ذَهَبَ الطغيان وبَقيَ الإخوان 

 ذَهَبَ الطغيان وبَقيَ الإخوان  –  بقلم: الدكتور محمد حامد عليوة

دعوة الحق هي نور الله، والله مُتم نوره، ولن يُطفئ نور الله أحد، وستبقى الدعوة، مهما مكر بها الماكرون، ووقف في طريقها الغاصبون، في كل عصر ومصر. يؤكد أ. سيد قطب – رحمه الله – على ذلك بقوله: « ذَهَبَ الطغيان وبَقيَ الإخوان».

إنه اليقين الصادق بوعد الله فى حفظ دعوته ونصر أوليائه وهلاك أعدائه، فقد صدع بها – رحمه الله – قبل أن يرى بعينيه هلاك الطغاة الذين أذاقوه وإخوانه ألوان العذاب، إنه الإيمان العميق والنظر الدقيق في كتاب الله، الذي تتحدث آياته عن هلاك الظالمين ونصر المؤمنين بصيغة الماضي، وهو تأكيد على وقوعها لا محالة (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (171- 173) الصافات.

فاطمئنوا أيها الأحبة، فلن يفلت الطغاة من وعد الله، ولن يفروا من عقابه، فهو عزيز ذو انتقام. أين من وقفوا في وجه دعوته من الظالمين؟ وأين من طغى على أوليائه من المجرمين؟ (فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) 47 إبراهيم».

عجباً لأمر هذه الدعوة !!

عجبًا لأمر هذه الدعوة، تمكر بها وتعاديها – قديماً وحديثا – كل قوى البغي في الأرض، إما لوقف مدها، أو تفتيت صفها، أو تشويه نهجها، أو تحريف سيرها، أو صرف الناس عنها وتخويفهم منها، كل هذا الكيد بهدف الإجهاز عليها والخلاص منها.
ورغم هذا كله ظلت الدعوة – في معية ربها – تواجه هذا الكيد الغاشم بمواصلة العمل تحت كل الظروف، تنمو وتتمدد في الضيق والمِحنة كما هو في السعة المنحة، تتجاوز آلامها، وتعلوا فوق جراحاتها، دون تفريط في ثوابتها أو انحراف عن خطها، لأنها تعرف رسالتها وغايتها.
تتعاقب عليها الممالك والعروش والزعامات التي وقفت في طريقها، وهي باقية بقاء الحق الذي تحمله وتدعو إليه.
فلا عجب إذًا من هذه الحالة التي أوجزها صاحب الظلال – رحمه الله – حين قال: «ذهب الطغيان، وبقى الإخوان».

حقيقة الباطل وصور الطغيان

تأملوا في مقدمة الحديث القدسي، وأشربوا نفوسكم به «مَن آذى لي وليًا فقد آذنته بالحرب» أخرجه البخاري. إيذاء يُوجب الحرب من الله، فما بالكم بمن يُحارب الله ورسوله، ويُحاصر دعوة الله – واهماً – من أن تصل إلى الناس، ويقتل النفس المؤمنة بغير حق، وينتهك الأعراض، ويسفك الدماء، ويسجن الأبرياء، ويُنكل بالعلماء، ويُوالي الأعداء، … وغيرها !!!

ما مصيره؟ وكيف ستكون نهايته؟. انتظروا وعد الله الذي لا يُخلف الميعاد، (وَكَأنَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا).

فقد دأب الباطل وأهله على الحمق والعربدة في مواجهة الحق وأهله، هذه الحماقة والغشم دليل ضعف وخور، وأي انتفاش للباطل هو دليل قويّ على غروره الأجوف الذي سرعان ما ينهار ويزهق إذا جاء الحق. (وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَأنَ زَهُوقًا) [الإسراء: 81]

لذلك كان لا بدَّ من: الإيمان الكامل بأن الحق قادم وأن الباطل زاهق، وأن الحق يحمل قوته فيه وأن الباطل يحمل ضعفه فيه، وأن الحق أبلج وأن الباطل لجلج، وأن ارتفاع صوت الباطل وترعرع شجرته لا يعني قوته ودوامه، لأن الحق بقوته سيجتث جذورها «سئل الحق يوما: أين كنت حين علا صوت الباطل وترعرعت شجرته؟ قال الحق: كنت في باطن الأرض أجتث جذورها».

فيا أيها الأحبة: ثقوا أن الله لن يخذلنا، وأنه تعالى بقوته معنا. ومن كان الله معه فلن يقدر عليه أحد، ولا يغرنكم علو صوت الباطل وانتفاشة الظالمين، فهي أصوات جوفاء، وانتفاشة هوجاء، ستأخذهم لحتفهم المقدور كما سبقهم فرعون المغرور. والله غالب على أمره. 

فأحسنوا الظن بمولاكم سبحانه وتعالى، لأن الله لا يخذل عبدًا أحسن الظن به.
فالأمر أمره، وله الكبرياء والعظمة وحده، ولا يقع في ملكه شيئاً إلا بعمله ووفق مشيئته.
ولا تظنوا أن الطغاة البغاة بعيدين عن انتقامه، أو مفلتين من عقابه، إنما يمهلهم حتى إذا إخذهم كان أخذه اليم شديد، فيشفي بذلك صدور قوم مؤمنين ويُذهب غيظ قلوبهم، لأنهم وثقوا بربهم وأحسنوا الظن بمولاهم.

—————————–

اترك تعليقا