الربانية في منهج الإمام حسن البنا

الربانية في منهج الإمام حسن البنابقلم: السيد محمود سليمان

أسس الإمام البنا منهجه نابعًا من من الاسلام فهو لم يأتى بإسلام جديد، والناظر لمنهج الإمام البنا يجده مليئ بمعانى الربانية التى حرص على غرسها فى نفوس الإخوان المسلمين، ويحتاج رواد مدرسة الإمام البنا مراجعة معنى الربانية وجعله محورًا هامًا فى حياتهم، بعد طغيان الجانب الفكرى على الجانب الإيمانى خاصة بعد أحداث ثورة 25 يناير وما نتج عنها من حدوث نشاط واضح فى الحياة السياسية وتباين وتعدد للأراء، ولو تتبعنا بعض من ربانية منهج الامام الشهيد حسن البنا نجد: –

أولاً: ربانية الغاية عند الامام الشهيد حسن البنا
تظهر الربانية فى غاية الإمام الشهيد حسن البنا جلية فى رسالة المؤتمر الخامس حيث قال: «إن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل علي صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها، (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)، وأن وسيلتهم في ذلك تنحصر في تغيير العرف العام، وتربية أنصار الدعوة علي هذه التعاليم، حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسك بها والحرص عليها والنزول علي حكمها، وأنهم ساروا إلى غايتهم في حدود وسيلتهم، فوصلوا إلى درجة من النجاح يطمئنون إليها ويحمدون الله عليها».

وفي رسالة دعوتنا فى طور جديد، أكد الإمام الشهيد حسن البنا على أن الربانية من أخص خصائص منهج ودعوة الإخوان المسلمين فقال: «أما أنها ربانية فلأن الأساس الذي تدور عليه أهدافنا جميعا أن يتعرف الناس إلى ربهم، وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة روحانية كريمة تسموا بأنفسهم عن جمود المادة الصماء وجحودها إلى طهر الإنسانية الفاضلة وجمالها» فالربانية هي محور أهدافنا.

ويقول الإمام أيضا فى رسالة دعوتنا فى طور جديد «فأول أهداف هذه الدعوة أن يتذكر الناس من جديد هذه الصلة التي تربطهم بالله تبارك وتعالى والتي نسوها فأنساهم الله أنفسهم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 21) وهذا في الحقيقة هو المفتاح الأول لمغاليق المشكلات الإنسانية التي أوصدها الجمود والمادية في وجوه البشر جميعًا فلم يستطيعوا إلى حلها سبيلًا، وبغير هذا المفتاح فلا إصلاح».

الربانية في منهج الأمام حسن البنا

ثانياً: ربانية المهمة فى منهج الإخوان المسلمين: – (رهبان بالليل فرسان بالنهار)
بعد أن وضح الإمام الشهيد حسن البنا غاية وخصائص دعوة الإخوان حدد الإمام مهمة الاخوان المسلمون فى رسالة دعوتنا فقال عنها: «عبادة ربكم والجهاد في سبيل التمكين لدينكم وإعزاز شريعتكم هي مهمتكم في الحياة، فإن أديتموها حق الأداء فانتم الفائزون، وإن أديتم بعضها أو أهملتموها جميعا فإليكم أسوق قول الله تبارك وتعالى (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ، فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) (المؤمنون: 115-116)».

لهذا المعنى جاء أوصاف أصحاب محمد ﷺ وهم صفوة الله من خلقه والسلف الصالح من عباده (رهبان بالليل فرسان بالنهار)، ترى أحدهم في ليله ماثلًا في محرابه قابضًا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، ويقول: «يا دنيا غري غيري)، فإذا انفلق الصباح ودوى النفير يدعو المجاهدين، رايته رئبالًا على صهوة جواده، يزأر الزأرة فتدوي لها جنبات الميدان. بالله عليك ما هذا التناسق العجيب والتزاوج بين الغريب، والمزيج الفريد بين عمل الدنيا ومهامها وشؤون الآخرة وروحانيتها؟ ولكنه الإسلام الذي جمع من كل شيء أحسنه».

ثالثاً: ربانية العدة فى منهج الإمام الشهيد حسن البنا: – (الإيمان والجهاد عـدتنــا)
وعندما تحدث الامام الشهيد حسن البنا عن زادنا وعدتنا لتحقيق الغاية وإنجاز المهام فى رسالة الاخوان المسلمون تحت راية القرآن قال: – «عدتنا هي عدة سلفنا من قبل، والسلاح الذي غزا به زعيمنا وقدوتنا محمد رسول الله ﷺ وصحابته معه العالم، مع قلة العدد وقلة المورد وعظيم الجهد، هو السلاح الذي سنحمله لنغزو به العالم من جديد.

