جوانب القدوة لدى المربي

جوانب القدوة لدى المربيبقلم: عمار حسن حنفي القوصي (*)

يعد المربي من أهم عناصر العملية التربوية على وجه العموم، وفي العمل الدعوي على وجه الخصوص؛ وذلك لما لها من تأثيرٍ على تحقيق المستهدفات والتأثير في المجتمع على حدٍّ سواء. وعلى الرغم من كون هذا الأمر أتى في أكثر من توجيهٍ قرآني ﴿لَقَدْ كَأنَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (الأحزاب: من الآية 21) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3)﴾ (الصف) فإننا ما زلنا نعاني من نقصٍ واضحٍ في جانب الاقتداء، وخصوصًا في الجانب العملي؛ لذا وجب علينا التذكيرُ بها لنقتدي بها ونُحقق بها رضى ربنا والأهداف العليا للعمل الإسلامي.

للمربي القدوة صفات يجب أن يتحلَّى بها:
* أن يكون قدوةً حسنةً في كل الجوانب التي يربي طلابه عليها: يجمع القلوب على الله، شفوق، ذاكر، ورِع، نهر دفّاق، صدوق، أخَّإذ بتوهج الإيمان، ناصع القلب، حنون، مِعطاء، ليس له حاجةٌ لأحد، حاجات الناس إليه، تراه تذكر الله ويذكِّرك بالله، تلهج جوارحه وأعضاؤه بذكر الله.
– أن يصل بها إلى مرضاته سبحانه، ويكون القلب الكبير الذي يسَعُ آمالهم وآلامهم، والعقل الناضج الذي يحسن توجيه النصح وتقبله والنزول على حكم الله، دون أن تأخذه العزة بالإثم أو الغرور بالمكانة.

* المحاسبة والمجاهدة لنفسه دائمًا: أن يضع نصب عينيه ﴿كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ (الإسراء: من الآية 14)، ويكون قدوةً في العبادة والعمل والهم والإحساس وما يطلبه في الآخرين يستنشقه في نفسه أولًا، ويكون جنديَّ دعوة وصاحبَ عقيدة ومتميزًا في العبادة (جنديًّا في الثكنة ينتظر الأمر)، ويطبق على نفسه ما أراده الأستاذ البنا في رسالة (هل نحن قوم عمليون؟!) بقوله: «إن كل جماعة إسلامية محتاجة أشد الحاجة إلى الفرد العامل (الشخص العملي المتحرك) المفكر (الشخص الذي يستأنس بعقله وفكره)، الجريء (الشخص المقدام الشجاع المضحي) المنتج (الشخص الذي يقدم إنجازات ويحقق نجاحات)»، ثم قال: «فحرام على كل مَن آنس من نفسه شيئًا من هذا أن يتأخر عن النفير دقيقةً واحدةً».

بالإضافة إلى ما سبق يجب أن نتجنَّب الاتِّصاف بالأوصاف السلبية التي تقدح في ذلك:
أ- التخلف عن صلاة الجماعة، وبالتالي يتقاعس عن سؤال أفراده عن هذا التخلف، أو هو يلتزم بالصلاة على وقتها، ويخشى أن يسال الأفراد المتقاعسين عن ذلك.
ب- قراءة القرآن، أذكار الصباح والمساء، صلاة الضحى.
جـ- تغليب المصلحة الشخصية على مصلحة الدعوة.
د- لعل كل ما سبق سببه الاتصاف بالطبيعة غير الانضباطية؛ بسبب الخلط بين حقوق الأخوَّة الإسلامية وواجبات الجندية ومقتضيات التنظيم، وكأنَّ الأخوَّة في نظره تشفع له كل التجاوزات التنظيمية، مثل:
– عدم التقيُّد بالمواعيد وضبطها.
– المقصرون والمخطئون مذنبون، ويجب الا يعاقبوا لأنهم إخوة.

* حسن المعاملة: روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله أنه قال: «يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه»، ويذكر ج. كورتوا في كتابه: (لمحات في فن الإدارة) أنه عندما احتل العمال المعامل في فرنسا لاحظ الجميع أن المعامل التي لم تُضرَب هي التي كان رؤساؤها يتصلون شخصيًّا مع العمال، ويهتمون بهم كأفراد، ويهتمون بعائلاتهم ومنازلهم ويقدمون لهم المساعدة، كما لاحظوا الحقد العميق الذي أظهره عمال المعامل المضربة تجاه رؤساء عاملوهم كآلات إنتاج.

* مشاركته لإخوانه فيما يعيشون فيه: لأن هذا هو الجوّ النقي الذي يفزع إليه الجميع من معاناة الحياة ومشاقها؛ حيث يتلاقى الجميع في ظل الحب في الله والأخوَّة الصادقة والتعاون على البر والتقوى والمقاومة لنزعات الشر في أنفسهم، ومن هذا كان موقف الإمام حين أرسل إلى إبراهيم عبد الهادي – رئيس وزراء مصر – يقول: «إذا كنتم حللتم الجماعة واعتقلتم من كان منهم في فلسطين ومن منهم هنا، ورميتم بهم في المنفى بجبل الطور، فلْتعتقلوني معهم؛ لأني أنا الذي ربيتهم».

