من دلائل صدق الانتماء للدعوة، أن يثق الأخ الصادق في قيادته أياً كان موقع مسئوليتها، لأن الثقة في القيادة أحد أهم جوانب الثقة التي تحدث عنها الإمام الشهيد حسن البنا – رحمه الله.
والاستخفاف بقرارات القادة والمسئولين عن الدعوة، والتشكيك فيها من المؤشرات الكبرى على ضعف الانتماء للدعوة، لأن التشكيك دون بيّنة أو دليل دائمًا ما يصاحبه سوء ظن في تفسير الأقوال والأفعال والمواقف التي تصدر عن القيادة، فتؤدي هذه الحالة إلى ضعف البناء النفسي، ويظهر التباغض والتقاطع والتلامز، فيتعكر صفو الأخوة، ويظهر الشقاق – نعوذ بالله من ذلك – وهذا كله يضعف بناء الصف.
ولو صدق الانتماء لحسن ظننا بإخواننا وقادتنا، وقويت الروابط بيننا، لأننا ماجتمعنا إلا على الله ولله، فلا يصح أن نعطي للشيطان نصيبًا للفُرقة بيننا.
وقد اعتبر الإمام البنا أن (القيادة الحازمة الموثوق بها) أحد المعالم والأركان التي تقوم عليها فكرتنا، حيث أورد في (رسالة دعوتنا): «أركان ثلاثة تدور عليها فكرة الإخوان المسلمين: أولًا: المنهاج الصحيح ثانيا: العاملون المؤمنون ثالثا: القيادة الحازمة الموثوق بها وقد وجدها الإخوان المسلمون كذلك، فهم لها مطيعون، وتحت لوائها يعملون».
وهنا لا بد أن نفرق بين مفهومين متداخلين في علاقة الأفراد بالقيادة، وهما (التقدير – والتقديس)، فنحن نقدر قادتنا ولا نقدسهم، نقدرهم لمكانتهم في دعوتنا، ولأن دعوتنا تسكن في أعماق قلوبنا؛ كان لا بد أن تكون القيادة – وهي جزء من الدعوة – في قلوبنا أيضاً، ولكنه الاحترام والتقدير لرموز الدعوة وقادتها، لأننا نتصور ونعتقد أن: «كل إنسان يُؤخذ من كلامه ويُترك إلا المعصوم ﷺ»، واحترام أهل الفضل والسبق في هذا الصف المجاهد أمر نتعبد به إلى خالقنا سبحانه وتعالى، ونتبع به هدي نبينا المصطفي ﷺ.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ﷺ: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا». حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وفي رواية أبي داود «حق كبيرنا».
يذكر الأستاذ مصطفى مشهور (رحمه الله) في كتابه (القدوة على طريق الدعوة) ما يوضح هذا المعنى فيقول: «وعلى الفرد المسلم أن يثق بقيادته ثقة كبيرة لا حدود لها، ثقة تبعث الاطمئنان الذي ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة، فالقائد جزء من الدعوة ولا دعوة بغير قيادة، وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة وإحكام خططها ونجاحها في الوصول إلى غايتها وتغلبها على ما يعترضها من عقبات وصعاب.
فالثقة بالقيادة أمر مهم في نجاح الدعوات، وإذا خالطه شيء في نفسه فليسارع في إزالته بالتبيين واللقاء والمصارحة، وألا يسمح لنفسه أن تتأثر بالشائعات المغرضة والتشكيك الذي يثيره الأعداء في صورة نصائح؛ بغرض بث الفرقة وتوهين العزائم والنيل من وحدة الجماعة.
ولكي ترسخ هذه الثقة في القلب وتصبح واقعًا عمليًّا في حياة الفرد المسلم عليه أن يتعرف على قائده عن قرب، ويدرس ظروف حياته وأن يطمئن لكفايته وإخلاصه وأن يحاول دائمًا الاقتراب الدائم منه، فإذا تم ذلك فيسهل عليه أن يسمع ويطيع لهذا القائد دون تردد ودون مراجعة ولا شك ولا حرج، مع إبداء النصيحة والتنبيه إلى الصواب، بل سيفترض في نفسه الخطأ وفي القيادة الصواب إذا تعارض ما أُمِر به مع ما تعلم في المسائل الاجتهادية التي لم يرد فيها نص شرعي.
وثقتنا في قيادتنا تلزمنا أن نثق في توجهاتها وقراراتها ومواقفها، التي دائمًا تخضع لمؤسسات الشورى في الجماعة على اختلاف مستوياتها».
الثقة ونجاح الدعوات وحول هذا المعنى يؤكد الامام حسن البنا في ختام حديثه عن ركن الثقة في رسالة التعاليم فيقول: «والثقة بالقيادة هي كل شيئ في نجاح الدعوات». – فإذا صدق الفرد في ثقته بقيادته لما تصيد لها الزلات والأخطاء، ولذب عن أعراضهم إن خاض فيها الخائضون، وكان لقيادته ناصحاً أمينًا بالحكمة والموعظة الحسنة. – وإذا صدق في ثقته بقيادته لاستجاب لأوامرها التي لا تدعوه إلا لكل طاعة ومعروف، ولبادر إلى تنفيذ واجبات دعوته. – وإذا صدق في ثقته بدعوته وقيادته لراجع قيادته في أموره الحيوية وقراراته المصيرية، وأعطى لقيادته حق الترجيح بينها بما يخدم دعوته ويعود عليه وعليها بالخير والنفع. – وإذا صدق في ثقته بدعوته وقيادته، لابتعد عن التجريح المتعمد في القيادة، ولما انجر وراء حملات التشكيك والاتهامات الباطلة التي يروجها المتربصون بالدعوة.
وخير ما نختم به هذه الخاطرة ما ذكره الإمام البنا حول الثقة فقال: «وأريد بالثقة اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه، اطمئنانا عميقا ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة، (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
والقائد جزء من الدعوة ولا دعوة بغير قيادة، وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة، وإحكام خططها ونجاحها في الوصول إلى غايتها، وتغلبها على ما يعترضها من عقبات وصعاب (فَأَوْلَى لَهُمْ، طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ).
وللقيادة في دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية، والأستاذ بالإفادة العلمية، والشيخ بالتربية الروحية، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة، ودعوتنا تجمع هذه المعاني جميعا، والثقة بالقيادة هي كل شيء في نجاح الدعوات.» (رسالة التعاليم).
فما أحوجنا أيها الأحبة إلى أن نصطف حول قيادتنا، ولا سيما في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الدعوة، ومحاولة الخصوم والأعداء النيل منها ومحاربتها في أعز ما تملك بعد الإيمان، وهي وحدة القلوب والمشاعر والحب في الله الذي جمع بين أبنائها، فيحاول أعداء الدعوة والمتربصين بها شق الصفوف وإشاعة الفرقة؛ بزعزعة الثقة بين الأجيال المتعاقبة من ناحية، وبين القادة والجنود من ناحية أخرى.
اللهم أكرمنا بنعمة الثقة، واجمع قلوبنا على الحق ما حيينا، وارزقنا موتة عزيزة في سبيلك، تنصر بها دعوتنا، وترفع بها درجتنا، يا رب العالمين. والحمد لله رب العالمين