لقد آمنوا أعمق الإيمان وأقواه وأقدسه وأخلده:
– بالله ونصره وتأييده: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ) (آل عمران: 160).
– وبالقائد وصدقه وإمامته: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب: 21).
– وبالمنهاج ومزيته وصلاحيته: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) (المائدة: 15-16).
– وبالإخاء وحقوقه وقدسيته: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: 10).
– وبالجزاء وجلاله وعظمته وجزالته: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئًا يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (التوبة: 120).
– وبأنفسهم: فهم الجماعة التي وقع عليها اختيار القدر لإنقاذ العالمين، وكتب لهم الفضل بذلك، فكانوا خير أمة أخرجت للناس. لقد سمعوا المنادي ينادي للإيمان فآمنوا، ونحن نرجو أن يحبب الله إلينا هذا الإيمان، ويزينه في قلوبنا كما حببه إليهم وزينه من قبل في قلوبهم. فالإيمان أول عدتنا.

ولقد علموا أصدق العلم وأوثقه أن، أن دعوتهم هذه لا تنتصر إلا بالجهاد، والتضحية والبذل وتقديم النفس والمال، فقدموا النفوس وبذلوا الأرواح، وجاهدوا في الله حق جهاده، وسمعوا هاتف الرحمن يهتف بهم (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) (التوبة: 24). فأصاخوا للنذير، وخرجوا عن كل شيء، طيبة بذلك نفوسهم، راضية قلوبهم، مستبشرين ببيعهم الذي بايعوا الله به.

يعانق أحدهم الموت وهو يهتف: «ركضًا إلى الله بغير زاد». ويبذل أحدهم المال كله قائلًا: «تركت لعيالي الله ورسوله». ويخطر أحدهم والسيف على عنقه:

ولست أبالي حين اقتل مسلما … على أي جنب كان في الله مصرعي

كذلك كانوا: صدق جهاد، وعظيم تضحية، وكبير بذل، وكذلك نحاول أن نكون … فالجهاد من عدتنا كذلك. ونحن بعد هذا كله واثقون بنصر الله، مطمئنون إليه: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج: 40-41)».

المناجاة من عدتنا:
ويركز الإمام الشهيد حسن البنا على صلة الأخ بربه والخلوة واثرها فى تربية النفوس فى رسالة المناجاة فيقول:
«يا أخي: لعل أطيب أوقات المناجاة أن تخلو بربك والناس نيام والخليون هجع، وقد سكن الكون كله وأرخى الليل سدوله وغابت نجومه، فتستحضر قلبك وتتذكر ربك وتتمثل ضعفك وعظمة مولاك، فتأنس بحضرته ويطمئن قلبك بذكره وتفرح بفضله ورحمته، وتبكى من خشيته وتشعر بمراقبته، وتلح في الدعاء وتجتهد في الاستغفار، وتفضي بحوائجك لمن لا يعجزه شيء، ولا يشغله شيء عن شيء، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، وتسأله لدنياك وآخرتك وجهادك ودعوتك وآمالك وأمانيك ووطنك وعشيرتك ونفسك وإخوتك، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.

ولهذا يا أخي وردت الآيات الكثيرة والأحاديث المتواترة في فضل هذه الساعات وتزكية تلك الأوقات وندب الصالحين من العباد إلى أن يغتنموا منها ثواب الطاعات، ولهذا يا أخي حرص السلف الصالحون على ألا يفوتهم هذا الفضل العظيم فهم في هذه الأوقات تائبون عابدون حامدون ذاكرون راكعون ساجدون يبتغون فضلا من الله ورضوانا ويزدادون يقينا وإيمانا ويسألون الله من فضله وهو أكرم مسئول وأفضل مأمول».
————–

0 Comments to “الربانية في منهج الإمام حسن البنا”

  • غير معروف

    جزاكم الله خيرا.. جهد مشكور.. ربنا يجعله في ميزان حسناتكم.. ويجعلكم من أسباب الفهم الصيح لدعوتنا ونشره للعمل به..

    • zadussaerin

      جزاكم الله خيرا ، ونود من حضرتك أن تسهم فى نشر هذا الخير، جعله الله فى ميزان حسناتك، ونفعنا وإياكم به، وجعله خالصا لوجهه سبحانه.

    • zadussaerin

      اللهم آمين، جزاكم الله خيرا

اترك تعليقا