نداء من الإمام حسن البنا

نداء من الإمام حسن البنابقلم: د. محمد حامد عليوة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
أيها الأحباب الكرام: تمر دعوتنا بمرحلة هامة من تاريخها الطويل المبارك، فبعد أن من الله علينا بالحرية، ووقف شعبنا الطيب في صف من يحملون هم هذا الدين، فاختارهم بإرادته الحرة ليمثلوه في مجالسه النيابية واتحاداته الطلابية ونقاباته المهنية.. وغيرها، بدت ملامح الخير بالأفق، تذكرنا بما تربينا ونتربي عليه، أن هذه الدعوة هي دعوة الله سبحانه وتعالى، وأن طريقها شاقة وطويلة، يكثر عليها الابتلاء، ويتكالب عليها الأعداء، ومع العمل والتضحية والثبات على هذه الطريق تتحقق الغايات وتنجلي الكربات، ويتحقق وعد الله تعالي لأصحاب الدعوات بالاستخلاف والتمكين (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَبَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور – 55).

ومع بشائر النهضة والنصر والتأييد والتمكين لدعوة الله ودينه، تشتد حرب الشبهات حول هذه الدعوة، وتكثر الأبواق التي تنال منها ومن قيادتها وتاريخها المشرف ومنهجها الأصيل، بهدف تشويه الصورة وتعويق المسيرة، والنيل منها ومن مشروعها الاصلاحي.

نداء من الإمام حسن البنا
لقد قلبت كثيراً في رسائل الإمام الشهيد حسن البنا -عليه رحمة الله-، فما وجدت توجيها تربوياً أنسب لهذه المرحلة – بمبشراتها ومعوقاتها – من هذا التوجيه الشامل الذي ذيل به الإمام الشهيد رسالته القيمة (بين الأمس واليوم)، موجها نداءه للإخوان المسلمين تحت عنوان (واجبات).
وقبل عرض النداء التوجيهي والوقوف مع بعض إشاراته التربوية والدعوية، أتمني من القارئ الكريم أن يدقق القراءة ويمعن النظر والفكر في هذا التوجيه، وأن يربطه بالظروف المحيطة بدعوتنا في هذه الآونة، ثم الوقوف علي أهم تطبيقاته العملية في حياة صفنا المبارك في ظل هذه الظروف.

يقول الإمام البنا: «أيها الإخوان:
آمنوا بالله واعتزوا بمعرفته والاعتماد عليه والاستناد إليه، فلا تخافوا غيره ولا ترهبوا سواه. وأدوا فرائضه واجتنبوا نواهيه.
وتخلقوا بالفضائل وتمسكوا بالكمالات، وكونوا أقوياء بأخلاقكم أعزاء بما وهب الله لكم من عزة المؤمنين وكرامة الاتقياء الصالحين.
وأقبلوا علي القرآن تتدارسونه، وعلي السيرة المطهرة تتذاكرونها، وكونوا عمليين لا جدليين؛ فإذا هدى الله قومًا ألهمهم العمل؛ وما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل.
وتحابوا فيما بينكم، واحرصوا كل الحرص على رابطتكم فهي سر قوتكم وعماد نجاحكم، واثبتوا حتى يفتح الله بينكم وبين قومكم بالحق وهو خير الفاتحين.
واسمعوا وأطيعوا لقيادتكم في العسر واليسر والمنشط والمكره، فهي رمز فكرتكم وحلقة الاتصال فيما بينكم.
وترقبوا بعد ذلك نصر الله وتأييده، والفرصة آتية لا ريب فيها، (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الروم: 4-5)». رسالة بين الأمس واليوم

وقفات مع توجيهات الإمام البنا:
أولا: العبادة طريق القيادة:
يؤكد الامام البنا على أن (العبادة طريق القيادة)، بمعني أننا بشكل عام وفي هذه المرحلة بشكل خاص نحتاج إلي مزيد من القرب إلى الله، والاستعانه به سبحانه، والتذلل إليه فهو المستعان وعليه التكلان، نستمد منه سبحانه زاد المسير إليه، نقبل عليه بقلوبنا وجوارحنا. وعندئذ وعلي طريق العبادة نقوى على القيادة، مستمدين القوة من خالقنا سبحانه، القيادة الربانية التي نتمثل فيها القدوة، ونتعبد بها لخالقنا سبحانه وتعالى. (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[سورة الحج: 41].

