توظيف الطاقات على طريق الدعوة

توظيف الطاقات على طريق الدعوة – بقلم: الدكتور محمد حامد عليوة

تأمّل أخي الحبيب في الحديث النبوي الجامع، الذي يقول فيه رسول الله : «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان بن عفان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أُبيٌّ، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح». (1)

فهو دليل قاطع على أن رسول الله وهو المربي القدوة والنبي الأسوة عايش صحابته وخالطهم وتعرف على صفاتهم ومهاراتهم، وجوانب شخصياتهم، فكان هذا هو الأساس لحُسن تربيتهم وتوجيههم وتوظيف طاقاتهم وقدراتهم لخدمة الدعوة.

بعض ملامح واقعنا في هذا الجانب
لا شك أن حقل الدعوة فيه ظواهر واضحة تتعلق بضعف توظيف الطاقات والقدرات والمواهب، وهذه الظواهر لها الأسباب التي أدت إليها، فحالة الضعف التي عليها بعض المربين وما يتعلق بها من ضعف إدراكهم لمهام المربي وما ينبغي عليه القيام به نحن إخوانه، ومن أسبابها أيضاً ضعف المعايشة التربوية والتي نتج عنها محدودية في الإحاطة بجوانب الشخصية الإيجابي منها والسلبي، الأمر الذي قد يترتب عليه إسناد الأمر إلى غير أهله، أو حرمان الدعوة من بعض الطاقات نتيجة إهمالها وعدم توظيفها، وهو ما يتسبب في حالة الضعف في توظيف الطاقات، ومن الأسباب أيضا أن بعض الدعاة اليوم يعيشون ازدواجية بين أمرين أولهما: ما يريدون فعله وما هو في مقدورهم. (الرغبة والقدرة)، وثانيهما: ما يُطالبون به ويكلفون بإنجازه من أعمال ومسئوليات دعوية (المهام والتكاليف). إلى غير ذلك من الأسباب المؤدية لهذه الظواهر.

ومن الآثار السلبية الناتجة عن حالة الخلل في توظيف الطاقات في حقل الدعوة؛ ما يلي:
هدر في توظيف بعض الطاقات نتيجة خلل في التكليف، ناتج عن ضعف الدراية بنوعية العمل ودرجة تحقق الكفاءة لدى المكلف به.
إضعاف لبعض الأعمال وقلة التجويد فيها والبعد عن تحقيق أهدافها نتيجة تكليف أشخاص دون المستوى أو ليست لديهم القدرة على هذه الأعمال.
تحميل عدد محدود بأعمال كثيرة تصل لحد الإثقال، في الوقت الذي يوجد فيه أعداد كبيرة لا تتحمل عملًا ولا تؤدى دورا، الأمر الذي أدى إلى إضعاف العمل بسبب أثقال المحملين، وزيادة معدلات الفتور والنقد والتثبيط من قبل غير المحملين بأعمال.
وغير ذلك من مظاهر الخلل في حقل الدعوة الناتج عن ضعف توظيف الطاقات على طريق الدعوة.

أيها الأحبة: لا بد أن نوقن بالحقيقة الثابتة، أنه (كل مُسير لما خُلق له)، وأن الناس متفاوتون في مواهبهم وقدراتهم، وأنه لا يوجد شخص معدوم الموهبة أو الطاقة أو القدرة. وأن هناك فروق فردية بين الأفراد لا بدَّ أن يستوعبها المربي. وبالتالى لا بدَّ من توظيف طاقات الأفراد لخدمة دعوتهم بما يناسب طاقاتهم، ولا يصح أن نترك أخاً دون دور محدد واضح، بحجة أن إمكاناته محددوة في جانب ندبناه فيه فلم يُنتج.

فهذا ليس مبرر لتركهم وعدم الإفادة من بذلهم وأنواع عطائهم، وهؤلاء قد تؤدي بهم مواهبهم إلى أن يكون منهم المحلل السياسي البارع الذي لا يستطيع أن يربي، أو المثقف واسع الاطلاع الذي يجيد البحث والتفسير والتحليل لكنه لا يتقن فنون الحركة الدعوية في المجتمع، أو العالم الشرعي المتقن المحقق الذي لا يحسن الخطاب الجماهيري، أو المربي الحاذق الذي يُحسن التربية والتكوين، ولا يقدر على بناء الخطط وقيادة فرق العمل التنفيذية أو إداراة الهيئات الإدارية. وغيرها.

أيها الأحبة: منظار لا بدَّ أن ننظر إلى الناس به، ومقياس لا بدَّ أن نقيس جهودهم عليه، هو ماذا يحسنون هم؟ لا ماذا نريد منهم؟ وماذا يقدرون أن يقوموا به لهذا الدين؟ لا ماذا نريد منهم أن يقدموا؟ وتخيلوا معي كم ستكسب الدعوة من طاقات ومواهب متى ما أحسن الدعاة هذا الفن. فن توظيف الطاقات، وتوجيه المواهب.

وهو باختصار: رعاية وتفقد من مربٍ قدوة وأستاذ موفق يُعايش إخوانه ويتعرف جيداً على مواهبهم وقدراتهم، فيحسن توجيههم كل حسب قدراته ومواهبه، يساعده في ذلك الدراية بخطة العمل ومساراتها ومجالات العمل المتاحة حتى يوجه طاقات من يربيهم في الميدان المناسب تحقيقاً لخطة العمل الدعوي.

———
(1) حديث صحيح. أخرجه الإمام الترمذي رحمه الله تعالى في جامعه (رقم 3790)، والإمام ابن ماجه رحمه الله تعالى في سننه رقم: (154) وزاد (وأقضاهم على بن أبي طالب)، والإمام أحمد رحمه الله في مسنده (3/281)، رقم: (14022)، كلهم عن أنس بن ثابت رضي الله عنه.

اترك تعليقا