النجاح هو الحالة التي ينشدها الناس في حياتهم وأعمالهم، ولكنهم يتفاوتون في درجة السعي والعمل للوصول إليها، ويتسائل الناس كلهم، ما النجاح؟ وكيف نحققه؟ ولا توجد إجابات مباشرة لهذه الأسئلة، لأن النجاح له عوامل كثيرة ومتنوعة تحدد كيف سيصل الفرد إلى حالة النجاح المنشود، وتختلف هذه العوامل باختلاف الأفراد والمجتمعات، لكن هناك عوامل كثيرة مشتركة بين النجاح والناجحين، نستعرضها هنا بإيجاز:
(1)الناجحون يلتمسون عون الله: لأن الإنسان قد يغتر بإمكاناته وقدراته ويظن أنها وحدها السبيل إلى النجاح، ولكن معها وقبلها لا بدَّ أن يطلب العون من ربه، لأن المحروم من حُرم عون الله وتوفيقه، ولعل من الملفت في هذا الصدد أن نكرر في صلواتنا كل يوم وأكثر من مرة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، ورحم الله من قال:-
إذا لم يكن عون من الله للفتى .. فأول مايجني عليه اجتهاده
(2) الناجحون أصحاب رسالة في الحياة: وهو عامل مشترك بين أهل النجاح والتميز، والرسالة هي الغاية التي يريد الفرد تحقيقها في حياته، وهي أمر مستمر ولا ينتهي إلا بموت الفرد، لذلك يعتبر النجاح رحلة مستمرة لا تتوقف، والفرد الذي وضع رسالة لحياته والتزم بها نجده أكثر حرصًا على وقته وأكثر حرصًا على إنجاز أهدافه وترك آثاراً مشهودة وإنجازات محمودة تشهد بنجاحه بعد وفاته.
وليس هناك غاية أعظم من رضا الله والفوز بالجنة، ومن يحرص على الوصول إلى هذه الغاية فلا بد أن تنتظم حياته وفق مراد الله وتتحقق أهدافه وتتعدد إنجازته ويصبح بذلك في عداد الفائزين الناجحين في الدنيا والآخرة.
(3) أهل النجاح يخططون لأنفسهم ويحددون أهدافهم: وهذا أمر بديهي، لأن من التزم برسالة يؤديها في حياته سيضع أهدافًا لتحقيق هذه الرسالة، وسيخطط ليحقق أهدافه بالتدريج، والتخطيط للحياة قد يكون عبارة عن أهداف عامة وخطط تفصيلية وقد يكون تخطيط مفصل لفترة معينة أو لمهمة معينة، والتخطيط يساعد الإنسان على التركيز وعدم التشتت في أعمال جانبية لا تحقق أهدافه، وكما يقال: “النجاح عدو العشوائية”، ومن لا يحسنون التخطيط لأنفسهم فغالباً يفشلون، أو يخططون لفشلهم لأنهم وضعوا أنفسهم ضمن مخططات ومستهدفات الآخرين. وقد أحسن من قال: «إنسان دون هدف كسفينة دون دفة كلاهما سوف ينتهي به الأمر على الصخور» (توماس كارليل)
(4) تنظيم الوقت وإدارة الذات: وهو التخطيط اليومي، أي كيف يقضي الإنسان يومه؟ وكيف يشغل وقته؟ وتنظيم الوقت هو الذي يحدد نجاح الفرد أو فشله في النهاية، لأن اليوم الناجح هو ما استفاد منه الفرد واقترب خلاله من النجاح وتحقيق الأهداف وإنجاز الرسالة، واليوم الذي لم يستفد منه ولم يستغله فسيأخره عن تحقيق أهدافه وأداء رسالته، لذلك إدارة الذات واستغلال الوقت يسهمان في تحديد نجاحك وفشلك.
ومما تعلمناه في الصغر أن الوقت من ذهب، وهذا لا شك دليل على قيمة الوقت الكبيرة إلا أن الذهب يقدر بثمن قد يرتفع وقد ينخفض وقد يباع وقد يشتري، أما الوقت الذي يمر فلا يمكن أن يعود ولا يُعوض بأي ثمن، وهذا يعني أن الوقت أغلي من الذهب، ورحم الله الإمام حسن البنا حين قال: «الوقت هو الحياة»، فمن فرط في وقته فقد أضاع حياته.
