ضوابط تربوية في أعمال الدعوة العامة  –  د. محمد حامد عليوة

ضوابط تربوية في أعمال الدعوة العامة  –  د. محمد حامد عليوة

إن من مقاصد الدعوة إلى الله؛ إشاعة الخير بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحث الناس على الفضائل والطيبات وتحذيرهم من الرذائل والمنكرات. ونحن على طريق الدعوة نمارس نوعين من أعمال الدعوة أحدهما يتعلق بالبناء والتكوين والآخر يتعلق بالدعاية والتعريف، والجهود المبذولة في الخطين (التعريف – التكوين) ليست منفصلة بل يكمل كل منها الآخر.

والتبشير بالدعوة وحركة الدعاة بها في المجتمع من الجوانب المهمة في سير الدعوة، بل وتحريك المجتمع (أفرادًا ومؤسسات) معنا في نشر الخير أمسى من المبادئ والتوجهات الأساسية في العمل الدعوي العام، وشاع بيننا شعار (العمل مع المجتمع) ليحل محل (العمل في المجتمع)، ليؤكد هذا التوجه على أن المجتمع كيان مشارك وفاعل في نشر الخير والتحرك به. وهو ما تؤكده أحد سياسات الدعوة في الأونة الأخيرة وهي: (أننا كأصحاب دعوة نقود الأمة فى الاصلاح والتغيير ولاننوب عنها).

إرشاد المجتمع 
تعرض الامام البنا لهذا المفهوم وهو يستعرض مراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق، فبعد أن ذكر مرتبة إصلاح الفرد، ثم مرتبة تكوين البيت، أتبعمها بمرتبة إرشاد المجتمع، فقال – رحمه الله -: «وإرشاد المجتمع بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف، والمبادرة الى فعل الخير، وكسب الرأي العام الى جانب الفكرة الاسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائما). رسالة التعاليم

ومما لاشك فيه أن الدعوة في مرحلة الانفتاح على المجتمع تنطلق من كونها دعوة تربوية عملية، يتحرك أفرادها بالخير في المجتمع بالأخلاق التي تربوا عليها والقيم التي غرستها فيهم دعوتهم وفق منهج الاسلام، فلا ينفصل زاد الأخ عن حركته، ولا تنفصل تربيته عن دعوته، وبالتالي بقدر قوة الدعوة في تربية وتكوين أفرادها، يكون فعلها وأثرها في المجتمع الذي تتحرك فيه.
ومن القضايا المهمة وقت الانفتاح على المجتمع قضية (الدعاية والاعلان عن أعمال الدعوة العامة، والتوظيف التربوي لبرامج الدعوة العامة)، ونقصد بذلك الأعمال ذات الطابع العام التي تقوم بها الدعوة في مجال الإرشاد والإصلاح وخدمة المجتمع والنهوض به مثل: (خدمة المجتمع – رعاية الأيتام – إغاثة الملهوف – علاج المرضى – مساعدة المساكين – معاونة المتضررين من الكوارث – قوافل التوعية الدعوية – ونصرة المسلمين المستضعفين في الأرض ومساعدتهم – التوعية السياسية والمطالبة بالحقوق _ وتعليم الكبار ومحو الأمية – وأنشطة المناسبات الاسلامية المختلفة كأنشطة شهر رمضان بأنواعها والأضاحي وزكاة الفطر ودخول المدارس … الخ- أنشطة المساجد من دروس ومحاضرات وتحفيظ .. الخ – الأنشطة الانتخابية سواء النقابية أو الطلابية أو البرلمانية …. وغيرها).

ونحن في هذا المقام لسنا بصدد الحديث عن فوائد العمل العام مع المجتمع ودوافعه فهي كثيرة، ولكن كما أن للعمل مع المجتمع منافع وفوائد كثيرة، فإن له في ذات الوقت محددات وضوابط يجب مراعاتها والوقوف عندها.

من الضوابط التربوية للعمل الدعوي العام:
تتنوع الضوابط التربوية التى يجب أن نأخذ بها ونراعيها ونحن نمارس برامجنا العامة بمختلف مجالاتها ومسارتها السابق ذكرها، من بين هذه الضوابط: كيف نعلن عن برامجنا وأنشطتنا ونسوق لمشاريعنا وفعالياتنا الدعوية، وكيف نظهرها للناس؟ وكلها ضوابط تتعلق بدوافع هذه الأعمال، ومقاصد الإعلان عنها للناس، وعلاقة أنشطتنا بأعمال غيرنا ممن يعملون في ساحات العمل العام. إضافة إلى بعض الضوابط التى يجب مراعاتها أثناء تنفيذ برامجنا العامة.

وهذه بعض الضوابط التربوية المرجو مراعاتها في أعمال الدعوة العامة:

1. ضرورة استحضار النية وإخلاصها لله تبارك وتعالى، وحسن القصد في الأعمال، بأن نتوجه بها الى الله وحده، قاصدين وجهه سبحانه، راغبين في عفوه ورضاه، ولا نبتغي من ورائها إلا طلب الأجر والمثوبة من الله عز وجل.

2. أن حقيقة الحركة العامة بالدعوة بين الناس أنها عبادة لله سبحانه وتعالى، فنحن نتعبد إلى الله بكل حركة أو سكنة، أيا كان مجال هذه الحركة (اقتصادية – اجتماعية – سياسية – دعوية – تعليمية – صحية … الخ). من هذا المنطق لا بد أن نستشعر معنى التعبد والعبودية ونحن في أعمالنا الدعوية العامة.

