مفهوم العالمية في فكر الإخوان المسلمين

مفهوم العالمية في فكر الإخوان المسلمين

منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في الربع الأخير من القرن الماضي، وبروز نظام القطب الواحد بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، شهد ميدان العلاقات الدولية تحولا كبيرا في طبيعة العلاقات بين الدول المختلفة، والقوانين الناظمة لها، سواء على المستوى النظري أم على المستوى العملي، وتبلورت مفاهيم جديدة في العلاقات الدولية من الناحية النظرية.

أما من الناحية العملية، ورغم الحديث المتكرر عن حقوق الإنسان والقيم الديموقراطية، فقد شهد العالم تراجعًا واضحًا في الاحترام الفعلي لهذه الحقوق والقيم، لصالح القوة والهيمنة ذات القطب الواحد، وتقلصت مساحة السيادة القطرية أمام التدخل الخارجي تحت ستار المنظمات الدولية وكذلك برز التطبيق الانتقائي، حسب رغبة الدول الكبرى، للقوانين الدولية فيما يعرف بسياسة الكيل بمكيالين، والتي أضحت وللأسف أحد معالم السياسة الدولية الراهنة، حيث تشكل منطقتنا العربية أوضح دليل على فسادها.

إلا أن المؤكد أن سياسة القطب الواحد لا تحظى بالقبول لدى معظم دول العالم، وتتبلور-على درجات- ملامح قوى إقليمية عدة تسعى للتخلص من سياسة الهيمنة هذه، ولتشكيل مداراتها المستقلة، وأبرزها مجموعة دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك مجموعة دول الآسيان ومجموعة دول البريكس. وغيرها.

وفي ظل هذه الأوضاع وبالرغم من كل هذه السلبيات فإن (الإخوان المسلمون) ومنذ نشأتهم يؤكدون دوما أنهم يريدون الخير للعالم كله وأنهم ينادون بالوحدة العالمية لأن هذا هو مرمى الإسلام وهدفه، ومعنى قول الله تبارك وتعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)) الأنبياء.
وقد جعل الإمام البنا فكرة (العالمية) الحلقة الأخيرة في مشروعها الحضاري للإنسانية جمعاء.

وحددت الجماعة (غايتها العظمى) من مفهومها للعالمية في:
«أما العالمية أوالإنسانية فهى هدفنا الأسمى وغايتنا العظمى وختام الحلقات في سلسلة الإصلاح والدنيا صائرة إلى ذلك لإمحالة فهذا التجمع في الأمم والتكتل في الأجناس والشعوب وتداخل الضعفاء بعضهم في بعض ليكتسبوا بهذا التداخل قوة وانضمام المفترقين ليجدوا في هذا الانضمام أنس الوحدة، كل ذلك ممهد لسيادة الفكرة العالمية وحلولها محل الفكرة الشعوبية القومية التي آمن بها الناس من قبل، وكان لا بدَّ أن يؤمنوا هذا الإيمان لتتجمع الخلايا الأصلية ثم كان لا بدَّ أن يتخللوا عنها لتتالف المجموعات الكبيرة ولتتحقق بهذا التآلف الوحدة الأخيرة وهي خطوات إن أبطأ بها الزمن فلابد أن تكون وحسبنا أن نتخذ منها هدفا وأن نضعها نصب أعيننا مثلا وأن نقيم في هذا البناء الإنسانى لبته وليس علينا أن يتم البناء فلكل أجل كتاب».

ويشير الإمام إلى أن العلاقة مع الشعوب والدول الأخرى تقوم أساسا على: (الدعوة)، والتعاون لخير الإنسانية، فيقول عن ذلك:
«وقوم ليسوا كذلك (أى ليسوا مسلمين) لم نرتبط معهم بعد بهذا الرباط (أى الإسلام)، فهؤلاء نسالمهم ما سالمونا، ونحب لهم الخير ما كفوا عدوانهم عنا، ونعتقد أن بيننا وبينهم رابطة، هي رابطة (الدعوة)، علينا أن ندعوهم إلى ما نحن عليه؛ لأنه خير الإنسانية كلها، وأن نسلك إلى نجاح هذه الدعوة ما يحدد لها الدين نفسه من سبل ووسائل، فمن اعتدى علينا منهم رددنا عدوانه بأفضل ما يُرد به عدوان المعتدين».
ويقول أيضا: «إن الإخوان يريدون الخير للعالم كله». رسالة: المؤتمر الخامس.
ويقول: «نريد السلام للعالم كله». رسالة: اجتماع رؤساء المناطق.
ويقول: «نحب ونتعاون مع الغير». رسالة: المؤتمر السادس.

