إن أي فكرة ذات نظام وكيان. قد يتعرض بنيانها للدمار، إذا لم يحافظ أبناؤها على وحدتها وتماسكها، فمن وحدتها تستمد الفكرة قوتها واستمرارها. وأول وسائل المحافظة على وحدة الصف احترام نظام ولوائح ومبادئ تلك الفكرة، وإلا فلا جماعة بدون نظام ولا نظام بدون جماعة، ولن يكون هناك استقرار بدون التقيد بتلك المبادئ والقوانين.
ومن وسائل المحافظة على الصف: 1- الالتزام بلوائح الفكرة وقوانينها: يقول الأستاذ مصطفى مشهور يرحمه الله: «يجب أن يعلم الفرد أن التزامه بنظم الجماعة ولوائحها أمر أساسي ولازم لحسن سير العمل لتحقيق الأهداف، وأن وفاءه بما يعطيه من عهد وبيعة يعتبر طاعة وتعبدًا لله ومن أفضل القربات.» (القائد القدوة، ص 92). وقد كان من نتائج عدم الانقياد للجماعة والالتزام برأيها في فتنة التكفير أيام محنة عبدالناصر انقسام الصف وخروج تلك الفئة التي لم تنصع إلا لهواها.
2- الشورى: فهي تحفظ الصف من التفكك والتصدع، وهي داخل الفكرة مُلزمة، فلا للاعتداد بالرأي، ولا للانفراد بالقرار (وأمرهم شورى بينهم) (الشورى: 38).
3- الأخوة: فهي حصن متين، وإذا لم يكن أبناء الفكرة الواحدة على قلب رجل واحد، انقسم الصف واهتز البنيان، وتزلزل الكيان، ولذلك فإن الإسلام ينادي أصحابه: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) (آل عمران: 102).
ولذلك كان حرص الإمام الشهيد على الأخوة. اسمع له وهو يقول: «وأريد بالأخوة أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها، والأخوة أخوة الإيمان، والتفرق أخو الكفر، وأول القوة قوة الوحدة، ولا وحدة بغير حب، وأقل الحب سلامة الصدر، وأعلاه مرتبةً الإيثار، (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (9)) (الحشر)، والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه، لأنه إن لم يكن بهم فلن يكون بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، و(المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا)، (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) (التوبة: 71).» (رسالة التعاليم، ص 364).
4- الطاعة: فلا جماعة بدون أمير، ولا أمير بدون طاعة، والطاعة هي امتثال الأمر وإنفاذه توًا في العسر واليسر، والمنشط والمكره. يقول الإمام الشهيد: «والدعوة في هذه المرحلة جهاد لا هوادة معه وعمل متواصل في سبيل الوصول إلى الغاية، وامتحان وابتلاء لا يصبر عليهما إلا الصادقون، ولا يكفل النجاح في هذه المرحلة إلا كمال الطاعة» (رسالة الأُسر).
ولو أن كل فرد آمن بالفكرة دون التزامه بالسمع والطاعة لقادتها ومسؤوليها لتهدمت الفكرة، ولتفرقت الجماعة أحزابًا وجماعات (كل حزب بما لديهم فرحون (53)) (المؤمنون).