منزلة الحياة مع القرآن

منزلة الحياة مع القرآنبقلم: الدكتور على محمد الصلابي

إلى من قدَّر الله له قراءة هذه المقالة، أحسب أن الله أراد بك خيرًا، فخُذ من وقتك دقائقَ واقرأ بتمعّنٍ، فإني ناصحُك بنصيحةٍ لئن أخذتَ بها؛ والذي نفسي بيده ليفتحَنّ الله عليك بركاتٍ من السماء والأرض، ولَـيُـغْـدِقَـنَّ عليك من خيرَي الدنيا والآخرة، وليُـرْضِينّك وليُـكْرِمنّك وهو أكرم الأكرمين.

أقول لك: اجعل حياتَك ممزوجةً بالقرآن لا تنفكّ عنه، تلاوةً دائمة – من المصحف أو من حفظك – واستماعًا دائمًا في غير وقت التلاوة، خصّص له وقتًا، واستغلّ فراغك وأوقاتِك البينيّة ووقت المواصلات وفي الطرقات، ووقت انشغالك بأعمال لا تحتاج تركيزًا، واللهِ لتجِدَنّ بركةً في وقتك وتيسيرًا في كلّ شأنك، وسعادةً غامرة في صدرك ما كنتَ لتجدها إلا ببركة كلام الله.

تعلَّق بالقرآن تجد البركة في كل حياتك! فقد قال الله ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾، ومن بركته: أنه ما زاحمَ شيئًا إلا باركَه ببركته.
وكان أحدُ المفسّرين يقول:
«اشتغلنا بالقرآن فغمرتنا البركاتُ والخيراتُ في الدنيا»
وقال إبراهيمُ بن عبد الواحد المقدسيُّ – موصيًا الضياءَ المقدسيَّ لمّا بدأ يشقّ طريقَه لتعلّم الحديث-:
«أكثر من قراءة القرآن ولا تتركه، فإنه يتيسّرُ لك الذي تطلبه على قدر ما تقرأ»، فقال الضياءُ: «فرأيتُ ذلك وجربتُه كثيرًا، فكنتُ إذا قرأتُ كثيرًا تيسّر لي من سماع الحديث وكتابته الكثير، وإذا لم أقرأ لم يتيسر لي».
وقال أحد السلف:
«كلما زاد حزبي – (أي: الورد اليومي) – من القرآن زادت البركة في وقتي، ولا زلت أزيد حتى بلغ حزبي عشرة أجزاء».
وقال عبد الملك بن عمير:
«كان يُقال إنّ أبقى -أو أنقى- الناس عقولًا قُـرَّاءُ القرآن».
وقال القرطبي:
«من قرأ القرآن مُـتِّـعَ بعقله وإن بلغ مائة.»

وأما عن الوقت الذي لا تتهيأ فيه نفسك لتلاوة القرآن فاستمع له وأنصت من أحب أصوات القُـرَّاء إليك، فما الرحمة إلى أحد بأسرع منها إلى مُستمع القرآن! لقوله ﷻ ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ و[لعل] من الله واجبة.
وقد كان حبيبنا ﷺ يحب سماع القرآن من غيره مع أنه عليه أُنزِل! وكان يقول:
«إني أحب أن أسمعه من غيري».

وعلى قَدْر نصيبك من كلام الله (استماعًا وتلاوةً وتعلمًا وعملًا وحفظًا) يكون نصيبك من رحمة الله ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ [وَرَحْمَةٌ] لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، وكذلك ترشد الآية أن شفاء صدرك وزوال همك يكون بالقرآن!
قال ابن الجوزي:
«تلاوة القرآن تعمل في أمراض الفؤاد ما يعمله العسل في علل الأجساد»
وقال شيخ الإسلام:
«ما رأيت شيئا يغذِّي العقل والروح ويحفظ الجسم ويضمن السعادة أكثر من إدامة النظر في كتاب الله تعالى»
وإن لم يكن لك إلا قول حبيبنا ﷺ:
«اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه» لكان ذلك سببًا كافيًا لتعكف عليه آناء الليل وأطراف النهار!
سيشفع لك هذا الرفيق المبارك يوم يفر منك أخوك وأمك وأبوك وصاحبتك وبنوك!

ويكفي صاحبَ القرآن رضا وسرورا؛ قولُ الحبيب ﷺ: «يجيءُ صاحبُ القرآن يومَ القيامة، فيقول القرآن: يارب حُلَّهُ، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يارب زِدْه، فيلبس حُلَّةَ الكرامة، ثم يقول: يارب ارضَ عنه، فيرضى عنه، فيُقالُ له: اقرأ، وارقَ، ويُزاد بكل آيةٍ حسنة.»

احذر أن تهجر القرآن أو تغفل عنه، كل بُعْدٍ عن القرآن هلاكٌ لنفسك واختناق.
قال تعالى:
﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) – أي يبعدون عنه – ثم قال: (وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾. أقسم بالله؛ ان الغافل عن القرآن لفي خسارة وحسرة عظيمة!
وما أَحَـبَّ اللهُ أحدًا حُـبَّـهُ لأهل القرآن. جاهد لتكون منهم، فإن لم تستطع فزاحمهم؛ هم القوم لا يشقى جليسهم، قال تعالى:
(ومَن يَبخلْ فإنّما يَبخلُ عَن نَفسِه)، وقال تعالى: (إن هو إلا ذكرٌ للعالمينَ ولتعلمُنّ نبَأَهُ بعدَ حِين).
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وشفيعا لنا يوم لقاك.

اترك تعليقا