النمو والقوة على طريق الدعوة (1)

النمو والقوة على طريق الدعوة (1) – بقلم: الأستاذ مصطفى مشهور 

من القضايا الأساسية التي يجب أن يُحرص عليها نمو الحركة وقوتها مع استمراريتها، فلا يكفى الاستمرار الثابت، ولا يُقبل الاستمرار مع التناقص أو الضعف التدريجي، ولكن استمرار يصاحبة اتساع مطرد للساحة التي تغطيها الحركة وزيادة في عدد المنتمين والمحبين، وكذلك قوة في بنيان الحركة وأفرادها وأجهزتها.

النمو
ونتناول أولاً قضية النمو فنقسمه إلى: (نمو أفقي، ونمو رأسي). أما النمو الأفقي فيكون بالسعي الجاد لتوصيل الدعوة إلى أكبر قدر من الساحة الاسلامية بل الساحة العالمية، مع إرساء قواعد لها في تلك البلاد للعمل على كسب أنصار لها يؤمنون بمنهجها ويعملون على تحقيق أهدافها في تعاون وتنسيق بين الجميع.
ولا نريد لهذا النمو أن يكون هشًا ضعيفًا غير متماسك، ولكن نريده نموًا قويًا أصيلًا في ظل الوحدة والشعور بالجسد الواحد.

والنمو الأفقي في الساحة والعدد مجاله نشر الدعوة، والنمو الرأسي مجاله التربية، فيلزم الاهتمام بوسائل نشر الدعوة المعروفة من كتب ورسائل وصحف ومجلات ومؤتمرات وندوات، وكذلك كل حديث مناسب كأشرطة التسجيل المسموعة والمرئية وغيرها، والدعوة الفردية هي من أنجح الوسائل لنشر الدعوة وكسب الأنصار والمحبين، ويمكن ممارستها في كل الظروف، وخاصة في ظروف التضييق ومنع الأنشطة العامة، ويكفي تدليلًا على أهمية الدعوة الفردية وعظيم أثرها ما قام به مصعب بن عمير -رضي الله عنه- في المدينة قبل هجرة رسول الله ، فلو أن كل فرد في الجماعة مارس الدعوة الفردية وصابر عليها لتضاعف حجم الحركة كل فترة بصفة مطردة.

كما نوصي الإخوة عمومًا والدعاة خصوصًا أن يسارعوا إلى نشر الدعوة في كل مكان مهما تباعدت المسافات أو كثرت المشقات، فالمهندس والطبيب والمدرس والواعظ عليهم جميعًا وغيرهم أن يذهبوا إلى البلاد النائية في إفريقيا وآسيا وغيرها، ولا يجوز أن يكون المبشرون أكثر حرصًا وتحملًا للمتاعب من أصحاب الدعوة الاسلامية.

وبالنسبة للنمو الرأسي فالمقصود به الارتقاء بمستوى الأفراد وتكوينهم وذلك مجاله التربية بوسائلها المعروفة من دروس وكذا الأسرة والرحلة والكتيبة والمعسكر وغير ذلك، فيتم بناء شخصية الفرد المسلم عقيديًا وعباديًا وأخلاقيًا وثقافيًا وبدنيًا وكل ما من شأنه أن يجعل منه رجل دعوة وجندي عقيدة.

والنمو الرأسي أيضًا يتمثل في اكتساب الخبرة والتجربة في مجالات العمل في حقل الدعوة والرقي بمستوى الإنتاج وحجمه، وكما يقول الإمام الشهيد: «نريد الأخ المسلم أن يكون مثال المجاهد المنتج الحكيم الذي يكسب لدعوته أكبر كسب بأقل جهد في أقل وقت» أو مثل هذا المعنى.

والنمو الرأسي لا يكون قاصرًا على الارتقاء بمستوى الأفراد ولكن أيضًا بأجهزة الحركة ومجالات نشاطها بازدياد الخبرة وأصالة الإنتاج.