وقد أكد الإمام البنا علي هذا المعني حين قال في موضع آخر: «أيها الاخوان: كونوا عباداً قبل أن تكونوا قواداً، تصل بكم العبادة إلى أحسن قيادة». وبالعبادة الحقة لا نخشى إلا الله لأنه القوي المتين، الذي لا يقع في ملكه إلا ما يريد. واستمرارًا لمعنى العبادة والربانية الحقة يؤكد الإمام البنا علي الصلة الدائمة بكتاب الله تبارك وتعالي (تلاوة – تدبراً – فهماً – تطبيقاً)، بحيث لا تنقطع صلة الأخ المسلم بهذا الكتاب العظيم؛ نتزود من معانيه، ونغذي أرواحنا بما فيه، وننفذ أوامره ونقف عند نواهيه.

ومن مقتضيات العبادة والربانية في هذه المرحلة:
1- الانكسار والذلة بين يدي الله، واستشعار أمانة المسئولية، وأنها تكليف لا تشريف، وأنها اختبار لا انتصار.
2- ضرورة تفعيل البرامج التربوية (الجماعية – الفردية – الذاتية) والتفاعل معها والتزود منها فهي قاعدة الانطلاق الصحيح، وزاد الحركة والدعوة بين الناس (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا. إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا. إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا. إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا) المزمل 1:7

3- الحرص الدائم على عبادة الدعاء بخشوع وخضوع، مع تخير أوقات الإجابة ولا سيما وقت السحر، حين تنتصب الأقدام وترتفع الأيدي وتلهج الألسنة لربها، تطلب منه التأييد والحفظ والعون للدعوة والدعاة.
4- الثقة واليقين في نصر وتأييد الله لهذه الدعوة، وحفظها من كيد الكائدين.
5- اليقين بوعد الله الذي فيه حفظ لأوليائه والدفاع عنهم (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) الحج : 38

6- الإيمان الكامل بأن الحق ظاهر وأن الباطل زاهق، وأن الحق يحمل قوته فيه وأن الباطل يحمل ضعفه فيه، وأن إرتفاع صوت الباطل وترعرع شجرته لا يعني قوته ودوامه، لأن الحق بقوته سيجتث جذورها «سئل الحق يوما: أين كنت حين علا صوت الباطل وترعرعت شجرته، قال الحق: كنت في باطن الأرض أجتث جذورها». (وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [الإسراء: 81]
7- اليقين بأن حملات التشويه والتضليل الإعلامي والتشكيك في الدعوة والدعاة لن تنال منهم إلا ما كتب ربنا وقدر، وأن التاريخ يؤكد أن حملات الكيد للدعوة والدعاة – مع ثبات أهل الحق وصلتهم بربهم – لن تحقق مآربها وستعود علي أصحابها بالحسرة والندامة والخسران. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال: 36] وفي قصة إسلام الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي أصدق دليل.

ثانيا: الصلاح طريق الإصلاح:
وهو من الدروس المستفادة من توجيه الامام البنا لإخوانه. إننا نحتاج دائماً ونحن علي طريق الدعوة أن نتزود بالأخلاق الكريمة الفاضلة، فهي أولاً طريقنا لرضا الله، لأننا نتعبد إلى الله بهذه الأخلاق. وثانيا هي سبيلنا لصحبة النبي محمد في الجنة ومجالسته يوم القيامة.

