دعوة اكتملت مقوماتها –  د. محمد حامد عليوة

دعوة اكتملت مقوماتها د. محمد حامد عليوة

لقد أثبتت سنن الدعوات ووقائع التاريخ وتجارب حركات النهوض والإصلاح أن دعوة الإخوان المسلمين دعوة أصيلة، وهي دعوة بعث وإصلاح شامل، تمتلك مقومات الفعل ومؤهلات التأثير، وعوامل التمكين والنصر المنشود إن شاء الله تعالى. لأنها تدعو بدعوة الله وهي أسمى الدعوات، وتنادى بفكرة الاسلام وهي أقوى الفكر، وتُقدم للناس شريعة الإسلام وهي أعدل الشرائع، وهي بذلك تمتلك مقومات بقائها ونجاحها إن شاء الله، فقد تميزت بفضل الله بعدة مميزات جعلتها على هذا القدر من الصمود والاستمرار والقدرة على تجاوز المحن والعقبات، والثبات أمام الفتن والمؤامرات.

وقد كتب عنها أحد رجالها وهو العلامة الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – فقال: «إن الرسالة التي حمل لواءها حسن البنا يجب أن تبقى، وهي رسالةٌ يستحيل أن يكرهها مسلم مُخلص لله ورسله، ولا تزال جماعة الإخوان المسلمين بعد عشرات السنين من اغتيال حسن البنا أعدلَ الجماعات الإسلامية، ولا يزال التاريخ الإسلامي المعاصر بحاجةٍ إليها، وأحسب أن الذين يهاجمونها إما أبواق لأعداء الإسلام، وإما جهلة لا يدرون شيئًا». الحق المر

وكتب أحد رجالها أيضا وهو الفقيه الدكتور يوسف القرضاوي تحت عنوان: (دعوة اكتملت مقوماتها)، فقال: «للدعوة الموفقة أو الدعوة الناجحة أو الدعوة المكتملة مقومات أو أركان، لا بد أن تتوافر لها حتى تقوم بمهمتها، وتؤدي دورها وتحقق أهدافها التي تنشدها في الإيقاظ والتنوير، أو في التربية والتطهير، أو في التجديد والتغيير، أو في البناء والتعمير، أو في الجهاد والتحرير أو في التوحيد والوحدة».

هذه المقومات أو الأركان الأساسية قد قدر الله لها أن تجتمع وتتكافل في دعوة الإخوان المسلمين، وإن شئت قل: (في حركة الإخوان المسلمين)، فهي دعوة وهي حركة أو هي دعوة متحركة وحركة داعية، وهذه المقومات السبعة في دعوة الإخوان المسلمين هي:
– أن تكون الحاجة داعية إليها، لتسد فراغًا قائمًا.
– أن تكون متميزة، واضحة الشخصية والسمات.
– أن ترزق بقيادة واعية حكيمة تعرف غايتها وطريقها.
– أن يهيأ لها جنود مؤمنون برسالتهم، صادقون واعون مترابطون.
– أن تكون أهدافها واضحة، لا يشوبها ضباب ولا اضطراب.
– أن تكون وسائلها لتحقيق غايتها واضحة كذلك، معروفة المراحل والخطوات.
– أن تكون مواقفها من القضايا الكبيرة واضحة بينة غير غامضة ولا غائمة.

وقد ذكر الأستاذ جمعة أمين – رحمه الله – في مقدمة الجزء الأول من كتاب (أوراق من تاريخ الإخوان)، معقبًا على هذه المقومات السبعة فقال: «ولا دليل علي صدق ما قاله فضيلة الدكتور القرضاوي أوضح من استمرارية دعوته وجماعته وتلاميذه حتى يومنا هذا، ما زالوا هم طليعة العمل الإسلامي الصحيح، وهم الذين يحملون – بفضل الله وحده، ثم بثبات الرجال المخلصين – لواء البعث الإسلامي ويتقدمون صفوفه علي كل المستويات في جميع قارات العالم الخمس، لقد خفقت بجهاده وجهوده رياح التغريب، ودعاوي القوميين، وانزوت أفكار عبٌَاد الغرب والحضارات الزائفة، ولقد استطاع أن ينقل الأمة في زمن قصير نقلة واسعة دون صراع أو خلاف وشهد بذلك علماء عصره، وفقهاء زمانه، والعقلاء في كل مكان ممن عرفوه وعايشوه».