فمن المعلوم أنه محظور في جماعتنا أن يتعامل المسئولون مع أفرادهم بنظام البوسطجي، ومحظور تمامًا أن يرسل أفراده في أعمال ولا يشاركهم فيها؛ إذ كيف يعطيهم القدوة، وكيف يشارك في تقييمهم ويتقرب إليهم؛ حتى لا تتحول أعمالنا التربوية إلى مجرد فصل ثقافي بحت للمعرفة والتحصيل، بدلًا من أن تكون بوتقةً للصقل والتكوين وتقويم الأخلاق؟

* استشعار المسئولية: وليذكر دائمًا حديث رسول الله : «لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسال عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن عمله فيما فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه»، يجب الا يكون في غفلة عن كيفية شغل إخوانه بأوقاتهم، وهو مسئول عن ذلك عند الله، ويستعين كل فترة باستبيان عن شغلهم لأوقاتهم المختلفة خلال اليوم، ويعبر عن ذلك بالقدوة في نفسه.

* يتجنب فرض التكاليف: وخصوصًا التي ترهق إخوانه، ويلغي التحكم الذي لا مبرِّر له. يقول الله سبحانه ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: من الآية 159).

* الالتزام بأصول وقواعد الدعوة ولوائح الجماعة: ويطبِّقها على نفسه ثم يوصلها ويربي عليها إخوانه، في وضوح كامل؛ لأنه بغير هذا الالتزام لا يمكن أن يسير العمل.
عدم الالتزام بالنقاط السابقة يُعد إهمالًا في المحافظة على قوة بنيان الجماعة والالتزام بشروطها، وإن من أخطر الانحرافات سريان روح التسيب واللا مبالاة بين صفوف الجماعة، وعدم التقيُّد بالتزامات العضوية وشروطها، فذلك من أخطر الآفات على بنيان الجماعة، ويفسد جوّ العمل والإنتاج، ويؤدي إلى نتائج ضارة؛ مما يُضعِف كيان الجماعة ويهيِّئ المناخ لأمراض أخرى، فالتفريط في توفر شروط العضوية انحراف يُدخل عناصرَ غير مطمئن لها وليست جديرةً بالعمل وتحمّل المسئوليات، ولذلك آثاره الضارة.

وكذلك التساهل في اختيار أفراد لمواقع المسئولية وهم ليسوا أهلًا لها يرتِّب ذلك نقط ضعف في بنيان الجماعة، وكذلك مجاملة بعض الأفراد على حساب الدعوة انحرافٌ يجب تجنّبه وعدم التساهل فيه، وكذلك ترك عناصر مثبطة مشكّكة تعيث في الأرض فسادًا دون تطهير وتوقيف يُعتبر انحرافًا له آثاره سيئة، فالصف القليل الملتزم خيرٌ من الكثير الذي فيه بلبلة وتسيُّب، وعدم المحاسبة على أخطاء أولًا بأول يساعد على جوٍّ لا يستقيم معه عمل ولا إنتاج ولا التزام.
كل هذه الانحرافات وإن بدت بسيطةً في مظهرها لكنها خطيرةٌ في مخبرها أو مضاعفاتها، فيجب تجنبها بكل دقة ودون تفريط.

* الأمانة العملية: لا يلزم أن يكون المربي فقيهًا في كل جوانب الدين أو عالمًا بكل مسائله، فقد تكون الفوارق بسيطةً بينه وبين إخوانه، ولكنه بحكم وضعه عرضةٌ لأن يسالوه فيما يجهلونه من أمر دينهم، وأبسط قواعد الأمانة أن يقول لا أعلم إذا كان لا يعلم الجواب، أو يطلب منهم الانتظار حتى يعود إلى أهل الذكر، والأفضل أن يعتاد العودة إلى مصادر الإسلام: الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح، وأن يربيهم على أن العلم وسيلة وليس هدفًا، وهو قربة إلى الله.

* التربية بالأهداف: أن يربِّيَهم على الأهدف وبالأهداف وتكون نصب عينيه وأعينهم، ويربيهم على الطموح نحو الأعالي من هذه الأهداف، ويربيهم على النظر إلى السماء وليس النظر تحت أقدامهم، يربيهم على قدوة صلاح الدين ومحمد الفاتح وعمرو بن العاص وعمر بن الخطاب، يربيهم على أن يذوبوا في حبِّ دعوتنا محبوبتنا لا أن يعطوا لها فتات الوقت ﴿مَنْ كَأنَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَأنَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)﴾ (الشورى).

—————————-
(*) الشهيد “عمار حسن حنفي محمود القوصي” كان يعمل مديرًا عامًا لتفتيش آثار الأقصر، كما كان من أهم قيادات جماعة الإخوان المسلمين في جنوب الصعيد حيث كان الشهيد يشغل موقع الأمين المساعد لقطاع جنوب الصعيد والمتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين بمحافظة قنا ونائب مسئول المكتب الإداري بالمحافظة.
ولد الشهيد عمار بمركز قوص عام 1960م، وهو أحد مؤسسي الدعوة بمحافظة قنا مع عمه الشيخ القاضي حنفي أبرز الدعاة ورجال الدين القدامى.
وقد قضي الشهيد عمار حياته كلها في المجال الدعوي في جماعة الإخوان المسلمين التي التحق بها عام 1978م، شارك الشهيد عمار في جميع المظاهرات المعارضة للنظام مبارك، وقد أعتقل 6 سنوات على فترات متفرقة فى عهد مبارك، كما شارك في ثورة 25 يناير والعديد من المليونيات التتابعة خلال الأعوام الماضية، وبعد الإنقلاب على الرئيس محمد مرسي اعتصم  بميدان رابعة منذ يوم 28/6/2013. وقد إرتقى شهيدا فى مذبحة الحرس الجمهوري (مذبحة الساجدين) فجر يوم 8 يوليو 2013م، وقد شيعه مئات الآلاف من أهل قنا إلى مثواه الأخير.

اترك تعليقا