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله قال: «إن من أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون …». ومكارم الأخلاق هي طريق القبول بين الناس والتأثير فيهم، ونشر الفضائل ومحاربة الرذائل، بها تجتمع القلوب حول دعوتنا ومنهجنا، وبها ترق قلوب من قسى علينا وأعلن بغضنا وحارب فكرتنا. إنه سلاح الأخلاق الذي يغزو القلوب ويحشد الأنصار ويجمع الأعوان. (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران: 159).
نحن بحاجة دائمة ولا سيما في هذه الأوقات إلي جملة أخلاق منها (الأمانة، الصبر وسعة الصدر، والرحمة ولين الجانب، والإيثار وحمل الخير، والتضحية والعطاء، والعفو والاحسان …) فهذه من أخلاق الكبار الأقوياء، ومن شيم الكرام الأتقياء. ورحم الله الامام البنا حين أكد في توجيهه الكريم «كونوا أقوياء بأخلاقكم». ولكي ننشر ونعمق هذه الأخلاق في مجتمعنا وننال المصداقية بين قومنا، لا بد أن نتحلي بها أولاً، ويرى الناس في تعاملنا معهم أثر تمكن هذه الأخلاق فينا، لأننا لن ننجح مع الناس إلا إذا نجحنا مع أنفسنا وذواتنا. والحقيقة الدامغة تؤكد على: أن من كان قادراً علي نفسه كان علي غيرها أقدر.

ثالثا: أخوتكم أساس قوتكم:
نعم الأخوة وقوة الرابطة القلبية من دعائم قوة هذه الجماعة المباركة، ولنا في رسول الله الأسوة يوم آخى بين المهاجرين والأنصار ليضع دعامة البناء الاجتماعي للجماعة المسلمة الأولي. وتتجلي دعامة الأخوة والوحدة والترابط في قوله تعالي (وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 103]، بعد أن أقر سبحانه دعامة الايمان وقوة العقيدة في قوله (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا).

ولأهمية الأخوة في بناء الدعوة جعلها الإمام البنا ركناً من أركانها فقال -رحمه الله-: «وأريد بالأخوة: أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط  وأغلاها، والأخوة أخت الإيمان، والتفرق أخو الكفر، وأول القوة: قوة الوحدة، ولا وحدة بغير حب، وأقل الحب: سلامة الصدر، وأعلاه: مرتبة الإيثار، (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر: 9
والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه، لأنه إن لم يكن بهم، فلن يكون بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره، (وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)، (والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا). (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة: 71)، وهكذا يجب أن نكون». رسالة التعاليم

ومن مقتضيات الأخوة في هذه المرحلة:
1- التأكيد علي ضرورة الأخوة العملية، التي تترجم الكلام والنظريات الي أفعال وعمليات، كما يقول الامام البنا. وهذا يتحقق أولاً بالمعايشة والمخالطة وتفقد الأحوال، ثم ببذل الجهد في خدمة إخواننا والسعي في قضاء حاجاتهم، ومشاركتهم الأفراح والأتراح، والتهلل والفرح لكل خير يصيبهم، والحزن والألم لكل مكروه يلم بأحدهم. والسؤال عنهم والبشر لرؤياهم ومجالستهم. بهذا تكون الأخوة روح تسري فينا كما سرت في أسلافنا العظام ومنهم (عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع).

2- إن درجات الأخوة تتصاعد، حيث تبدأ بسلامة الصدر وتنتهي بالإيثار، وبالتالي كان الخط الأحمر الذي لا يسمح بتجاوزه بيننا هو سلامة الصدر، فمن وجد في نفسه شيئاً نحو أخيه لا ينام حتي يزيله، ويعالج نفسه وينقيها، ويصارح أخيه بما عنده لينتهي الأمر وتصفو النفس. لأن الله سبحانه يحب المرء علي قدر حبه لأخيه لا بقدر حب أخيه له، وإن كانت الثانية دليل علي الأولي.

3- ألا تشغلنا الأعمال والحركة بين الناس عن روح دعوتنا وسر قوتنا وأساس عزتنا وهي (أخوتنا) فلنحرص علي تقويتها دائماً ولا سيما ببرامج المعايشة والتقارب، وجلسات التآخي والتحاب والنصح والتواد، فبها يرتفع منسوب الأخوة والحب في الله في قلوبنا.