نعم أيها الأحبة الكرام، إنها دعوة اكتملت مقومات نجاحها، واستوفت أسباب بقائها واستمرارها، ووضحت معالم منهجها، وتجلت جوانب فكرتها، وبانت لأولى الألباب خصائصها، إنها دعوة الحق والقوة والحرية، إنها دعوة الإخوان المسلمين.

وحين يسأل سائل: (من أنتم وماذا تُريدون؟)، يجيب عليه الإمام البنا فيقول: «أحب أن تتبينوا جيدًا من أنتم من أهل هذا العصر، وما دعواتكم من بين الدعوات وأية جماعة جماعتكم، ولأي معني جمع الله بينكم ووحد قلوبكم ووجهتكم، وأظهر فكرتكم في هذا الوقت العصيب الذي تتلهف فيه الدنيا إلي دعوة الإسلام والإنقاذ».

ثم يقول: «فاذكروا جيدًا أيها الأخوة: أنكم الغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس، وأنكم العقل الجديد الذي يريد الله أن يفرق به للإنسانية بين الحق والباطل، وأنكم دعاة الإسلام وحملة القرآن وصلة الأرض بالسماء».

ثم يوضح الإمام البنا أبرز معالم منهجها وما تقوم عليه فيقول: «أركان ثلاثة تدور عليها فكرة الإخوان المسلمين:
أولًا: المنهاج الصحيح: وقد وجده الإخوان في كتاب الله، وسنة رسوله، وأحكام الإسلام حين يفهمها المسلمون على وجهها غضة نقية بعيدة عن الدخائل والمفتريات، فعكفوا علي دراسة الإسلام على هذا الأساس دراسة سهلة واضحة مستوعبة.
ثانيا: العاملون المؤمنون: ولهذا أخذ الإخوان أنفسهم بتطبيق ما فهموه من دين الله تطبيقا لا هوادة فيه ولا لين، وهم بحمد الله مؤمنون بفكرتهم، مطمئنون إلى غايتهم، واثقون بتأييد الله إياهم ما داموا له يعملون، وعلى هدي رسوله يسيرون.
ثالثا: القيادة الحازمة الموثوق بها: وقد وجدها الإخوان المسلمون كذلك، فهم لها مطيعون، وتحت لوائها يعملون”. رسالة دعوتنا

ويستمر الإمام البنا في بيان أصولها وماهيتها وملامحها العامة فيقول – رحمه الله -: «كذلك كانت وستظل دعوة «إسلامية محمدية قرآنية» لا تعرف لونًا غير الإسلام ولا تصطبغ بصبغة غير صبغة الله العزيز الحكيم، ولا تنتسب إلى قيادة غير قيادة رسول الله، ولا تعلم منهاجًا غير كتاب الله تعالى الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه». مذكرات الدعوة والداعية

أما ما نريد ونعمل علي تحقيقه بكل الوسائل المشروعة فقد تحدث الإمام البنا عنه فقال: «نحن ندعو الناس إلي مبدأ واضح محدود ومسلم به منهم جميعًا، هم جميعًا يعرفونه، ويؤمنون به ويدينون بأحقيته ويعلمون أن فيه خلاصهم، وإسعادهم وراحتهم».

