كيف نحيا بالثبات؟

(كيف نحيا بالثبات؟)مع زاد السائرين

الثبات هدية الله لأهل دعوته، وهبة المولى للمؤمنين الربانيين، ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ إبراهيم 27، فلا ركون لطاغية ظالم، أوانهزام أمام جبار باطش، إلا إذا تخلينا عن الله، فتُرفع عنا هذه المنة الربانية، ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاك لَقَدْ كِدْت تَرْكَن إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ الإسراء 74، ولا تأييد من الله، ولا نصرة في هذه الحياة إلا بهذه العطية الإلهية، ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ هود 120.

فما أحوج الدعوة الربانية إلى القيادة القدوة؛ فهذا رسولنا الأسوة يدعو إلى الثبات فيقول: «أنا النبي لا كذب …. أنا بن عبد المطلب»، فالتف حوله الثابتون المائة في يوم حنين.

وما أحوج الدعوة الربانية إلى الجنود الثابتين، فالنصر ليس بالكثرة، وإنما بالثبات،﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا﴾ الأحزاب 23.

وما أحوج الدعوة الربانية إلى الثقة والأمل في نصر الله، لأنها منتصرة بالثبات، فلا يهمها موت، بل هي التي تصنع موتتها، فتحيا الأمة كلها بها، ورضي الله عن الإمام حسن البنا وهو يقول: «إن الأمة التي تحسن صناعة الموت، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة، يهب لها الله الحياة العزيزة والنعيم الخالد في الآخرة».

* وإنك لتعجب أشد العجب من حالة الثبات على الحق التى أظهرها سيدنا بلال بن رباح، هذا العبد الحبشي البسيط الذى تربي وتعلم في مدرسة النبوة، ورافق النبي كثيرًا، مما كان له الأثر الكبير في شخصيته. 

ويعد الصبر والثبات في سبيل الله من أهم ملامح شخصية بلال بن رباح رضي الله عنه، وقد قال سيدنا عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – واصفاً حالة الثبات التى أظهرها بلال:

«كان أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله ، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد؛ فأما رسول الله فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون وأُلبسوا أدراع الحديد وصهروهم في الشمس، فما منهم أحد إلا وأتاهم على ما أرادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه فأخذوه فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد».

وكان أميّة بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره، ثم يقول: «لا يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمد». فيقول وهو في ذلك: «أحد..أحد».

* وهذا النموذج المعاصر، الأخ كامل عبد السلام، عامل بسيط فى شركة غزل المحلة، أبتلي بالمحنة مع إخوانه فى سجون عبد الناصر فى 1965م، وهو على بساطته كان ثابتاً أمام هول التعذيب والتنكيل الذى ألمَّ به وبإخوانه فى السجن الحربي، يحكى أحد رفاقه فى هذه المحنة: أنه شاهد الأخ كامل عبد السلام وهم يسوقونه إلى غرف التحقيق بالسجن الحربي، وهو حافي القدمين ممزق الملابس عليه آثار التعذيب، وهو يرى أمامه إخوانه الذين يعذبون خارج غرف التحقيق، ويسمع بأذنيه آهاتهم، فلما أدخلوه على المحققين، سأله المحقق: «ما الذى بينكم وبين عبد الناصر يا كامل يا عبد السلام؟»، فرد عليه باللهجة العامية: «يا حنا يا هو فى البلدي!!». يعني: (إما نحن أو هو فى هذه البلد). فى حالة من الثبات العجيب، أمام هذا الهول والبطش، وفى حضرة هؤلاء الجبابرة والزبانية من وكلاء النيابة وضباط التعذيب فى السجن الحربي.

ويقول راوي هذا الموقف أن الأخ كامل عبد السلام عوقب وعُذب بسبب هذا الرد القوي بأقسى صنوف التعذيب، ومع ذلك ثبته الله وخفف عنه. ولم يكن ثباته بكثرة علم أو معرفة، أو سابق خبرة قيادية أو تنفيذية فى الجماعة أو فى الوظيفة، ولكنه الإيمان الذى وقر فى قلبه كما وقر فى قلب بلال بن رباح.

اللهم ثبتنا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة

————————

اترك تعليقا