3. الحذر كل الحذر أن تشوب هذه الأعمال – التي نظهرها للناس – شوائب الرياء أو السمعة، فيصيبها العطب، فتفسد فيضيع الجهد ونحرم الأجر، وتصيبنا العثرات ونتعرض للإخفاقات لغياب الإخلاص، ورحم الله الإمام ابن الجوزي حين قال: «إنما يتعثر من لم يُخلص».

4. أن من يتصدر العمل العام من أفرادنا لا بد أن يكون ممن يتمتعون بالسمعة الطيبة وحسن السيرة والمسيرة، ممن يتميزون بتقواهم، ويتحلون بأخلاقهم، يؤثرون في المجتمع ولا يتأثرون بأمراضه وسلوكياته، وممن يحسنون تمثيل دعوتهم أمام الناس.

5. الحرص ونحن نمارس هذه الأعمال على الأدب الكامل والخلق الفاضل. والامام البنا في هذا الباب يذكر: «واحرصوا على أن تكونوا صادقين لا تتجاوزن الحقيقة، وأن تكون دعايتكم في حدود الأدب الكامل والخلق الفاضل، والحرص التام على جمع القلوب وتأليف الأرواح. واستشعروا كلما ظهرت دعوتكم أن الفضل في ذلك كله لله (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات: 17]». رسالة المؤتمر الخامس.

6. ألا تؤدي هذه الأعمال الدعوية والاجتماعية والدعاية لها الى خصومة حادة أو صداقة ضارة، فينتج عن كليهما تعويق السير أو تعطيل وتأخير الوصول للغاية.

7. الانتباه الشديد لأفرادنا الذين يقومون بهذه الأدوار ويتصدرون المشهد في هذه الأعمال، ورعايتهم تربوياً وإيمانياً، فهم على جهدهم وبذلهم المشكور أحوج إلى التفقد التربوي المستمر، لما في هذه الأعمال من تصدر للمجالس، واعتلاء للمنابر، والبروز أمام أضواء الكاميرات، والظهور في الصفحات والشاشات، وهي أمور إن لم ترفق برعاية وتعهد تربوي قد تأخذ بصاحبها إلى مسارات وانحرافات عواقبها وخيمة لا قدر الله.

ودافع الرعاية هنا بقصد وقايتهم من فتن هذه الأعمال، والخوف عليهم من تغير النفس إذا غابت رعايتها، فتتعلق القلوب بأعراض الدنيا الزائلة، ويدفع الهوى إلى الجنوح عن الطريق والانحراف عن الجادة، والبعد عن المقصود والغاية، وهنا تكون الهلكة والعياذ بالله. (حفظنا الله وإخواننا منها). فعَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ» [أخرجه البيهقي وحسنه الألباني]

8. التجرد التام في أعمالنا العامة والدعاية لمناشطنا الدعوية، فلا تكون برامجنا ودعايتنا ردًا على دعاية اتجاه آخر، أو فيها تقليل من شأن غيرنا (هيئات أو أشخاص)، أو تظهر فيها رغبتنا فقط في البروز بأننا الأحسن والأقوي والأفضل وغيرنا غير ذلك، ولكن يكون قصدنا منها دائماً نشر الدعوة، وإشاعة الخير في الأمة، والخدمة والإصلاح، وبعد هذا كله نقصد من ورائها تحقيق العبودية الحقة لله تبارك وتعالى.

9. أن نلتزم الحكمة في دعوتنا ودعايتنا، والحسنى في طريقتنا وتعاملنا، لأننا مأمورين من الله بذلك، حيث يقول سبحانه: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.) [النحل: 125]، وقوله عز من قائل: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة: 83].

ومن الحكمة أن نحسن عرض دعوتنا على الناس، وأن نتقن فنون التواصل بهم، ومن الحكمة أيضًا أن نكون قدوة فيما ندعو الناس إليه، فلا ندعوهم إلى شيئ ولا يرونه فينا واقعا حيًا. ومن الحكمة أن نتقدم الناس فيما ندعوهم إليه (إذا كنت إمامي فكن أمامى).
ومن الحسنى أن نشعر أننا حملة خير ورسل هداية لأمتنا وللناس أجمعين، فلا تعالي ولا غلظة ولا شعور بالفوقية، مع الحرص على الناس (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: 128]، والرفق بهم واللين وسعة الصدر معهم، ورحم الله من قال: (من آثر الصدر، فلابد أن يكون واسع الصدر). أي من قَبِلَ أن يتصدر دعوة الناس والعمل العام بالمجتمع، فلا بد من أن يكون أوسعهم صدرًا وأكثرهم تحملًا.

10. أن نقف مع أنفسنا دائمًا عقب هذه البرامج والأعمال العامة لنحاسبها، فنقول: ما العائد على دعوتنا من هذا العمل؟ وما الذي عاد علينا نحن كأفراد من هذا العمل؟ هل إقتربنا من ربنا بعد هذا العمل؟ هل قدمنا شيئاً مفيدًا لمجتمعنا وأمتنا؟، ما أثر هذه الأعمال في تكويننا وتربيتنا؟ هل أضافت لنا شيئاً من مهارة أو خبرة نستفيدها في أعمالنا الدعوية القادمة؟ وغيرها كثير من الأسئلة التى تبرز أهمية البحث عن (المردود الدعوي والتربوي لأعمالنا العامة).

اللهم ارزقنا الاخلاص في القول والعمل، والسر والعلن، وكلمة الحق في الرضا والغضب، واجعلنا من عبادك الصالحين، ومن جند دعوتك العاملين المخلصين. 
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقا