الدعاة.. وإتقان فن الحوار والنقاش – بقلم: عبد الحليم الكناني
ويتضمن الموضوع النقاط التالية:
– أهمية الحوار المتبادل والنقاش المفتوح
– إثارة التساؤلات وفن بدء الحوار
– نموذج عملي أيها الداعية
أهمية الحوار المتبادل والنقاش المفتوح
بعض الدعاة حين يتعامل مع المدعوين، ويريد إقناعهم بفكرته ودعوته وإيصال فكرها ومفاهيمها إليهم يتبنَّى أسلوبًا شائعًا وفي نفس الوقت خاطئًا وهو ما نسميه (خطبة الجمعة الفردية) أي الحديث الطويل من طرف واحد، والذي يشبه المحاضرة أو الدرس أو الخطبة، ولكنه موجَّهٌ لفرد واحد، والذي يعد من الأساليب الخاطئة وضعيفة الأثر في الدعوة إلى الله.
وفي المقابل يتغاضى الداعية عن تبني الأسلوب الناجح والمؤثر في الدعوة، وهو الحوار والنقاش الذي يعد من أهم وسائل نقل المعاني والأفكار والمفاهيم، حيث الصلة المباشرة بين الداعي والمدعو، وهو أيضًا صلة تفاعلية.. أي تكون فيها الصلة إيجابيةً ومتبادلةً بين الطرفين؛ حيث يتيح هذا الحوار المتبادل للمدعو أن يسأل ويستفسر عما لا يفهمه، ويعترض عما لا يقتنع به، ويعرض ما بداخله من تساؤلات وشبهات، ويكشف عن مدى استيعابه وقدرته على الفهم، وبذلك يستطيع الداعية أن يقيِّم نتيجة جهده ويراجع نفسه على بينة.
والداعية الموفَّق هو من كانت دعوته وفكرته واضحةً جيدًا في ذهنه، وبصورة مرتبة ومنظمة وعميقة، ولديه القدرة على مخاطبة المدعو ونقلها إليه في صورة سلسلة طبيعية تتناسب مع مستواه الذهني والثقافي وقدرته على الفهم والاستيعاب، وهذا مثال للحوار المتبادل، دار بين الرسول القدوة ﷺ والحصين بن عبيد (وكانت قريش تعظِّمه):
فقال حصين: ما هذا الذي بلغنا عنك أنك تشتم آلهتنا وتذكرهم، وقد كان أبوك حصينة وخيرًا؟
فقال ﷺ: يا حصين إن أبي وأباك في النار، يا حصين كم تعبد من إله؟
قال: سبعًا في الأرض وواحدًا في السماء.
قال ﷺ: فإذا أصابك الضرّ مَن تدعو؟
قال: الذي في السماء.
قال ﷺ: فإذا هلك المال مَن تدعو؟
قال: الذي في السماء.
قال ﷺ: فيستجيب لك وحده وتشركهم معه؟! أرضيته في الشكر أم تخاف أن يغلب عليك؟!
قال: لا واحدة من هاتين، قال حصين: وعلمت أني لم أكلم مثله!!
قال ﷺ: يا حصين أسلم تسلم.
قال: إن لي قومًا وعشيرةً فماذا أقول؟!
قال ﷺ: قل: اللهم أستهديك لأرشد أمري، وزدني علمًا ينفعني، فلم يقُم حتى أسلم.
وهذا مثال آخر لحوار دعوي بينه ﷺ وبين عدي بن حاتم الطائي:
يقول عدي: دخلت على رسول الله ﷺ فقال لي: يا عدي بن حاتم أسلم تسلم (ثلاثًا).
قلت: إني على دين.
قال ﷺ: إني أعلم بدينك منك.
فقلت: أنت أعلم بديني مني؟!
قال ﷺ: نعم، ألست من الركوسية (وهو مذهب بين النصارى والصابئة) وأنت تأكل مرباع قومك؟!
قلت: بلى.
قال ﷺ: هذا لا يحل لك في دينك.
