يا ربيع جَمّل ألفاظك

يا ربيع جَمّل ألفاظك – بقلم: د.عبدالله فرج الله

قول جميل، وتوجيه رائع من توجيهات الإمام الشافعي – رحمه الله – يحث فيه على كسوة الألفاظ، وأن لا تكون خالية مما يجملها أو يزينها، أو أن تكون بعيدة عن الحق والصواب. فكسوة الألفاظ بجمالها ورقتها، وبصوابها وصحتها، وإلا فإنها كاسية عارية، بما تحمله من فظاظة وغلظة، وعدوان واعتداء. هذه الألفاظ العارية الكاسية لا ترى الجنة ولا تشم رائحتها.

لأن فيها مخالفة واضحة وصريحة، للتوجيهات القرآنية، والإرشادات النبوية. حيث جاءت آمرة بالحسن والإحسان، والبعد عن الفحش والبهتان. «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه» رواه مسلم. «ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير» رواه أحمد والترمذي. «فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيرًا أدخل عليهم الرفق» صحيح رواه أحمد.

ولا يكفي لكسوة الألفاظ في ميدان (الأخوة) الرحب، أن تكون صوابًا، بل لا بد لاكتمال كسوتها، أن تكون لينة سهلة، رقيقة عذبة. تجسد قول الله – تبارك وتعالى -: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ). وهذه الذلة تترجمها الألفاظ، وتسمو بها السلوكيات.

بل نحن بحاجة لهذه الكسوة بشقيها اللين والصواب، في ميدان (الدعوة إلى الله) أيضًا، امتثالًا لأمر الله تعالى حين أمر موسى – عليه السلام – أن يذهب وأخوه إلى فرعون، فكان التوجيه: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا). فعليه أنت بحاجة إلى كسوة ألفاظك كسوة كاملة. في ميداني الأخوة والدعوة على حد سواء. فلا يجوز أن تتجاوز الحد في ألفاظك مع إخوانك، العاملين معك في ميدان الدعوة إلى الله. (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).

والألفاظ علامة دالة على ما في القلوب، من رحمة وحب، أو مشقة وغلظة. وكذا مع الناس جميعًا، وأنت تدعوهم إلى الله، أمرًا بالمعروف، ونهيًا عن المنكر. (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).

وعلى هذا فليس بداعية من حرم الرفق والحلم والأناة، وليس بداعية من يفرق ولا يجمع. يشتت ولا يوحد. يُفسد ولا يُصلح. وليس بداعية من كان فاحشًا متفحشًا. «مهلًا يا عائشة، عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش!» وفي رواية مسلم: «لا تكوني فاحشة، فإن الله لا يحب الفحش والتفحش». هذا ما قاله المصطفى لأم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – حين ردت على اليهود مقالتهم في رسول الله: السام عليك (الموت)، وزادت: «ولعنكم الله، وغضب عليكم». وحين احتجت بقولهم، قال لها رسول الله : «أو لم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم، فيستجاب لي ولا يستجاب لهم فيّ».

فمهلًا، أخانا في الله، حفظك الله ورعاك. إن الداعية لا يليق به أن ينزل منازل الذين ظلموا أنفسهم، ولا أن يتفوه بما تفوهت به ألسنتهم، ولا أن تزل به قدمه حيث زلت أقدامهم.
فمهلا. ولا تكن فاحشًا في لفظ أو فعل.

أخي الحبيب.. أُكسُ لفظك، فقد نبا.
أُكسُ لفظك، فقد قسا.
أُكسُ لفظك، فقد اشتط في غربته، وزاد في وحشته.
أُكسُ لفظك، في بيتك مع زوجك وأبنائك، مع والديك وأشقائك. في وظيفتك مع زملائك ومُدرائك. في الشارع مع العامة والخاصة والكبير والصغير. في الدعوة إلى الله مع إخوانك وأعوانك. أُكسُ لفظك، واستر عورته، واحفظ هيبته!

——————————————

اترك تعليقا