الإسلام نعمة تستحق الشكر؛ ولهذا كان علماؤنا يقولون: «الحمد لله على نعمة الإسلام، الحمد لله على نعمة القرآن، هدانا الطريق المستقيم، وأرشدنا إلى الحق المبين، ووجَّهنا إلى الخلق القويم، وجعل الأخوةَ من شعائر الدين، وجعل بعضهم لبعض عضدًا ونصيرًا؛ ولذلك قال رسول الله ﷺ: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى سائره بالحمى والسهر».
وقال ﷺ: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص؛ يشد بعضه بعضًا»، وقال ﷺ: «الأرواح جنود مجندة؛ فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف»، وقال ﷺ: «إن الأرواح تلاقى في الهواء فتتشام؛ فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف». فإذا أراد الله بعبد خيرًا وفَّقه إلى معاشرة أهل السنة والصلاح والدين، ونزَّهه عن صحبة أهل الأهواء والبدع والمخالفين، وقال ﷺ: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يخالل»، ولبعضهم: عن المرء لا تسال وسل عن قرينه .. فكل قرين بالمقارن يقتدي
ومن كلام على بن أبي طالب كرَّم الله وجهه ورضي عنه:
ولا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه فكم من جاهلٍ أردى حليمًا حين يلقاه يقاسُ المرء بالمرء إذا ما هو ماشاه وللشيء على الشيء مقاييس وأشباه وللقلب على القلب دليلٌ حين يلقاه
آداب العشرة فمن آداب العشرة حسن الخلق: حسن الخلق مع الإخوان والأقران والأصحاب؛ اقتداءً برسول الله ﷺ وقد قيل له: ما خير ما أُعطي المرء؟ قال: «حسن الخلق». *تحسين العيوب: ومنها تحسين ما يعانيه من عيوب أصحابه؛ فقد قال ابن مازن: «المؤمن يطلب معاذير إخوانه، والمنافق يطلب عثراتهم»، وقال حمدون القصار: «إذا ذلَّ أخٌ من إخوانك فاطلب له تسعين عذرًا؛ فإن لم يقبل ذلك فأنت المعيب».
*معاشرة المؤمن: ومنها معاشرة الموثوق بدينه وأمانته ظاهرًا وباطنًا. قال تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ (المجادلة: من الآية 22).
وللمعاشرة أوجه: – فللمشايخ والأكابر: بالحرمة، والخدمة، والقيام بأشغالهم. – وللأقران والأوساط: بالنصيحة وبذل الموجود، والكون عند الأحكام ما لم يكن إثمًا. – وللمريدين والأصاغر: بالإرشاد والتأديب، والحمل على ما يوجبه العلم، وآداب السنة وأحكام البواطن، والهداية التي تقويها بحسن الأدب.
*الصفح عن العثرات: ومنها الصفح عن عثرات الإخوان، وترك تأنيبهم عليها. قال الفضيل بن عياض: «الفتوة الصفح عن عثرات الإخوان؛ فكما يجب على العبد الأدب مع سيده يجب عليه معاشرة مَن يعينُه عليه”، قال بعض الحكماء: «المؤمن طبعٌ وسجية»، وقال ابن الأعرابي: «تناسَ مساوئ الإخوان يَدُمْ لك وُدُّهم».
وواجبٌ على المؤمن أن يجانب طلاَّب الدنيا؛ فإنهم يدلونه على طلبها ومتعها؛ وذلك يبعده عن نجاته ويقظته منها، ويجتهد في عشرة أهل الخير وطلاَّب الآخرة؛ ولذلك قال ذو النون لمَن أوصاه: «عليك بصحبة مَن تسلم منه في ظاهرك، وتعينك رؤيته على الخير، ويذكِّرك بمولاك».
*موافقة الإخوان: ومنها قلة الخلاف للإخوان، ولزوم موافقتهم فيما يُبيحه العلم والشريعة. قال أبو عثمان: «موافقة الإخوان خيرٌ من الشفقة عليهم». الحمد على الثناء: ومنها أن يحمدهم على حسن ثنائهم، وإن لم يساعدهم باليد؛ لقوله ﷺ: «نية المؤمن أبلغ من عمله».
قال على كرَّم الله وجهه: «من لم يحمل أخاه على حسن النية، لم يحمده على حسن الصنعة». ومنها الا يحسدهم على ما يرى عليهم من آثار نعمة الله، بل يفرح بذلك ويحمد الله على ذلك كما يحمده إذا كانت عليه؛ فإن الله تعالى ذمَّ الحاسدين على ذلك بقوله: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ (النساء: من الآية 54)، وقال ﷺ: «كاد الحسد أن يغلب القدر»، وقال: «لا تحاسدوا». عدم المواجهة بما يكره: ومنها الا يواجههم بما يكرهون؛ فإن رسول الله ﷺ نهى عن ذلك.
*ملازمة الحياء: ومنها ملازمة الحياء على كل حال؛ لقوله ﷺ: «الإيمان بضعة وسبعون أو وستون بابًا؛ أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان»، وقال رجلٌ للنبي ﷺ: «أوصني» قال:«استحي من الله عزَّ وجل كما تستحيي رجلًا من صالح قومك»، وقال: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار». ومن المعاشرة صدق المروءة وصفاء المحبة؛ فإنها لا تتم إلا بهما.
*إظهار الفرح والبشاشة: ومنها بشاشة الوجه، ولطف اللسان، وسَعَة القلب، وبسط اليد، وكظم الغيظ، وترك الكبر، وملازمة الحرمة، وإظهار الفرح بما رزق من عشرتهم وأخوتهم.
*صحبة العالم العاقل: ومنها الا يصحب إلا عالمًا، أو عاقلًا فقيهًا حليمًا؛ قال ذو النون رحمه الله: «ما خلع الله على عبدٍ من عبيده خلعةً أحسن من العقل، ولا قلَّده قلادةً أجمل من العلم، ولا زينه بزينةٍ أفضل من الحلم، وكمال ذلك التقوى»، وقال ﷺ: «من سعادة المرء أن يكون إخوانه صالحين».
وبعد.. أيها الحبيب، هل هناك من علاقاتٍ اجتماعيةٍ بين الأفراد أو الأمم والجماعات في العلم أفضل من هذا أو أجلّ؟ إذًا فلماذا يُكره الإسلام؟ لأن الفساد هو القانون والأهواء هي الدساتير، والتسيب هي العادات والتقاليد؟ ولكن: إلى متى؟ إلى أن يكون هناك طهر وإيمان وفلاح وسلام، فينطق كل الناس قائلين: الحمد لله على نعمة الإسلام. الحمد لله على نعمة القرآن.