في الوفاء بالبيعة والنصح للمسلمين

في الوفاء بالبيعة والنصح للمسلمين الدكتور محمد حامد عليوة

رائعة.. في الوفاء بالعهد والبيعة، والنصح للمسلمين، نقف هنا وقفة مع صحابي جليل، في موقف جليل، يدل على صدق الإيمان وحُسن الإتباع، وجميل الوفاء بالعهد والبيعة.

عن جريرٍ بن عبدالله البجلي قال: «بايعتُ رسول الله ﷺ على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وعلى النصح لكل مسلمٍ» رواه البخاري ومسلم والترمذي (*)

ما أروع الوفاء .. وما أجمل الصدق في النصيحة

قصة عجيبة في الوفاء بالعهد والبيعة وامتثاله للنصيحة، رواها أبو القاسم الطبراني، وهي:

أن جَريرًا أمر مولاه أن يشتري له فرسًا، فاشترى له فرسًا بثلاثمائة درهم، وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس: فرسك خير من ثلاثمائة درهم، أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال: ذلك إليك يا أبا عبدالله، فقال جرير: فرسك خير من ذلك، أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائة فمائة وصاحب الفرس يرضى، وجرير يقول: فرسك خير، إلى أن بلغ ثمانمائة درهم، فاشتراه بها، فقيل له في ذلك، فقال: إني بايعتُ رسول الله ﷺ على النصح لكل مسلم.

وقد روى ابن حبان: أن  جرير بن عبد الله كان إذا اشترى شيئاً أو باع يقول لصاحبه: «اعلم أن ما أخذنا منك أحبُّ إلينا مما أعطيناكه، فاختَرْ».

لله درك.. ما أروعك، يا سيدي جرير بن عبد الله، وكأن لسان حالك في هذا الموقف مع (بائع الفرس) يقول لنا:

أنا جرير بن عبد الله، صاحب رسول الله ﷺ، لا يمكن أن أستغل حاجة إنسان من أجل مصلحتي، لأني حين أسلمت بايعت رسول الله ﷺ على النصح لكل مسلم، وعليه فإني أرى أن فرسك هذه تساوي ثمانمائة، وإن لم أفعل ذلك أراني قد نكثت في بيعتي لرسول الله.

أنا جرير بن عبد الله، صاحب رسول الله ﷺ لا أغش مسلماً ولا أخدع مؤمناً ولا أستغل ضعف مضطر، ولقد عاينت الفرس عند الشراء فلم أرى بها عيباً، ولما نظرت إلى صاحبها أيقنت أنه ما باعها إلا لحاجة وضرورة. فما كان مني إلا أن وفيته حقه وأوفيت في عهدى مع رسول الله، وهو العهد الذى قطعته على نفسي أن أنصح لكل مسلم، وإن كان ذلك على حساب نفسي.

لله درك يا جرير .. ما أروعك: لقد عشنا ورأينا بأم أعيننا أناس بايعوا فوفوا ببيعهم وصدقوا في عهدهم، ودفعوا ضريبة ذلك من حريتهم ومعاشهم، ورأينا آخرين بايعوا ولكنهم لم يوفوا، ونسوا أو تناسوا أن يد الله فوق أيديهم!

——————
(*) الحديث أخرجه مسلم، حديث (56)، وأخرجه البخاري في “كتاب الإيمان” “باب قول النبي ﷺ: الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”، حديث (57)، وأخرجه الترمذي في “كتاب البر والصلة” “باب ما جاء في النصيحة” حديث (1925).
(**) هو جرير بن عبدالله بن جابر البجلي، يكنى أبا عمرو، وقيل: أبا عبدالله البجلي؛ فهو من قبيلة بجيلة، وهي قبيلة نسبت إلى أمهم بجيلة بنت صعب بن على بن سعيد العشيرة، أسلم جرير قبل وفاة النبي ﷺ بأربعين يومًا، وهو سيد قومه، وقال النبي ﷺ لما دخل عليه جرير فأكرمه: (إذا أتاكم سيد قوم، فأكرموه).
توفي جرير سنة إحدى وخمسين، وقيل: أربع وخمسين – رضي الله عنه وأرضاه؛ [انظر: أسد الغابة (1/ 333)].

اترك تعليقا