4- الدعاء لإخواننا بظهر الغيب، ولا سيما إذا دعوت لأخيك بقضاء حاجة يحتاجها، أو دعوت له في أي شأن من شئونه يحب فيه الدعاء. عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ». أخرجه مسلم. هل جربت يوما أن تدعو لأخيك وأنت في سجودك أو قيامك أو تهجدك؟ جرب وسترى فضل الله عليك وعلي أخيك.

5- بقدر حرصنا علي حقوق الأخوة وجب علينا الحرص علي قيمها وضوابطها، ومنها الامتناع عن الغيبة والنميمة والتناجي وسوء الظن، ومنها أيضا الالتزام بآداب النصيحة لإخواننا، ولنتذكر وصية فضيلة الأستاذ مصطفي مشهور (رحمه الله) وهو يقول لإخوانه: «قدم النصيحة على أكمل وجه وتقبَّلها على أي وجه». ومن قيم وضوابط الأخوة أيضا التي نحتاج إليها الالتزام بأدب الخلاف الراقي كما يقول الأستاذ البنا رحمه الله: «ولا بأس من تمحيص الحقيقة بالدليل والبرهان في ظل الحب في الله من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب»، فقد أثبتت تجارب من ساروا علي طريق الدعوة، أنه عندما ينقص الحب في الله أو تتوارى حقوق الأخوة عن الصورة نرى ظهور المراء المذموم، بل والتعصب للرأي وفساد ذات البين، وأحياناً القيل والقال فيما لا يرضي الله. ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ﴾ (الإسراء: من الآية 53).

6- إن الأخوة الإسلامية من معالم ديننا، فلنحرص عليها، ولا نسمح لأحد أن يعكر صفوها ويشق صفها، ولنتعاون مع غيرنا فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه. وبعد ذلك نحن مطالبون بتحقيق الأخوة الانسانية وفي مقدمتهم أبناء الوطن من غير المسلمين فلهم حقوق في أعناقنا نحن الإخوان. إنها دعوة الإسلام العظيم هي الدعوة التي تنشر خيرها في كل أرض ويستظل بظلها كل بنى البشر، بل وغير بنى البشر من نبات وحيوان وجماد، (ألم تدخل إمرأة النار في هرة؟)، (ألم يدخل رجل الجنة في كلب سقاه؟)، بل وأبعد من ذلك يأمرنا الرحمة المهداة برعاية حقوق الجماد (أن نعطي الطريق حقه).

رابعا: الثقة في قيادتكم من ركائز دعوتكم:
تعد الثقة من ركائز الدعوة وأحد مصادر قوة البناء النفسي والتنظيمي للصف المسلم، وهي من ثمار الأخوة الصادقة والحب في الله. وبقدر الثقة المتبادلة بين الأفراد تكون قوة الصف، وبقدر ثقة الصف في قيادته تكون قوة الجماعة. وما أحوجنا بعامة وفي هذه الأيام بخاصة إلى أن نعرض أنفسنا علي هذا الركن وما فيه من إشارات ومعان.

ففي الآونة الأخيرة تعالت الأصوات وتنوعت السهام التي أرادت النيل من وحدة هذه الجماعة المباركة، ولا سيما بعد أن مَنَ الله علي مصرنا الحبيبة بالحرية، وفتح الله لدعوتنا أبواب الخير في التواصل الطبيعي مع أهلنا ومجتمعنا دون ملاحقة أو تضييق. ولقد ازدادت الحملة ضراوة بعد أن من الله علينا واختارنا الشعب بإرادته الحرة لنمثله في المجالس النيابية وغيرها، وأخيراً بعد أن أقرت الجماعة الدفع بمرشح لها علي منصب الرئاسة.

