نظرات فى تُراث الإمام حسن البنا (10)

تقدموا فالأمة تنتظركمبقلم: الدكتور محمد حامد عليوة

نستكمل نظراتنا الدعوية والتربوية في التراث الزاخر لفضيلة الأستاذ الإمام حسن البنا – رحمه الله – ، تحت عنوان (أيها الإخوان المسلمون: تقدموا فالأمة تنتظركم).

يقول الإمام الشهيد:
«تقدموا أيها الإخوان لإنقاذ أمتكم، بإصلاح النفوس، وتطهير الأرواح، وتزكية الأفئدة، وتقويم الأخلاق، (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ‎) الرعد: 11، وكونوا أنتم المثل الحيّ، والنموذج الأول من طراز المسلم الصحيح خلقاً وعملاً». (1)

ونستخلص من هدا التوجيه الطيب بعض الدروس والفوائد، وهي:
1- أن التوجيه يحث الدعاة والمصلحين على الاستمرار في رفع لواء الإصلاح في الأمة، وأن يتقدموا قومهم في أداء هذا الواجب، ولا يتقاعسوا عن أداءه مهما كلفهم ذلك من تضحيات، ومهما وقفت في طريقهم العقبات، لأنهم ساروا على هذا الطريق، وانتهجوا هذا النهج حسبة لله، واقتداءً برسول الله .

2- أنَّ تقدم الدعاة والمصلحين لأقوامهم وشعوبهم في دروب الإصلاح لا يعنى أنهم ينوبون عنهم، ولا يعنى أنهم وحدهم الأولى بالقيام بواجب الإصلاح والتغيير، ولكن المعنى المراد هنا أن شعوب أمتنا ومجتمعاتنا شريكة معنا في جهود الإنقاذ والإصلاح، ولكن الإمام البنا يدعونا هنا إلى أن نكون طليعة لمجتمعاتنا وشعوبنا في ذلك.

ولقد أكدت الدعوة فى أحد سياستها الدعوية وتوجهاتها الإصلاحية على ذلك، حيث نصت أحد توجهات الجماعة على هذا المبدأ: (نحن نقود الأمة فى الإصلاح والتغيير ولا ننوب عنها). وذلك حتى يشعر المجتمع (أفراد – مؤسسات) أنه شريك فى عملية الإصلاح.  

وهذا التقدم وهذه الريادة للأمة – فى عملية الإصلاح – يرتكزان على قيمنا وأخلاقنا وسلوكنا وشعورنا بالتبعة والمهمة وضرورة أداء الواجب. وإلا فبدون القيم والأخلاق والسلوك الحسن والشعور بأمانة المسئولية لا نستحق ريادة مجتمعاتنا في الإصلاح.

3- أن الصلاح أساس الإصلاح، وأننا لن نقود الناس إلى الله في درب الإصلاح ما لم نحسن الإنقياد لله رب العالمين، بإصلاح أنفسنا، وتطهير أرواحنا، وتزكية أفئدتنا. وبالتالى يؤكد الإمام البنا على ضرورة إصلاح النفس وتطهير الروح وتزكية الأفئدة كمنطلقات لأي فرد أو جماعة تريد قيادة ركب الإصلاح.

ولذلك كان دائماً ما يوصى الإخوان باستكمال مقومات الصلاح في أنفسهم حتى ينجحوا في إصلاح مجتمعاتهم، ومن ذلك ما ورد عنه  في رسالة بين الأمس واليوم، تحت عنوان (واجبات)، فيقول – رحمه الله -:
«أيها الإخوان:
* آمنوا بالله واعتزوا بمعرفته والاعتماد عليه والاستناد إليه، فلا تخافوا غيره ولا ترهبوا سواه. وأدوا فرائضه واجتنبوا نواهيه.
* وتخلقوا بالفضائل وتمسكوا بالكمالات. وكونوا أقوياء بأخلاقكم أعزاء بما وهب الله لكم من عزة المؤمنين وكرامة الاتقياء الصالحين.
* وأقبلوا على القرآن تتدارسونه، وعلى السيرة المطهرة تتذاكرونها، وكونوا عمليين لا جدليين؛ فإذا هدى الله قومًا الهمهم العمل؛ وما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل». (2)

والحركة بين الناس بالبر والإصلاح دون رعاية للنفس مهلكة (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَأبَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) البقرة 44. ، وفي حديث النبي ما يحذر من ذلك، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «مَثَلُ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ وَيَنْسَى نَفْسَهُ مِثْلُ الْفَتِيلَةِ تُضِيءُ لِلنَّاسِ وَتَحْرِقُ نَفْسَهَا» أخرجه الطبراني في الكبير

ورحم الله الأديب الأستاذ مصطفى صادق الرافعي حين قال: «إنّ الخطأ أكبر الخطأ، أن تُنظِّم الحياة من حولك، وتترك الفوضى في قلبك».
ورحم الله الإمام حسن الهضيبي حين أكد على هذه الحقيقة بقوله: «أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم على أرضكم».

4- التحلى بالقدوة والمثل نظرياً وعملياً، قولياً وفعلياً، وهذا معيار النجاح، وأساس التأثير في الناس، أن نكون قدوة في أفعالنا وأقوالنا. ورحم الله من قال: «إذا كنت إمامي فكن أمامي»، ليس أمامى في المكان وتقدم الصفوف فحسب، ولكن أمامي في الحال والمقال، أمامي في العبادة والطاعة، أمامي في التضحية والبذل، أمامي في الصبر والثبات، أمامي في دماثة الخلق وحسن المعاملة، وغيرها، وعندئذ تكون إمامي (قائدي) حقيقة لا شك في ذاك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

————————————–
(1) المصدر: مقال للإمام البنا، نشر في جريدة الإخوان المسلمون، غرة ذي القعدة 1352 هـ، الموافق 15 فبراير 1934م.
(2) رسالة: بين الأمس واليوم

اترك تعليقا