ويتلخص مفهوم (العالمية) في فكر جماعة الإخوان المسلمين في الجوانب التالية:
1- الدعوة إلى الأخوة الإنسانية والوحدة العالمية.
2- نبذ العنصرية الجنسية والعرقية.
3- الدعوة إلى نظام عالمى جديد ولكن على أسس عادلة.
4- احترام القانون الدولي بشرط تنفيذه بعدالة ومساواة.
5- الإيمان بالناتج الحضارى وأخذ النافع المفيد من الآخرين.

أسس قيام الوحدة العالمية:
الأسس التسعة لمفهوم العالمية والنظام العالمى:
1- أخص خصائص الدعوة أنها عالمية.
«وأما أن دعوتنا عالمية فلأنها موجهة إلى الناس كافة لأن الناس في حكمها أخوة: أصلهم واحد، وأبوهم واحد، ونسبهم واحد، لا يتفاضلون إلا بالتقوى وبما يقدم أحدهم للمجموع من خير سابغ وفضل شامل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)) (النساء). 

فنحن لا نؤمن بالعنصرية الجنسية، ولا نشجع عصبية الأجناس والالوان، ولكنا ندعو إلى الأخوة العادلة بين بني الإنسان. يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)) (الحجرات). ويقول نبيه ﷺ: (ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من مات على عصبية) رواه أحمد من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه» (رسالة دعوتنا في طور جديد).

2- تحقيق الأخوة العالمية.
«ولقد جاء الأسلام الحنيف يقرر أعدل المبادئ وأقوم الشرائع الربانية ويسمو بالنفس الإنسانية، ويقدس الأخوة العالمية.» (رسالة المناطق).

3- المساهمة في السلام العالمى وبناء الأخوة العالمية.
«فمن دعوتكم أيها الأخوة الأحبة أن تساهموا في السلام العالمي، وفي بناء الحياة الجديدة للناس بإظهارهم على محاسن دينكم وتجلية مبادئه وتعاليمه ولهم، وتقديمها إليهم بعد هذا الظمأ القاسي الذي التهبت به أكبادهم في هذه الحياة المادية الميكانيكية القاسية».
(رسالة المناطق).

4- احترام القانون الدولي في السلم والحرب.
«السياسة الخارجية في المفهوم الإسلامي. توجيه الدول كلها إلى السلام العالمي وهو ما يسمونه (القانون الدولي). فإن الإسلام قد عنى بذلك كل العناية وأفتى فيه بوضوح وجلاء، والزم المسلمين أن يأخذوا بهذه الاحكام في السلم والحرب على السواء، ومن قصر في ذلك وأهمله فقد جهل الإسلام أو خرج عليه». (رسالة في مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين).

5- التعهد بكفالة الحقوق الدولية (ميثاق الشرف الدولي).
«إن سياسة الإسلام داخلية أو خارجية تكفل تمام الكفالة حقوق غير المسلمين، سواء أكانت حقوقًا دولية أم كانت حقوقًا وطنية للأقليات غير المسلمة، وذلك لأن شرف الإسلام أقدس شرف عرفه التاريخ، والله تبارك وتعالى يقول: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)) (الأنفال)، ويقول: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)) (التوبة)، ويقول تعالى: (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)) (الأنفال)». (رسالة في مؤتمر طلبة الأخوان المسلمين).

6- المحافظة على التعهدات وأداء الالتزامات.
7- البر والاحسان بين المواطبين وإن اختلفت عقائدهم.
8- تحريم العنصرية والعصبية الطائفية.
9- اعتماد سياسة التعاون والتحالف والصادق.