(5) يُجيدون التعامل مع الآخرين: وهو فن يجب أن يتعلمه كل شخص يود أن يحقق أهدافه، فلا نجاح من غير علاقات ولا نجاح دون التعامل مع الآخرين والتعاون معهم، وأول سبل النجاح مع الناس أن ننجح مع رب الناس، فمن لا يُحسن الانقياد إلى الله لن يُفلح في قيادة الناس إليه سبحانه، فالنجاح الحقيقي مع الناس هو ثمرة طبيعية لحسن علاقاتنا بالله وإقبالنا عليه سبحانه، ورحم الله الامام بن القيم حين قال: «ويكفى في الإقبال على الله تعالى ثوابًا عاجلًا أن الله سبحانه وتعالى يُقبل بقلوب عباده إلى من أقبل عليه، كما أنه يُعرض بقلوبهم عمن أعرض عنه، فقلوب العباد بيد الله لا بأيديهم» (المجموع القيم من كلام بن القيم ص: 668)، ثم بعد حسن الصلة بالله نأخذ بأسباب النجاح مع الناس بتعلم المهارات اللازمة والتدرب على حسن التعامل والتواصل والتأثير.
(6) التجديد والإبداع: التجديد والإبداع متلازمان، وهما أمران ضروريان لكل شخص، إذ أن الروتين اليومي الممل يمتص من طاقة وحماسة الإنسان، فلزم عليه أن يُجدد حياته، يُجددها في جوانبها الروحية والعقلية والنفسية والجسدية، ولهذا تجد الناجحون يحرصون على تطوير أنفسهم من خلال عدة وسائل، ويحرصون على تطوير وسائلهم لتحقيق أهدافهم. ومن لا يجدد نفسه ويطور مهاراته ويطلع على كل ماهو جديد في فنه ومجال عمله وحياته سيتجمد ويتأخر ولا يلحق بركب الناجحين، وقد قال أحدهم: «من لم يتجدد يتبدد»، وقال آخر: «ومن لم يزدد في يومه فهو زائد عليه»، وفي الحديث: «من كان يومه مثل أمسه فهو مغبون». إذاً لا بدَّ من التجديد النافع في حياتنا والتطوير المستمر لأنفسنا فهذا من شيم الناجحين.
(7) الطموح: لا يسعى للنجاح من لا يملك طموحاً ولذلك كان الطموح هو الكنز الذي لا يفنى. فكن طموحاً وانظر إلى المعالي، ففي حديث النبي ﷺ:«إذا سالتم الله الجنه فسالوه الفردوس الأعلي»، وهذا عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين يقول معبراً عن طموحه: «إن لي نفسا تواقة، تمنت الإمارة فنالتها، وتمنت الخلافة فنالتها، وأنا الآن أتوق إلى الجنة وأرجو أن أنالها».
قد رشحوك لأمر لو فطنت له .. فاربأ بنفسك أن ترعي مع الهمل
(8) التضحية والصبر: النجاح عمل وجد وتضحية وصبر ومن منح طموحه صبرًا وعملًا وجدًا حصد نجاحًا وثمارًا.
لا تحسبن المجد تمرا أنت آكله .. لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
والناجحون لا ينجحون وهم جالسون لاهون ينتظرون النجاح، أو يتمنونه دون جهد وعمل، ولا يعتقدون أنه فرصة حظ، وإنما يصنعونه بالعمل والجد والتفكير والبذل واستثمار الفرص والاعتماد على ما ينجزونه بأيديهم، وطريق النجاح والتميز ليس مفروشاً بالورود ولكن تحفه المخاطر والصعاب وأحياناً الاخفاقات، وبالتالي لزم الصبر ومواصلة الجهد.
(9) يحاولون ولا يخافون الفشل: لأنهم عرفون أن الفشل مجرد حدث وتجارب، فلا تخش الفشل بل استعمله ليكون معبراً لك نحو النجاح، لأن الفشل ما هو إلا إخفاق مؤقت يخلق لك فرص النجاح شريطة أن تستفيد منه. وعلينا أن نتذكر أن الوحيد الذي لا يفشل هو الذي لا يعمل، وما الفشل إلا هزيمة مؤقتة تخلق لك فرص النجاح.
ومن يتهيب صعود الجبال .. يعش أبد الدهر بين الحفر
أيها النصر، ما أعظمك بعد الهزيمة! وأيها الربح، ما أحلاك بعد الخسارة! وأيها النجاح ما أروعك بعد الفشل!
(10) يثقون بأنفسهم وبقدراتهم: لأن رؤية الإنسان الايجابية لنفسه تدفعه دائماً نحو النجاح، والناجحون يثقون دائماً في قدرتهم على النجاح، لذلك يجب عليك أن تثق بنفسك، وإذا لم تثق بنفسك فمن ذا الذي سيثق بك، ومما تؤكده التجربة أن الثقة بالنفس طريق النجاح، والنجاح يدعم الثقة في النفس، وهذه النظرة الايجابية لدي الناجحون تجعلهم دائماً يبحثون عن الحلول أما غيرهم فيبحث دائماً على الأعذار، الناجحون لا يهابون الواقع وإن كان صعباً، أما غيرهم فتراهم يقفون عاجزين أمام المشكلات دون تفكير في الحل أو محاولات للعلاج. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
zadussaerin
منطلقات النجاح العشر – بقلم: د. محمد حامد عليوة