
رضا الناس غاية لا تُدرك
- zadussaerinweb@gmail.com
- مايو 29, 2021
- التربية الدعوية
- 0 Comments
رضا الناس غاية لا تُدرك – د. محمد حامد عليوة
إن المؤمن الحق من حصر غايته في (رضوان الله)، وحرص بعدها أن يتعبد إلى الله بخدمة الناس، ولا يُبالي بعد ذلك برضى الناس أو سخطهم، لأن ما يشغله هو رضا الله عنه وعن عمله، وشعاره:
فَلَيتَكَ تَحلو وَالحَياةُ مَريرَةٌ ** وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ
وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ ** وَبَيني وَبَينَ العالَمينَ خَرابُ
إِذا نِلتُ مِنكَ الوُدَّ فَالكُلُّ هَيِّنٌ ** وَكُلُّ الَّذي فَوقَ التُرابِ تُرابِ

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: «من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله؛ سخط الله عليه وأسخط عليه الناس». رواه ابن حبــان
لأن رضا الناس في كل الأحوال والأوقات غاية لا تُدرك، وإن أدركتها فهي ثمرة من ثمار رضا الله عنك، ورحم الله من أبان فقال:
«ومن في الناس يُرضي كل نفس ** وبين هوى النفوس مدى بعيد».
وعلى المرء أن يحرص أولاً على رضا المعبود، وأن يتعبد إلى الله بخدمة عباده، والسعي في حاجاتهم، والدعاء لهم، وحُسن معاملتهم، وحُب الخير لهم، وعندها سينال -بسبب ذلك كله- رضا الله، ثم رضا الناس، الذي هو حاصل رضا الله عنه، وثمرة من ثماره.
ورضا الله عن عبده هو نتيجة إقبال العبد على ربه وخشيته لله وتقواه، فإذا تحقق إقبال العبد إلى مولاه، فإن قلوب العباد ستقبل عليه بالحب والقبول، ورحم الله هرم بن حيان حين قال: «ما أقبل عبد إلي الله بقلبه إلا أقبل الله عز وجل بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم». وقد علق الإمام ابن القيم – رحمه الله – على ذلك فقال: «ويكفي في الإقبال على الله ثواباَ عاجلاً أن الله سبحانه وتعالى يُقبل بقلوب عباده إلى من أقبل عليه، كما أنه يُعرض بقلوبهم عمن أعرض عنه، فقلوب العباد بيد الله لا بأيديهم». (المجموع القيم من كلام ابن القيم)
ومن جميل ما ذكره الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله – حول الربانية في منهج الإسلام وأثرها في سلامة النفس البشرية من التمزق والصراع الداخلي، ما يلي:
«ومن ثمرات هذه الربانية ـ ربانية الغاية والوجهة ـ سلامة النفس البشرية من التمزق والصراع الداخلي، والتوزع والانقسام بين مختلف الغايات، وشتى الاتجاهات. لقد اختصر الإسلام غايات الإنسان في غاية واحدة هي إرضاء الله تعالى، وركز همومه في هم واحد هو العمل على ما يرضيه سبحانه، ولا يريح النفس الإنسانية شيء كما يريحها وحدة غايتها، ووجهتها في الحياة، فتعرف من أين تبدأ، وإلى أين تسير، ومع من تسير.
ولا يشقي الإنسان شيء مثل تناقض غاياته، وتباين اتجاهاته، وتضارب نزعاته، فهو حينا يشرق، وحينا يغرب، وتارة يتجه إلى اليمين، وطورا يتجه إلى اليسار، ومرة يرضى زيدا فيغضب عمرو، وأخرى يرضي عمرا فيغضب زيد، وهو في كلا الحالين حائر بين رضى هذا وغضب ذاك.
إن عقيدة التوحيد قد منحت المسلم يقينا بأن لا رب إلا الله يخاف ويرجى، ولا إله إلا الله، يجتنب سخطه، ويلتمس رضاه. وبهذا أخرج المسلم كل الأرباب الزائفة من حياته، وحطم كل الأصنام المادية والمعنوية من قلبه، ورضي بالله وحده ربا، عليه يتوكل، وإليه ينيب، وفي فضله يطمع، ومن قوته يستمد، وله يتودد، وإليه يحتكم، وبه يعتصم: (وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (آل عمران: 101)».

خلاصة القول في هذا الأمر: أن يحرص المؤمن كل الحرص على رضا مولاه، ولا يحمل همّ رضا الناس عنه فيما يقول أو يفعل، لأن رضا الناس عنك هو حاصل رضا الله عنك، وكن على يقين أن نفوس الناس وأهوائهم وظروفهم في تقلب، وهم بشر يُخطئون ويُصيبون، ويجهلون ويُشفقون، ويفترون وينشطون، وبفهم المؤمن لطبيعة النفوس تجده بإيمانه يقيس الأمور قياساً ربانياً، فيربط قلبه بربه دائماً، وهو على يقين أن قلوب العباد بيده سبحانه.