ما تميزت به دعوة الإخوان المسلمين:
تميزت دعوة الإخوان المسلمين ببعض المميزات عن غيرها من الدعوات، ونكتفي هنا بذكر جملة من الخصائص والسمات التي ذكرها الإمام المؤسس حسن البنا في مذكراته ورسائله وكتاباته، منها:

أولًا: أنها دعوة الاسلام الشامل والفهم الصحيح الكامل، فيقول – رحمه الله -: «كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين أن شملت فكرتهم كل نواحي الإصلاح في الأمة، وتمثلت فيها كل عناصر غيرها من الفكر الإصلاحية، وأصبح كل مصلح غيور يجد فيها أمنيته، والتقت عندها آمال محبى الإصلاح الذين عرفوها وفهموا مراميها، وتستطيع أن تقول ولا حرج عليك أن الإخوان المسلمين دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية». رسالة المؤتمر الخامس

ثانيا: أنها دعوة ربانية الغاية إسلامية المنطلق، فيقول – رحمه الله -: «أما إنها ربانية فلأن الأساس الذى تدور عليه أهدافنا جميعًا أن يتعرف الناس إلى ربهم، وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة روحانية كريمة تسمو بأنفسهم عن جمود المادة الصماء وجحودها إلى طهر الإنسانية الفاضلة وجمالها، ونحن الإخوان المسلمون نهتف من كل قلوبنا (الله غايتنا)، فأول أهداف هذه الدعوة أن يتذكر الناس من جديد هذه الصلة التي تربطهم بالله تبارك وتعالى». رسالة دعوتنا فى طور جديد

ثالثًا: أنها عزيزة بعز الاسلام وسمو المنهج، فيقول – رحمه الله -: «فدعوتكم أحق أن يأتيها الناس، ولا تأتى هي أحدًا، وتستغني عن غيرها، وهى جماع كل الخير، وما عداها لا يسلم عن النقص. إذًا فاقبلوا على شأنكم ولا تساوموا على منهاجكم، واعرضوه على الناس في عزة وقوة، فمن مد لكم يده على أساسه، فأهلًا ومرحبًا فى وضح الصبح وفلق الفجر وضوء النهار؛ أخ لكم يعمل معكم ويؤمن إيمانكم، وينفذ تعاليمكم، ومن أبى فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه». مذكرات الدعوة والداعية

رابعًا: أنها دعوة نزيهة خلفت ورائها الأهواء والأغراض، فيقول – رحمه الله -: «إنها دعوة بريئة نزيهة، قد تسامت فى نزاهتها حتى جاوزت المطامع الشخصية، واحتقرت المنافع المادية، وخلفت وراءها الأهواء والأغراض». مذكرات الدعوة والداعية

خامسًا: أنها دعوة عالمية لا تحدها حدود ولا تفصل بينها الأعراق واختلاف الألسنة والتخوم، فيقول – رحمه الله -: «ولكننا أيها الناس: فكرة وعقيدة، ونظام ومنهاج، لا يحدده موضع ولا يقيده جنس، ولا يقف دونه حاجز جغرافي، ولا ينتهي بأمرٍ حتى يرث الله الأرض ومَن عليها؛ ذلك لأنه نظام رب العالمين ومنهاج رسوله الأمين». رسالة الإخوان تحت راية القرآن.

سادسًا: دعوة تحب الإجماع والوحدة وتنبذ الخلاف والفرقة، فيقول – رحمه الله -: «فدعوة الإخوان دعوة بيضاء نقية غير ملونة بلون، وهي مع الحق أينما كان، تحب الإجماع وتكره الشذوذ، وإن أعظم ما مُني به المسلمون الفرقة والخلاف، وأساس ما انتصروا به الحب والوحدة». مذكرات الدعوة والداعية

سابعًا: أنها دعوة التربية والبناء والتكوين وفق منهجية التدرج والاستمرار، فيقول – رحمه الله -: «أيها الإخوان: إنكم دعاة تربية، وعماد انتصاركم إفهام هذا الشعب وإقناعه وإيقاظ شعوره من كل نواحيه على قواعد الإسلام وتعاليم الإسلام ومبادئ الإسلام. وهذه غاية لا تدرك فى أيام ولا تنال بأعوام قليلة، ولكنه الجهاد الدائب والعمل المتواصل، ومقارعة جيوش الجهالة والأمية والمرض والفقر والأحقاد والأضغان وخفة الأحلام وتقطيع الأرحام، وتنظيف رواسب قرون عدة سرى الفساد فيها إلى كل مكان. أفترون أو يرى الناس أن هذا أمر يسير؟». مذكرات الدعوة والداعية

ويقول فى موضع آخر مبينًا هذه الميزة: «كونوا أنفسكم تتكون بكم أمتكم»، وقال: «إن معركتنا معركة تربوية»، وقال أيضًا: «أيها الإخوان: إنكم فى دور تكوين فلا يلهيكم السراب الخادع عن حسن الاستعداد وكمال التأهب، اصرفوا تسعين جزءًا من المائه من وقتكم لهذا التكوين وانصرفوا فيه لأنفسكم».

