النَّاس والقُرآن

النَّاس والقُرآنحديث نادر للإمام حسن البنا – رحمه الله

يروى لنا الأستاذ عباس السيسي – رحمه الله – في كتابه: (حسن البنا مواقف في الدعوة والتربية) الكثير من المواقف التي عايش فيها الشيخ حسن البنا – رحمه الله -، ومنها هذا الحديث الذى ألقاه الأستاذ الإمام حسن البنا في أثناء زيارته للإسكندرية، بأحد مساجدها فى ذكرى مولد المصطفى ، يقول الأستاذ عباس السيسي:

«استقبلنا الإمام حسن البنا على محطة السكة الحديد بالإسكندرية قبيل المغرب في يوم من عام 1937م، حيث كان على موعد ليلقي كلمة في الاحتفال بذكري مولد الرسول في (مسجد نبي الله دانيال)، وكنا في هذا الوقت قلة من الشباب، حتى إذا دخلنا المسجد وقف جمهور المصلين في دهشة واستغراب، فإنهم لأول مرة يشاهدون شباباً يدخل المساجد، فهم جميعاً من المعمرين الذين تجاوزت أعمارهم الستين عاماً».

وتحدث الأستاذ المرشد العام فقال:
«إن مولد رسول الله بدأ بنزول القرآن الكريم فلولا هذا الكتاب ما عرف المسلمون شخصية الرسول العظيم لهذا كان لزاما علينا أن نتعرف على هذا الكتاب الكريم. 

إن مثل كتاب الله كمثل ساعة بعض الناس يتركونها فيلعبون بها ولا يعرفون قيمتها وبعض الناس يستفيدون من إصلاحها وآخرون هم الذين يستعملونها في الغرض الذي صنعت من أجله وهكذا كتاب الله تعالي بعض الناس يعقلونها على الأبواب وبعضهم يضعه تحت وسادته عند النوم وهؤلاء كالأطفال، وآخرون يقرؤونه في الحفلات أو المقابر وهؤلاء هم الذين يتقاضون أجرا عليه وقليل من الناس يتعامل مع القرآن فيشرحه ويعلمه ويلتزم بتعاليمه وهؤلاء هم الذين يضبطون به حياتهم ويجاهدون به في سبيل إقامة دولة القرآن لذلك فنحن نعمل جاهدين لكي يصبح القرآن دستورنا

لا دستور لنا إلا القرآن فلم ينزل القرآن من علياء السماء على قلب محمد ليكون تميمة يحتجب بها أو أوراد تقرأ على المقابر وفي المآتم أو ليكتب في السطور ويحفظ في الصدور فقط، أو ليحمل أوراقا ويهمل أخلاقًا أو ليحفظ كلاما ويهجر أحكاما وإنما نزل ليهدي البشرية إلى السعادة والخير (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16)). المائدة

أليس من العيب أيها المسلمون أن ترضوا بأحكام الأفرنج ولا ترضوا بحكم الله مع أن الله تعالي قد وصم كل أمة لا تحكم بأحكام كتابه بالفسق فقال: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)) المائدة، بل جعل الفسق هيناً فوصمها بالظلم (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)) المائدة، إن مثلكم أيها المسلمون عندما تركتم كتاب الله ورائكم كمثل الرجل الذي بيده المصباح، فيأبى إلا أن يطفئه ويلتمس غيره عند العميان.

وأن مثل موقف الناس اليوم من كتاب الله تعالي كمثل جماعة أحاط بهم ظلام من كل جانب فساروا على غير هدي يخبطون خبط عشواء من أن في أيديهم مفتاح كهرباء لو وصلت إليه أصابعهم فبحركة بسيطة يستطيعون أن يضيئوا مصباحا قويا زاهرا مثل موقف الناس اليوم من كتاب الله. وأن العالم الآن، قد غشيته موجة مادية فجعلته كسفينة حار ربانها وأتت عليها العواصف من كل جانب، فالإنسان قلقة معذبة، قد اكتوت بنيران المطامع والأغراض فهي حاجة إلى عذب من مدي القرآن يغسل عنها أوضار الشقاء ويأخذ بها إلى السعادة.

وإن علماء القانون عندما تركوا القرآن، واتجهوا إلى غيره: مثلهم كمثل الرجل الذي تكدست خزائنه بالأموال، ثم يتجه إلى المرابين ليفترض منهم بأفحش الفوائد الربوية ولا يفعل ذلك عاقل أبداً.

ويحي على سـاسة القـانون ويحهـم .. على جهـود أضـاعوها وما وجـدوا
وبين أيديهــم القــرآن يوردهـم .. أسمي المنــاهج والأحكـام لو وردوا

أيــها المســلمون
ليس من العجب أن هؤلاء الغربيين الذين لم يفتح الله بصائرهم علي نور القرآن الكريم يسيرون علي غير هدي لأن الله تعالي يقول: (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (40)) النور، ولكن العجب في هؤلاء المسلمين، الذين لا يخلو جيب من جيوبهم ولا بيت من نسخة من كتاب الله تعالي. هؤلاء المسلمون، استطاع الغربيون أن يبعدوهم من نور قرآنهم وهدي نبيهم، تارة بالشهوات وطورا بالقوة والعلم (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)) الروم، حتى أصبح المسلمون كما أخبر المصطفي إذ يقول: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه» قالوا: اليهود والنصارى يا رسول الله. قال: «فمن غيرهم».

هذا مع أن الله تعالي حذر المسلمين من ذلك فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)) آل عمران.

عجباً عجباً!!

أن دعا الغرب للفوضى أستجيب له .. وتنزووا إن دعـا القـرآن والرشـد
يا لهف نفسي على القرآن قد غـدا .. يـودي بأحكامـه أبنــاؤه العـقـد
العــالم العربي اليـوم في محـن .. تشـقيه فوضـى عليها الغرب يعـتمد

هذا القرآن الكريم الذي اتخذناه نحن الإخوان المسلمين قانونا لنا ودستورا نستمد منه نورا ونستلهم منه رشدا، فهو المنقذ حين تترى الخطوب والمحن، وهو المخرج من ربقة الذل وضلال الفتن، وهو الصالح لكل جيل في أي عهد أو زمن». انتهى كلام الإمام البنّا.

—————————–

اترك تعليقا