لا نترك يقينًا يؤيده الواقع – بقلم: الدكتور محمد حامد عليوة
مما ذكره الإمام حسن البنا فيما يتعلق بالأمل واليقين في تأييد الله لدعوته، ووعده بنصر عباده وأوليائه، قوله: «لا نترك يقينًا يؤيده الواقع في سبيل ظن توحيه الشكوك».(1)
وهو ما يدعونا إلى اليقين بما يلي: – أن الله سبحانه ناصر دعوته وإن قل النصير، ومُمَكن لدينه وإن عاداه كل متجبر حقير. – أن الله منتقم ممن يُعادون أولياءه ودعوته؛ وإن كثر جندهم وعلا صوتهم وذاع سلطانهم. – أن العاقبة للمتقين والخسران للظالمين. – أن الله غايتنا، ومن كان الله غايته هانت عليه في الحق محنته. – أن دعوة الله هي غرسه جل في عُلاه، وما غرسته يد الله لن تنال منه يد البشر، وستؤتي شجرة الدعوة أُكلها كل حين بإذن ربها. – أن للكون ملك يُدبر أمره، وإله يُصرف شؤونه، وأنه لا يقع في ملكه سبحانه وتعالى إلا ما يعلم ويريد.
ورغم قتامة المشهد، وضيق المخرج، وتكالب الباطل، وبلوغ القلوب الحناجر، لا تفقدوا الأمل في مولاكم (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (62))، النمل. – أن يد الله تبارك وتعالى تعمل، وعلينا أن نسترها بالجهد، لنحظى بالتأييد وننال الأجر. – أن الغمة ستنكشف والمحنة ستزول، وسيأتي الفرج القريب بحول ربنا المجيب، ولن يطول ليل الظالمين، وسيعقبه فجر الصادقين، وسيخرج الصالحون الثابتون من البلاء خروج السيف من الجِلاء، أتقياء أنقياء. ولكنها سنة الله الواقعة في إمهال الظالمين وتمحيص المؤمنين. ومن يشك في ذلك فليراجع إيمانه ويجدد يقينه. (وَكَأنَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا). – أننا نوقن يقيناً راسخاً بـ (أنه لا يصعب مع عون الله شيء)، فمن أوقف حياته ونفسه لنصرة الحق، واستشعر معية الله له، تراه دائماً لا يألوا جهدًا ولا يدخر وسعًا في سبيل دعوته، وإن تنوعت على طريقه الصعاب والفتن، وأحاطت به الشدائد والمحن، فهو يُوقن أن الله سبحانه معه، يؤيده ويعينه ويهديه، رغم كثرة الخطوب ووعورة الدروب. فلا يصعب مع عون الله شيء، (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت 69).
ومن الدروس المستفادة من هذه الوصية: أن ما يقوله النّاس عنك ظن، وما تعرفه عن نفسك يقين، فانتبه أن تقدم ظنّهم فيك، على يقينك بنفسك. ويكفيك أن الله يعلم بما في نفسك، ومطلع على ما يُكنه صدرك، (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ)، (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ)، (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ). وإياك أن تجعل من نظر الناس إليك وحكمهم عليك، ما يفسد علاقتك بربك، أو يضعف من ثقتك بنفسك.
———————— (1) مجموعة رسائل الإمام حسن البنا، رسالة إلى أي شيء ندعو الناس؟