دعوة شاملة تراها في كل ميدان

دعوة شاملة تراها في كل ميدان
بينما كان المسلمون يتخبَّطون في الجهل والظلام، حينما انزوى مفهوم الإسلام الشامل وانحصر مكانه الفعلي ليصبح في المسجد فقط، ولم يعُد له مكانٌ في توجيه الحياة، وبينما كان المسلمون يترنحون من جراء السقوط المدوي للخلافة الإسلامية، والذي أدَّى إلى ضياعِ هويَّة الأمة، وفقدانِها لمصدر عزتها، وافتقادِها معالم المشروع الحضاري لنهضتها وقيامها بدورها الرائد في الشهادة على الناس.

ووسط هذا الظلام الدامس. يأتي شابٌّ في الحادية والعشرين من عمره قد ارتوى من النيل ماءً عذبًا فراتًا، ومن الإسلام هديًا ونبراسًا، ومن القرآن شرعةً ومنهاجًا، فيخاطب قومه:
«يا قومنا إننا نناديكم والقرآن في يميننا والسنة في شمالنا وعمل السلف الصالحين من أبناء هذه الأمة قدوتنا، نناديكم إلى الإسلام وتعاليم الإسلام وهدي الإسلام».
«الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا فهو دولة، ووطن، أو حكومة، وأمة، وهو خلق وقوة، أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء».
فأسس دعوة الإخوان على ركائز ثلاث من: الفهم العميق. التكوين الدقيق. العمل المتواصل.

ففي موعد مع القدر، جاء الإمام البنا، جامعًا بين الفهم الشامل الصحيح للقرآن ولهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين الدراسة العميقة للتاريخ وتجاربه، ولسنن الله في التمكين، وكذلك البصيرة النافذة لواقع الأمة الإسلامية وتشخيص دائها ومعرفة وسائل العلاج وأولوياته.
فأعاد بدعوته المتكاملة هذا الفهم السليم الذي كاد أن يندثر. وحملت الجماعة هذا الفهم ودعت إليه، وتحملت في سبيل تثبيته في المجتمع الكثير من المحن والابتلاءات والدماء والشهداء. فكم من دماء سفكت وأطفال يتمت ونساء رملت وأمهات ثكلت حتى ثبت هذا الفهم عبر هذه السنين الثمانين.

جاء الإمام البنا، فجعل قوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي﴾ (يوسف: من الآية 108)، منطلقًا لدعوته، فبين أن إسلام الإخوان المسلمين قائمٌ على ركائز ثلاث، يعتقدها الإخوان ويؤمنون بها ويعملون ويدعون ويضحون في سبيلها:
1- يعتقد الإخوان المسلمون أن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة تنتظم شئون الناس في الدنيا والآخرة، وأن الذين يظنون أن هذه التعاليم إنما تتناول الناحية العبادية، أو الروحية دون غيرها من النواحي مخطئون في هذا الظن.
فالإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف،
فأيقن الإخوان أن الإسلام هو هذا المعنى الكلي الشامل، وأنه يجب أن يهيمن على كل شئون الحياة وأن تصطبغ جميعها به وأن تنزل على حكمه، وأن تساير قواعده وتعاليمه وتستمد منها ما دامت الأمة تريد أن تكون مسلمةً إسلامًا صحيحًا.
2- يعتقد الإخوان المسلمون أن أساس التعاليم الإسلامية ومعينها هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، اللذان إن تمسكت بهما الأمة فلن تضل أبدًا، وأن كثيرًا من الآراء والعلوم التي اتصلت بالإسلام وتلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها والشعوب التي عاصرتها، ولهذا يجب أن تستقي النظم الإسلامية التي تحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافي، معين السهولة الأولى، وأن نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح رضوان الله عليهم، وأن نقف عند هذه الحدود الربانية النبوية حتى لا نقيد أنفسنا بغير ما يقيدنا الله به، ولا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معنا.
3- يعتقد الإخوان المسلمون أن الإسلام كدين عام انتظم كل شئون الحياة في كل الشعوب والأمم لكل الأعصار والأزمان، جاء أكمل وأسمى من أن يعرض لجزئيات هذه الحياة وخصوصًا في الأمور الدنيوية البحتة.