وحول الدور الذي يمكن أن نؤديه في مرحلتنا هذه نحو هذا الهدف الأسمى:
يقول الإمام: «وحسبنا أن نتخذ منها هدفًا وأن نضعها نصب أعيننا مثلًا، وأن نقيم في هذا البناء الإنسانى لبنة وليس علينا أن يتم البناء فلكل أجل كتاب» رسالة: دعوتنا في طور جديد، ص231

الوحدة الإنسانية: في مفهوم الإخوان المسلمين
أن الإسلام في نظرته التوحيدية وتأكيده حقيقة وحدة الأديان السماوية في مصدرها وفي جوهرها، ودعوته إلى الإيمان بجميع الرسل بلا تفريق بينهم ولا تعصب، إنما يدعو جميع الشعوب إلى وحدتها الإنسانية الكبرى، على قاعدة وحدة القيم الأساسية والأخوة الإنسانية والتعاون على البر.

فهي دعوة إلى الوحدة العالمية والأخوة الإنسانية تستمد حيويتها من عقيدة إلهية ذات شريعة عالمية متوازنة القيم، لا تتجزأ فيها الحرية والعدالة ولا تتنافران. فلا حرية بلا عدالة، ولا عدالة بلا حرية.

ولا يستعبد فيها الأفراد باسم الجماعة، ولا المجموع لصالح بعض الأفراد.فلا حرية ولا كرامة لجماعة أفرادها عبيد لحكام غير مسؤولين، ولا سلام لشعوب تفصل بينها هوة في مستوى المعيشة أو تمزقها صراعات عنصرية أو طبقية أو مذهبية.

وهذه الدعوة إلى وحدة الإنسانية، كانت جوهر وأساس التصور الإسلامي للمجتمع الدولي. . وفي هذا يقول الإمام حسن البنا:
«إن الإسلام الذي قدس الوحدة الإنسانية العامة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا). ثم قدس الوحدة الدينية العامة كذلك فقضى على التعصب وفرض على أبنائه الإيمان بالرسالات السماوية جميعاً في قوله تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)) (البقرة).

هذا الإسلام الذي بنى على هذا المزاج المعتدل والإنصاف البالغ لا يمكن أن يكون أتباعه سببا في تمزيق وحدة متصلة بل بالعكس إنه أكسب هذه الوحدة صفة القداسة الدينية بعد أن كانت تستمد قوتها من نص مدني فقط وقد حدد الإسلام تحديدا دقيقا من يحق لنا أن نناوئهم ونقاطعهم ولا نتصل بهم فقال تعالى بعد الآية السابقة (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)). (الممتحنة)
ومع هذه الروابط فإن الإخوان المسلمون يريدون الخير للعالم كله فهم ينادون بالوحدة العالمية لأن هذا هو مرمى الإسلام وهدفه ومعنى قول الله تبارك وتعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)) الأنبياء».

الأمة الإسلامية.. ومقولة صراع الحضارات:
نظرة الإسلام في التعامل مع الدول والحضارات الأخرى تقوم أساسا على: الدعوة وإبلاغ رسالة الإسلام للجميع، وتشجيع التعاون والتعارف، والتنسيق بين شعوب العالم المختلفة وفق قيم العدل ومعانى الإنسانية النبيلة، وهي تعطى لكل ذى حق حقه.

والحضارة الإسلامية يتسع صدرها لكل شعوب العالم وحضارته وقيمه الخاصة به، وحقه في أن يعتز كل منها بقوميته، دون اعتداء على الآخرين، وهي تزن رصيد وتراث وحضارات هذه الأمم بميزان الإسلام وقيمه، فما وافق منها مبادئ الإسلام أقرته، وما خالفها أوضحت رأيها فيه، وهي تأخذ بالنافع المفيد مما فيه عمران الأرض والكون، وتصبغه بصبغتها الإسلامية، وتوجهه التوجيه النافع الصالح لها وللبشرية.

