كتب الإمام حسن البنا -رحمه الله- في ختام رسالته القيمة، (الإخوان المسلمون تحت راية محمد وفي سبيل هديه)، والتي اشتهرت بيننا تحت عنوان (الإخوان تحت راية القرآن)، توجيهًا عاماً للإخوان المسلمين وللناس أجمعين، حدد فيه طبيعة الفكرة، ثم أتبعه بتوجيه خاص للإخوان المسلمين، بيَّن لهم فيه منزلتهم، ومكانة دعوتهم.
وتحت عنوان (طبيعة فكرتنا) كان التوجيه العام للإخوان وغيرهم من الناس، وجاء فيه:
«أيها الإخوان المسلمون .. بل أيها الناس أجمعون .. يجب أن تتعرفوا جيداً على طبيعة دعوتنا. لسنا حزباً سياسياً، وإن كانت السياسة على قواعد الإسلام من صميم فكرتنا. ولسنا جمعية خيرية إصلاحية، وإن كان عمل الخير والإصلاح من أعظم مقاصدنا. ولسنا فرقاً رياضية، وإن كانت الرياضة البدنية والروحية من أهم وسائلنا.
لسنا شيئاً من هذه التشكيلات، فإنها جميعاً تخلقها غاية موضعية محدودة لمدة معلومة، وقد لا يوحى بتأليفها إلا مجرد الرغبة فى تأليف هيئة، والتحلى بالألقاب الإدارية فيها.
ولكنّا -أيها الناس- فكرة وعقيدة، ونظام ومنهاج، لا يحده موضع، ولا يقيده جنس، ولا يقف دونه حاجز جغرافي، ولا ينتهى بأمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ ذلك لأنه نظام رب العالمين، وحُكم كتابه المبين، ومنهاج رسوله الأمين.
نحن -أيها الناس، ولا فخر- أصحاب رسول الله ﷺ، وحملة راية محمد بعده، ورافعو لوائه كما رفعوه، وناشرو لوائه كما نشروه، وحافظوا قرآنه كما حفظوه، والمبشرون بدعوته كما بشروا، ورحمة الله للعالمين (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)) (سورة ص).»
وبعد هذا التوجيه العام من الإمام البنا، كان التوجيه الخاص بالإخوان المسلمين، وجاء فيه:
«أيها الإخوان المسلمون: هذه منزلتكم، وتلك طبيعة دعوتكم، فلا تصغروا في أنفسكم، فتقيسوا أنفسكم بغيركم، أو تسلكوا في دعوتكم سبيلاً غير سبيل المؤمنين، أو توازنوا بين دعوتكم التي تتخذ نورها من نور الله، ومنهاجها من سنة رسوله، بغيرها من الدعوات التي تخلقها الضرورات، وتذهب بها الحوادث والأيام.
لقد دعوتم وجاهدتم، ولقد رأيتم ثمار هذا المجهود الضئيل أصواتاً تهتف بزعامة رسول الله، وهيمنة نظام القرآن، ووجوب النهوض للعمل، وتخليص الغاية لله، ودماء تسيل من شباب طاهر كريم في سبيل الله، ورغبة صادقة في الشهادة في سبيل الله، وهذا نجاح فوق ما كنتم تنتظرون، فواصلوا جهودكم واعملوا، (وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) محمد:35.
فمن تبعنا الآن فقد فاز بالسبق، ومن تقاعد عنا من المخلصين اليوم فسيلحق بنا غدًا، وللسابق عليه الفضل، ومن رغب عن دعوتنا زهادة، أو سخرية بها، أو استصغارًا لها، أو يائسًا من انتصارها، فستُثبت له الأيام عظيم خطئه، وسيقذف الله بحقنا على باطله فيدمغه فإذا هو زاهق.
فإلينا إلينا -أيها المؤمنون العاملون، والمجاهدون المخلصون- فهنا الطريق السويّ، والصراط المستقيم، ولا توزعوا القوة والجهود. (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153))» سورة الأنعام.
——————————– المصدر: رسالة الإخوان تحت راية القرآن، للإمام حسن البنا، (20 صفر، 1358هـ – الموافق 11 أبريل 1939م)