وننبه إلى أمر مهم وهو مراعاة التناسب بين وسائل النمو الأفقي ووسائل النمو الرأسي، بمعنى التنسيق بين حصيلة نشر الدعوة والامكانيات التربوية، كي لا يهبط مستوى التربية بسبب كثرة الأعداد الواردة، وقصور القدرة التربوية التي تستوعبهم، ولو استدعى الأمر أن نخفف من نشاط نشر الدعوة لتحقيق هذا التناسب، أفضل من النتائج السيئة بسبب هبوط مستوى التربية.

والنمو المطلوب يجب أن يشمل العناصر الأساسية في مراحل العمل التي ذكرها الإمام البنا وهي: (الفرد المسلم والبيت المسلم والمجتمع المسلم)، كي يكون النمو متكاملًا ويحقق القاعدة الصُلبة التي يقوم عليها الحكم الاسلامي، وكان التدرج طبيعيًا في تكوين هذه القاعدة، ففي مراحل الحركة الأولى تَكَّون أفراد مسلمون وبعد فترة أقام هؤلاء الأفراد بيوتًا مسلمة، ولا زالت الحركة في حاجة إلى مزيد من هذه النوعية من الأفراد المسلمين والبيوت المسلمة، أما عن المجتمع المسلم فالعمل لإيجاده بدأ من أول يوم ولا زال مستمرًا.

وتلزمنا وقفة أمام قضية إعداد المجتمع المسلم كمرحلة من مراحل البناء، فهناك من يظن خطأً أن المقصود بالمجتمع المسلم أن يتحول كل أفراد المجتمع إلى تلك النوعية من الفرد المسلم أو الأخ العامل النموذج، فهذا أمر يستحيل، وليس بالضرورة أن يتحقق، ولكن المقصود بالمجتمع المسلم بعد توفر العدد المناسب من الأفراد المسلمين القدوات، والبيوت المسلمة القدوة أن يكون باقي أفراد المجتمع مسلمين صالحين متجاوبين مع الحركة الاسلامية وأهدافها، متقبلين لتحكيم شرع الله، وليس بالضرورة أن يكونوا مجندين في الحركة، فالمجتمع الأول لم يكن جميع أفراده من تلك النوعية التي رباها رسول الله في مكة.

ويُخطئ البعض في نظرتهم إلى مجتمعاتنا الحالية في أقطارنا الاسلامية، إذ لا يعتبرونها اسلامية وربما يصفونها بالجاهلية أو غير ذلك من الصفات، ويرتبون على ذلك لونًا من الانفصال عنها أو مفاصلتها، ويُقيمون الفجوات والحواجز بينهم وبين هذه المجتمعات، والحقيقة أن ذلك حكم غير دقيق، ثم إن هؤلاء الناس هم حقل الدعوة الذي نعمل فيه لتغييره، وإصلاح ما ناله من فساد بسبب تسلط الأعداء وأعوانهم، ومن بين أفراد تلك المجتمعات نُجند للصف، وما العاملون في حقل الدعوة الآن إلا أفراد يسر الله تجنيدهم على أيدى من سبقوهم، وهكذا تواصل المسيرة سيرها وتلاحمها.

وثمة نظرة أخرى ننبه إليها وهي: ألا يقتصر تعامل الحركة مع هذه المجتمعات على استقطاب أفراد منهم للصف، ولكن تسعى إلى تحويل أكبر عدد من أفراد المجتمع ليكونوا مسلمين صالحين مناصرين ومحبين للحركة وراغبين في تحكيم شرع الله، ولو لم يكونوا منتمين للحركة، وهذا الهدف له وسائله الخاصة التي قد تختلف بعض الشيء عن وسائل التجنيد للصف يلزم الأخذ بها، ومن أمثلة ذلك مجال البر والخدمة الاجتماعية.