فبدأت الحملات المسعورة والسهام المسمومة من هنا وهناك تنهال علي الجماعة (قيادة – منهح – صف) يلصقون بها التهم والافتراءات والأكاذيب والشبهات، وراحوا يتهموننا في نوايانا ويقفزون إلي النتائج دون مقدمات، ويحاولون هز ثقة الصف بقيادته فيثيرون الشكوك ويُؤولون التصريحات، ويلفقون الأخبار والعبارات التي تتصدر الصحف والفضائيات حول الجماعة، ويتكلمون عن الانشقاقات والصراعات، كل هذا بهدف النيل من وحدة وترابط هذه الجماعة، والوقوف أمام مشروعها في النهضة والاصلاح.

ولأهمية الثقة وضرورة توافرها ودوامها جعلها الإمام الشهيد ركنًا من أركان البيعة العشرة ليحافظ كل أخ عليها وفاء لبيعته وعهده مع الله، ولا يعرضها للاهتزاز أو الفقدان فإن ذلك لا يقل خطورة عن النكث في ركن الجهاد أو الطاعة أو التجرد أو غيرها. فيذكر الإمام الشهيد -عليه رحمة الله-: «وأريد بالثقة: اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه اطمئنانا عميقا ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة، (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65]»

من متطلبات الثقة
1- ضرورة المحافظة علي الثقة من أي شيء ينال منها، وعلي الأخ المسئول أن يديم الصلة بإخوانه ليبين لهم الأمور أو المواقف ويوضح لهم ما أشكل عليهم منها، وخاصة ما يثيره المشككون ليكون الصف في حصانة.
2- علي الأفراد ألا يتأثروا بما يثيره المشككون وألا يستدرجوا في مهاترات معهم، وإذا حاك في صدر أحد الإخوان شيء فعليه أن يسارع بالتبين، وألا ينقل ما سمعه وسط الصفوف فيحقق بذلك غرض المشككين، وما أجمل الالتزام بما أرشدنا ربنا إليه في هذا المجال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6].

3- ثم إننا إذا فندنا اتهاماً مما يثيره المشككون وأوضحنا بطلانه، لا نتصور أن الأمر سينتهي عند ذلك الحد، ولكن ما أسهل عليهم أن يختلقوا اتهامات أخري باطلة لا أصل لها، ليشغلونا بها عن أصل ما نصبو إليه، ونحقق بذلك هدفهم، ولكن خير رد عليهم ألا نرد، ونستمر في العمل وبذل الجهد.
4- قد يصاب أحد الأفراد من داخل الصف بمرض من أمراض القلوب كحب الزعامة والشهرة فينزلق بعيدا عنا، فيثير الشكوك والشبهات حول القيادة أو بعضها، أو يسيء تفسير بعض المواقف دون تبين أو دليل، كوسيلة لكسب موقف أو مبرراً للخروج أو لكسب أنصار يلتفون حوله، أو يخالف ما أقرته الجماعة في أمر من الأمور فيبدأ في إثارة الشكوك دون دليل أو برهان فلنحذر ذلك. ولو كان صادقًا في توجهه يريد الخير والرشاد لدعوته، لتحرك في الطريق السليم والقنوات الصحيحة لعلاج ما يراه من خطأ.

خامسا: النصر مع الصبر:
إنها البشرى للصابرين العاملين المحتسبين، أن النصر الذى يترقبوه ينتظرهم، وهذا وعد الله لهم، لأن الله مع الصابرين، فلا نجزع ولانتعجل. ورحم الله الإمام البنا حين قال: «ومن صبر معي حتى تنمو البذرة، وتنبت الشجرة، وتصلح الثمرة، ويحين وقت القطاف، فأجره في ذلك على الله، ولن يفوتنا وإياه أجرالمحسنين، إما النصر والسيادة وإما الشهادة والسعادة». (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الروم: 4-5).

اللهم ارزقنا الصدق في القول، والإخلاص في العمل، وكلمة الحق في الرضا والغضب، ولاتحرمنا من الجهاد في سبيك، والعمل لدعوتك، اللهم ثبتنا حتى نلقاك وأنت راض عنا، إخواناً متحابين، لا ضالين ولا مضلين، غير خزايا ولا ندامين، آمين آمين، يارب العالمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

اترك تعليقا