وأمة الإسلام تدرك سنة التدافع في الكون، وأنه لا بدَّ للحق من دعاة يحملونه، وأمة تتبناه، وتقرّ مبادئه، وتؤمّن له الحرية والحماية، وتدفع الاعتداء والظلم في الأرض.

وموقفها من صراع الحضارات أنه صراع مصطنع من حملة الباطل وقوى الظلم والاستبداد، وهي تدعو إلى استبداله بالاتفاق على القيم والمثل الإنسانية، وأن تكون حضارة الإنسان منطلقها الإيمان والأخلاق والا نعبد إلا الله، وأن تقوم حضارة الإسلام – التي تحمل نموذج الهداية المستمد من الشريعة الربانية – بدورها في الدعوة والهداية البشر والوصول بالإنسانية إلى الرقى الحضارى الإيمانى.

وأمة الإسلام تضع ميزان التعامل بالمثل مع الآخرين، وتحفظ لأمتها العزة والكرامة، فمن سالمها سالمته، ومن عاداها واعتدى عليها ردَّت عليه الاعتداء، وأوقفت تجاوزه وظلمه.

وهي تعى دروس التاريخ وتعلم جيدا القوى التي تواجه الدعوة وطبيعتها منذ أول يوم، وقد فصل لنا القرآن وأحاديث الرسول ﷺ طبيعة هذا الصراع ومراحله، وأنه محاولة من الباطل والشيطان وجنده لمواجهة نور الحق ومنهج الإسلام ومن يحمله، وأنه لا محالة سيكون الباطل مهزوما بوعد الله وقدره، إذا أخذنا نحن بأسباب الثبات والنصر التي قدرها الله، (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)) (الإسراء).

لكن هذا الصراع العنيف لا يجعل أمة الإسلام تشتط أو تتجاوز أو تظلم وتعتدى (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ) (المائدة، من الآية: 8).
يقول الإمام الشهيد: «قرر الإسلام سيادة الأمة الإسلامية وأستاذيتها للأمم في آيات كثيرة من القرآن. ثم أوجب على الأمة المحافظة على هذه السيادة وأمرها بإعداد العدة واستكمال القوة حتى يسير الحق محفوفا بجلال السلطة كما هو مشرق بأنوار الهداية (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) (الأنفال: من الآية 60)». رسالة: مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين، ص163.

ويقول أيضا: «ومعنى هذا أن القرآن الكريم يقيم المسلمين أوصياء على البشرية القاصرة، ويعطيهم حق الهيمنة والسيادة على الدنيا لخدمة هذه الوصايا النبيلة، وإذن فذلك من شأننا لا من شأن الغرب، ولمدنية الإسلام، لا مدنية المادة.». رسالة: إلى أى شيء ندعو الناس، ص35.
وهـذه الخيـريـة لأمـة الإسلام (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران: من الآية 110) – مشروطة باتباع منهج الله وأداء رسالة الإسلام، فهي خيرية دعوة ومنهج، وليست خيرية جنس أو قوم أو عصبية.
هذه هي الرسالة والمهمة التي صارت إليها أمة الإسلام، بعد رسول الله ﷺ، وسادت بحضارتها الإسلامية الدنيا كلها، وأن على الأمة الآن طريقا طويلا من الجهاد لتحقيق هذه الغاية كما يقول الإمام الشهيد: «وإنما عليها أن تعد نفسها لكفاح طويل عنيف، وصراع قوى شديد بين الحق والباطل، بين النافع والضار، وبين صاحب الحق وغاصبه، وسالك الطريق وناكبه، وبين المخلصين الغيورين والأدعياء المزيفين، وأن عليها أن تعلم أن الجهاد من الجهد، والجهد هو التعب والعناء.

وليس للأمة عدة في هذه السبيل الموحشة إلا: النفس المؤمنة، والعزيمة القوية الصادقة، والسخاء بالتضحيات، والإقدام عند الملمات، وبغير ذلك تُغلب على أمرها ويكون الفشل حليف أبنائها». رسالة: هل نحن قوم عمليون، ص69.

