيرها.).
التآمر على الإسلام عالمي:
ومما يؤكد وجوب وحدة العمل الإسلامي ـ بالضرورة ـ كونه يواجه تآمر عالميًا دوليًا مما لا يجيز بقاءه محليًا اقليميًا.
– فالتآمر على (الخلافة) وإسقاطها كان تآمرا دوليًا (صهيونيًا صليبيًا).
بعد الموقف الصلب الذي وقفه الخليفة عبد الحميد.يقول (اسرائيل كوهين): (بتاريخ 18 مارس 1901 تقدم يهودي مجرى اسمه (اورمينوس ومبرغ) بمبلغ ضخم من المال إلى السلطان عبد الحميد يريد شراء فلسطين لليهود، فما كان من عبد الحميد إلا أن طرده من القصر على الفور.
وفي 23 من تموز عام 1902 طلب تيدور هرتزل من عبد الحميد أن يعطي فلسطين لليهود، فأجاب عبد الحميد: إن اليهود يقيمون في كل أنحاء الممالك العثمانية، فإن لم يكن لهم مكان للإقامة فبامكانهم أن يسكنوا العراق أو سورية أو حتى في بلاد الأناضول. أما فلسطين هناك مجال لطلبها. ولما رأى هرتزل ذلك من عبد الحميد عرض عليه رشوة مقدارها 5ملايين ليرة ذهبية، فكان هذا التصرف سببا لطرده من القصر على الفور.
– والتآمر على (فلسطين) واحتلالها من قبل العصابات اليهودية كان بتخطيط دولي شاركت فيه كل الدول الكبرى.
أما مشروع تقسم فلسطين الذي طرح أمام الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة فقد أجيز بأكثرية ثلاثة وثلاثين صوتا في دورة 29 نوفمبر 1947. ويلاحظ أن كل الدول الكبرى المعروفة بعدائها للإسلام وللعالم الإسلامي قد أيدت هذا المشروع ووافقت عليه وفي طليعتها: روسيا، والولايات المتحدة الا ميريكية، وفرنسا، وكندا، وبلجيكا، واستراليا، والبرازيل، وهولندا، والنرويج، وفنزويلا، وسائر الدول الغربية التي تدور في رحى السياسة الانجلوأميركية.
وحين أعلن بن غوريون عام 1948 عن إقامة الكيان لبصهيوني في فلسطين سارعت نفس هذه الدول بالاعتراف بدولة اسرائيل، مما يؤكد التلاحم القائم والإسلامي؟
– والغزو التبشيري للعالم الإسلامي يجري التخطيط له وتمويلة على مستوى عالمي ودولي. فهناك مئات المؤسسات والمعاهد والمستشفيات والمكتبات ودور النشر والصحف والمجلات وشركات السينما وغيرها تنشط في كل قطر من أقطارالعالم الإسلامي، تديرهاوتشرف عليها أجهزة عالمية مركزية بقصد إفساد عقيدة المسلمين ومحاولة تنصيرهم؟
– والمكر الاستشراقي بالعالم الإسلامي وبتراثه تقوم على تنفيذه وتتعهده مراكز عالمية يشرف عليها ويديرها اختصاصيون متفرغون، وضعت بتصرفهم كل الامكانيات اللازمة للدس على الإسلام وتزويره وتحريفه؟
– والأحزاب في بلادنا ـ يمينية ويسارية ـ لها امتدادات على طول العالم، تلتقي من خلالها بمثيلاتها وقريناتها. تجمعها دراسات واحدة وغرف لعمليات التخطيط والبرمجة واحدة؟
حتي الأنظمة عندنا عل تواصل وتنسيق وتعاون مع الدول والمعسكرات والاتجاهات السياسية والعقائدية التي تنتمي إليها.
وقل أن تجد نظاماً محلياً لا يستمد العون والقوة من جهة من الجهات، إذ أن عملية المفاصلة والفرز قد تمت وانحاز كل طرف إلى فريقه، وغدت جغرافية (الأنظمة والتنظيمات) ملونة تلوينا عالميا؟
كل هذا يجعل العمل الإسلامي في شتى أنحاء المعمورة أمام عدو مشترك، وتحد عالمي، مما يفرض بالتالي مواجهة التآمر والتحدي العالميين المشتركين على نفس المستوى وحدة وعالمية.
أعباء التغير الإسلامي تفرض العالمية:
ونقطة أخرى جديرة بالتفكر كذلك في إطار التأكيد على وجوب العالمية في العمل الإسلامي، ألا وهي ضخامة التكاليف التي يحتاجها التغير الإسلامي.
فقد تبرر محلية العمل الإسلامي أو إقليميته لو أن الأهداف الإسلامية أهداف إصلاحية ترميمية، يمكن تحقيقها عبر الكيانات القائمة.
وقد تبرر محلية عمل إسلامي أو إقليميته لو أن طبيعة المنهج الإسلامي تقبل التعايش مع الأنظمة الوضعية ومشاركتها الحكم.
وقد تبرر محلية عمل إسلامي أو إقليميته لو أن المنهج الإسلامي قاصر علىجوانب تربوية لا يتعداها ألى جوانب التشريع والتنظيم والحكم، كيف وأن الإسلام يجعل التشريع حق الله وحده، ويفرض قيام حكم إسلامي يكون الحكم والولاء فيه لله رب العالمين؟
إن التغير الإسلامي المطلوب هو تغيير جذري للأسس والمرتكزات الفكرية والعقائدية والتشريعية والسلوكية التي تقوم عليها الكيانات والمجتمعات القائمة على أساس التصور المادي، والتفسير الدياليكتيكي، والتشريع الوضعي.
إن تغييرا هذا حجمه وهذه أبعاده هو بالتأكيد عملية ليست صعبة فحسب وإنما هي خطيرة كذلك. وخطورة ما فيها أنها ستواجه مواجهة عالمية، وسيكون التآمر عليها عالميا.
فالتغيير الإسلامي، وإقامة حكم الله في أى مكان، ستتصدى لهما ـ حتما ـ الصهيونية العالمية وعملاؤها، والصليبية العالمية وأجزاؤها، والشيوعية العالمية وأذنابها. وسترصد الأموال، ويحشد الرجال، وتوضع كافة الإمكانيات للحيلولة دون قيام البديل الإسلامي.
فهل يجوز بعد هذا كله أن يبقى العمل الإسلامي (دكاكين) و(مزارع) هنا وهناك، ويبقى الجهد الإسلامي صيحة في واد ونفخة في رماد؟
————————-