قلت: نعم (يقول عدي: فلم يعْد أن قالها ، فتَضَعْضَعْتُ لذلك، وفي رواية: (فتواضعت لها).
قال ﷺ: إني أعلم الذي يمنعك من الإسلام، تقول إنما اتبعه ضعَفَةُ الناس ومَن لا قوةَ لهم وقد رمتْهم العرب، أتعرف الحيرة؟!
قلت: لم أرَها وقد سمعت بها.
قال ﷺ: فوالذي نفسي بيده ليتمنَّ اللهُ هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، وليفتحنَّ كنوز كسرى بن هرمز.
قلت: كنوز ابن هرمز؟!
قال ﷺ: نعم.. كسرى بن هرمز، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد.
قال عدي: فهذه الظعينة تأتي من الحيرة تطوف بالبيت في غير جوار، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد قالها.
إثارة التساؤلات وفن بدء الحوار
ومن الأساليب الجيدة والمهمة لبدء الحوار مع المدعو إثارة التساؤلات التي تُثير الانتباه والاهتمام، وتوقظ الفكر، وتتطلَّب الردَّ، وهذه الأسئلة تكون مدخلاً لفتح باب الحوار حول أي موضوع، وفي السنة النبوية نماذج لذلك نعرضها عسى أن يتعلم منها الدعاةُ وينسجوا على منوالها.
فمن التساؤلات التي توقظ الفكر وتثير الانتباه للموضوع المثار ما رُوي عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – قال: كنت ردف النبي ﷺ على حمار فقال: «يا معاذ، هل تدري ما حق الله على عباده؟ وما حق العباد على الله؟» قلت: الله ورسوله أعلم.. قال ﷺ: «فإن حقَّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحقّ العباد على الله أن لا يعذب مَن لا يشرك به شيئًا» فقلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: «لا تبشرهم فيتكلوا».
وما روي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يَبقى من درنه شيء؟!» قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال ﷺ: «فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا».
وأحيانًا يأخذ التساؤل أسلوبًا عاطفيًّا مؤثِّرًا في الحسِّ، يتكرر فيه السؤال ثم يتكرر الجواب في انفعال يذهب بالمستمع إلى أقصى درجات الاهتمام والتأثر، ومن ذلك ما رُوي عن أبي بكرة نفيع بن الحارث – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ﷺ: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» ثلاثاً، قلنا: بلى يا رسول الله، قال ﷺ: «الإشراك بالله وعقوق الوالدين»، وكان متكئًا فجلس فقال: «ألا وقول الزور، وشهادة الزور» فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.
وأحيانًا يثار التساؤل ويتأخر الجواب حتى يسأل المسئول عن الجواب متلهِّفًا مترقِّبًا له، ظانًّا أن السائل قد نسيه، ومن ذلك ما يرويه أبو سعيد رافع المعلي – رضي الله عنه – قال: قال لي رسول الله ﷺ: «ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟!» فأخذ بيدي فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول الله، إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن؟! قال: «الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته».
نموذج عملي
1- اجتهد أن تقرأ كتابًا من الكتب الجيدة والتي تتعرَّض بالشرح لبعض المفاهيم الأساسية في الدعوة، وليكن أحد هذه الكتب على سبيل المثال:
– الأخوة في الله: للدكتور عبد الله ناصح علوان.
– العبادة جوهرها وآفاقها: للشيخ محمد عبد الله الخطيب.
– الإسلام شريعة الزمان والمكان: للأستاذ عبد الله ناصح علوان.
– قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام: للأستاذ عبد الودود يوسف.
2- ثم حدد العناصر الأساسية لموضوعات الكتاب والنقاط المهمة فيه.
3- واجتهد أن تقسمها إلى عشرة عناصر أساسية.
4- وحاول أن تضع لكل عنصر منها سؤالاً شاملاً ومشوِّقًا لمعرفة إجابته.
5- وارقب مدى الفائدة المتحقِّقة، وأثرها في المدعوين عند طرح هذه التساؤلات أمامهم ومناقشتهم في الإجابة عنها والحوار حولها.