ولسنا في حاجة إلى توضيح أهمية النمو الأفقي والرأسي للحركة، حيث إن الهدف الذي نسعى لتحقيقه هدف عظيم جدًا، وهو التمكين لدين الله في الأرض وإقامة دولة الإسلام العالمية وعلى رأسها الخلافة الاسلامية. ولا بدّ لمثل هذا الهدف العظيم من إمكانيات ضخمة وأعداد هائلة من العاملين الصادقين وكذلك من المحبين المتعاطفين، ولا يتحقق ذلك إلا بنمو الحركة المتزايد.

وإذا علمنا أن أعداء الله لا يألون جهدًا في التصدى لدعوة الحق، ويبذلون جهدهم للحيلولة بينها وبين مواصلة سيرها وتحقيق أهدافها، مما يستوجب علينا الحرص على نمو الحركة وقوتها كي تتمكن من مقاومة الأعداء وإحباط كيدهم.

فقد يلجأ الأعداء وأعوانهم إلى تعطيل الوسائل العامة لنشر الدعوة، لمنع استقطاب عناصر جديدة للحركة، ظنًا منهم أنهم بذلك يستطيعون أن يُجففوا روافد الحركة، ويقضوا عليها تدريجيًا، أو تنتهى بانقراض الجيل الذي يحملها، وهم في ذلك واهمون مخطئون، لأنهم لن يستطيعوا أن يحولوا دون وصول دعوة الله إلى قلوب الناس، فهي نور الله ولن يُطفئ نور الله بشر، وعلى الحركة في مثل تك الظروف، أن تطور وسائلها، وتوائم بين متطلبات الدعوة وبين الظروف القائمة ما أمكن ذلك.

ومعلوم أن طريق الدعوة طويل شاق وفيه عقبات ومنعطفات، فقد يتوقف البعض أمام بعض العقبات فلا يواصلون السير، فيلزم تعويض الصف بالعمل على نموه بعناصر جديدة، مع الأخذ بالأسباب التي تمنع -أو على الأقل تقلل- من فقدان الصف لبعض أفراده، وذلك بالتذكير والنصح والتبصير.

وقد يلجأ الأعداء إلى التخويف والإيذاء لينصرف الناس عن الدعوة، ولكن إصرار أهل الحق وثباتهم على الطريق يفل هذا السلاح، ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة هو وصحابته الأكرمين، فكانوا يُؤذَون ويستمرون في نشر الدعوة وتبليغها للناس.

ومن جانب آخر فإن ساحة العمل ومجالاته تتسع دائمًا أمام الحركة، ولا بد من توفير العناصر القوية المناسبة لتحمل تلك الأعباء وسد الثغرات حتى لا يثقل العبء على كاهل القائمين بالعمل فلا يستطيعون القيام به على الوجه الأكمل، ويحدث القصور والخطأ. فالعمل على نمو الحركة، ودعم صفها بالعناصر العاملة الجيدة أمر لازم، ليجد كل فرد فرصته في إقامة الحركة بجهده ووقته وتخصصه، ولتغطية الخطة العامة ومجالات العمل اللازمة.

وننبه إلى ضرورة عدم الانشغال بأمور إدارية أو تنظيمية عن نشر الدعوة والتربية، ويلزم تسيير العمل وتوزيع الاختصاصات والمتابعة كي لا يحدث مثل هذا الخطأ.

ويجب أن يشمل النمو في الحركة كل فئات المجتمع ونوعياته، الرجال والنساء والشباب والأطفال والطلاب والعمال والمهنيين وعلماء الدين وغيرهم، حتى تقوم قاعدة بناء متكاملة متناسبة، ويُهتم أيضًا بإعداد الكفاءات اللازمة في كل مجال وقطاع.
وعلى المسئولين أن ينتبهوا في أثناء عملية نمو الحركة ألا تتكون جيوب أو تكتلات داخل الكيان العام قد تُحدث متاعب في أثناء السير.

——————————–
انتهى الجزء الأول من مقال (النمو والقوة على طريق الدعوة)، ويليه الجزء الثاني والآخير إن شاء الله.

اترك تعليقا