ومن هنا أدرك الإخوان بأنه لا يمكن أن ينصلح حال الأمة إلا إذا صلح تَصوُّرُها عن دينها أولًا، وأنه منهجٌ متكاملٌ للحياة، وصالح لكل زمان ومكان، ولقد صدق الإمام البنا حينما بيَّن أن دعوة الإسلام بهذا الفهم «قد امتدت طولًا حتى شملت آباد الزمن، وامتدت عرضًا حتى وسعت آفاق الأمم، وامتدت عمقًا حتى استوعبت شئون الدنيا والآخرة».

فهم الإخوان
كانت انطلاقة الإمام البنا، وكانت كلمات المؤسس – رحمه الله – «ولكننا أيها الناس فكرة وعقيدة، ونظام ومنهاج، لا يحدده موضع ولا يقيده جنس ولا يقف دونه حاجز جغرافي ولا ينتهي بأمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها ذلك لأنه نظام رب العالمين ومنهاج رسوله الأمين».

والتي على أساسها تحركت دعوة الإخوان، فغرست عبر 87 عامًا في نفوس الإخوان وأبناء الأمة جميعًا، أن الفهم الصحيح الشامل هو محور الارتكاز، وهو العامل الأساسي الذي يجب توفره من أجل سلامة المسير، وأن المخلص العامل الذي لا يحسن الفهم الصحيح، ولا يُنزِل الأمورَ منازلها قد يضل ضلالًا كبيرًا، وأن الفرق بين الحفظ والفهم كالفرق بين الجسد والروح، فالحفظ جسد والفهم روحه.

واستمرت مسيرة دعوة الإخوان وهي على هذا الفهم في حدود الأصول العشرين التي وضعها الإمام البنا، والتي تهدف إلى:
إدراك الفهم الصحيح للإسلام، العمل الراشد له والتجمع حوله، والحذر من خط الانحراف، وجمع المسلمين على فهم واحد، وتضييق شُقة الخلاف بين العاملين للإسلام.
كانت النتيجة الطبيعة لهذا الفهم الصحيح الشامل عبر سنوات الدعوة الثمانين، أن كان الإخوان المسلمون جماعة تلتقي عندها آمال محبي الإصلاح، والشعوب المستضعفة، والمسلمين المصادرة حقوقهم، فهم:
1- دعوة سلفية: إذ يدعون إلى العودة إلى الإسلام، إلى معينه الصافي، من الكتاب والسنة.
2- طريقة سنية: لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلًا.
3- حقيقة صوفية: إذ يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، وسلامة الصدر، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والأخوة فيه سبحانه.
4- هيئة سياسية: لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل وتعديل النظر في صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج، وتربية الشعب على العزة والكرامة والحرص على قوميته إلى أبعد حد.
5- جماعة رياضية: يعتنون بالصحة، ويعلمون أن المؤمن القوي هو خير من المؤمن الضعيف، وأن تكاليف الإسلام لا تُؤدى إلا بالجسم القوي، والقلب الذاخر بالإيمان، والذهن ذي الفهم الصحيح.
6- رابطة علمية وثقافية: فالعلم في الإسلام فريضة يحض عليها، وعلى طلبها، ولو كان في الصين، والدولة تنهض على الإيمان، والعلم.
7– شركة اقتصادية: فالإسلام يُعنَى بتدبير المال وكسبه، والنبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: «نعم المال الصالح للرجل الصالح»، و«من أمسى كالًا من عمل يده أمسى مغفورًا له».
8- فكرة اجتماعية: يعنون بأدواء المجتمع، ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها وشفاء الأمة منها.
وهكذا نرى أن شمول الإسلام قد أكسب فكرتنا شمولًا لكل مناحي الإصلاح، ووجه نشاط الإخوان إلى كل هذه النواحي، وهم في الوقت الذي يتجه فيه غيرهم إلى ناحية واحدة دون غيرها يتجهون إليها جميعًا ويعلمون أن الإسلام يطالبهم بها جميعًا
.

————–

اترك تعليقا