حوار الحضارات
ومن هنا تعتبر الجماعة حوار الحضارات أفضل السبل للتعرف على الأفراد وأنجع وسيلة للاتصال بين الأمم بدل العنف والصدام الذي تدفع إليه بعض القوى في العالم ونسجل في هذا الإطار ما يلي:

ـ تعميق الحوار الإيجابي بين الحضارات واعتباره خيارا استراتيجيا بالنسبة للحركة.
ـ تثمين حوار الحضارات بإبراز الصورة الصحيحة للإسلام المعتدل وتنزيه الدين الحنيف مما الصق به من تهم التطرف والإرهاب ورفض الآخرين.
ـ توسيع قواعد التعايش مع مختلف الحضارات ضمن الأسس الإسلامية وخصائصه العليا.

تحدي العولمة
إن العولمة في فضائها الفكري العام لا تعني أكثر من بناء جسور عبور يمكن أن تكون إيجابية تعزز المشاركة الإنسانية، والتفاعل الإنساني إذا ما سادت الحركة عليها الحرية والتكافؤ في الوسائل والأساليب، كما يمكن أن تكون سلبية مدمرة إذا ما كانت حكرا على الفاسدين والمفسدين.

أما العولمة في إطارها الواقعي المفروض على الإنسانية اليوم، فهي نوع من التبعية الظالمة التي يفرضها الأقوياء على الضعفاء، والأغنياء على الفقراء.
وإن دمج العالم ثقافيا وسياسيا واقتصاديا، وطمس خصوصيات الأمم والشعوب في مطحنة السلع الرأسمالية، ليشكل غولا يتهدد المصير البشري، ليس لمصلحة ثقافة، ولا أمة، وإنما لمصلحة فئة محدودة منهومة، لا يكاد يقيد مسيرتها قيد أو رادع.

إن التطور التقاني الهائل للحضارة المادية والذي جعل عملية الإنتاج على جميع مستوياتها في غنى عن الإنسان، قد أنذر بأزمة مدمرة، فجاءت العولمة، وبدلا من أن تقدم حلا حقيقيا، فقد رحلت الأزمة لمصلحة ثلة من المتنفذين، هي الشركات العملاقة، والتحالفات الاحتكارية التي تجعل الناس أدوات استهلاكية تساهم في تحول إنتاج العالم وثرواته أجمع إلى أيدي 1% من سكان الأرض! .

وإن كنا لا نقدر على منع هذا الطوفان (العولمة) فيمكننا أن نجاريها مجاراة واعية.
وهنا لا بدَّ من الرقي من اطر الوطنية القطرية الضيقة إلى الأمن العربي والإسلامي الأوسع، بتشجيع الكيان الاقتصادي والسياسي الإسلامي العالمي، والإسهام في نهضته.

ويمكن أيضا التحرك للمشاركة في مؤسسات المجتمع المدني على المستوى العالمي لتكون عبرها حماية القيم الإنسانية، والحفاظ على استقرار المجتمعات الإنسانية، وحشد القوى الجماهيرية حول هذه المؤسسات.
ويمكن أيضا معالجة التحدي الثقافي (أكبر تحديات العولمة) المتستر – بالحرية الفردية – عبر خطوات أربع:
* عودة الأمة إلى حقيقتها العقائدية الصلبة، وإشهار هويتها العربية الإسلامية.
* التركيز على بناء الإنسان والمجتمع للوقوف بقوة في وجه الاجتياح الثقافي.
* إظهار شعورنا الإنساني بالقوة وبالقدرة على استخدام جسور العولمة في الاتجاه المكافئ الصحيح.
* التفاعل مع التيار العالمي المناهض للعولمة والذي بدأ يأخذ شكلا منظما ومتناميا، ويطالب بنظام دولي جديد يتحدى القوة المهيمنة على العالم.

وبعد، هذا كتابنا في يميننا، وهذه شهادتنا بالحق على أنفسنا، وهذه دعوتنا بالحكمة والموعظة الحسنة إلى صفحة جديدة في علاقات الناس والشعوب، تنتزع بها جذور الشر ويفئ بها الجميع إلى ساحة العدل والحرية والسلام.
والله أكبر ولله الحمد

——————————

اترك تعليقا