وقال – رحمه الله – موضحًا أهمية التدرج وطول النفس فى الدعوة والتربية: «إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب، فمَن أراد أن يستعجل ثمرةً قبل نضجها أو يقطف زهرةً قبل أوانها فلستُ معه في ذلك بحال، وخيرٌ له أن ينصرفَ عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات، ومن صبر حتى تنمو البذرة وتنبت الشجرة، وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره في ذلك على الله، ولن يفوتنا وإياه إحدى الحسنيين، إما النصر والسيادة، وإما الشهادة والسعادة».

ويقول الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله -: «لقد أثبتت الأحداث والأيام أنه بقدر الاهتمام بالتربية تتحقق الأصالة للحركة، واستمراريتها ونموها، ويكون التلاحم بين الأفراد ووحدة الصف، وعكس ذلك إذا أهمل جانب التربية أو حدث فيه تقصير، يظهر الضعف والخلخلة في الصف، ويبرز الخلاف والفرقة ويتضاءل التعاون ويقل الإنتاج».

دعوة الحق

ونستطيع أن نوجز ما تميزت به دعوة الإخوان المسلمين، بما ذكره الأستاذ جمعه أمين – رحمه الله – حيث قال: «تميزت دعوته عن غيرها بخصائص أهمها:
أولا: النظرة الشمولية للإسلام.
ثانيًا: الاتجاه إلي التجميع والتوفيق لا التنفير والتفريق.
ثالثًا: العناية بالتكوين، والبناء التربوي المتكامل.

فهي دعوة تميزت بإسلاميتها الواضحة، إسلامية المصدر، وإسلامية المنطلق، وإسلامية الغاية، وإسلامية الوسيلة، ولكي يتحقق هذا التصور، كان سبيله علمًا يحدد به التصور السليم فهمًا وحركة، وتربية متأنية لإيجاد النموذج القدوة عمليًا وتطبيقيًا؛ فيتكون من هذه اللبنات جماعة تقوم علي صحة الاعتقاد وصدق الإتباع وتحقق عقد الإيمان وعقد الأخوة». (أوراق من تاريخ الإخوان، ج1).

وفي الختام: نؤكد على أن دعوة الإخوان المسلمين شجرة طيبة، ستتجاوز بفضل الله ثم بقوتها وأصالة طريقها وجهاد أبنائها كل ما يُوضع في طريقها من عقبات، وستكمل مسيرتها رغم المكائد والمؤامرات، وسيستمر عطاؤها رغم القيود والمعوقات لأنها دعوة الله، ولعل أبلغ تعبير عن ذلك ما قاله الأستاذ محمد عبد الحميد أحمد في مؤتمر طلاب الإخوان المسلمين (1938):
«أيها الإخوان: هذه دعوتنا، بل دعوة الله، أعلنها عليكم واضحةً صريحةً، وهذه قافلة الله تسير إلى الله بنور الله، وهي لن تضرها القلة؛ والله يقول: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ﴾ (البقرة: من الآية 249)، ولن تزعزعها الدنيا الباطلة؛ لأنها تُدفع بقوةِ الله قبل قوتها، وإنَّ الله ليسخر الدنيا ويخضع الطبيعة للإيمان، فلا يملك الباطل أمام الحق إلا الهزيمة، فإن كنت مؤمنًا به فابذل نفسك له، وإن كنت مسلمًا تعني ما في الإسلام من معانٍ ومهام، استمسك بهذا اللواء الذي عقده الله لنبيه».
والحمد لله رب العالمين

اترك تعليقا