
في تفقد أحوال الإخوان – د. محمد حامد عليوة
- zadussaerinweb@gmail.com
- أكتوبر 2, 2020
- أخلاق وقيم تربوية
- 0 Comments
في تفقد أحوال الإخوان – د. محمد حامد عليوة
قال عطاء بن أبي رباح: «تفقَّدوا إخوانكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودوهم، أو مشاغيل فأعينوهم، أو نسوا فذكِّروهم».
تفقدوا إخوانكم قبل أن تفقدوهم، فمنهم المريض، ومنهم الشريد، ومنهم صاحب الديّن، ومنهم من لا يجد عملاً، ومنهم من عنده الهموم والأوجاع.
تفقدوهم ولو بكلمة، ربما تكون سبباً في تخفيف ألم أحدهم أو تشد من أزره أو تكون سبباً في رفع الكرب عنه.
تأمل حديث النبي ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».
ومن الوظائف الأساسية للمربي على طريق الدعوة؛ أن يتفقد إخوانه فردًا فردًا، وأن يسعى بمصالحهم، ويتأمل كل شأن من شؤونهم بلا تبرم، وبكل حب وسرور. وليضع نُصب عينيه دائماً توجيه الإمام البنا: «وللقيادة في دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية، والأستاذ بالإفادة العلمية، والشيخ بالتربية الروحية، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة، ودعوتنا تجمع هذه المعاني جميعاً». رسالة التعاليم.
تدبر حال صَحبك
يقول ابن عطاء السكندري – رحمه الله: «اعلم أن المجانسة تكون بالمجالسة إن جلست مع المسرور سُرِرت، وإن رافقت الغافلين غفلت وإن جلست مع الذاكرين لله ذكرت. فتبَصر أمرك وتدبر حال صَحبك، وإن وفقك الله إلى صُحبة طيبة فأكثر من شُكر الله على هذه النعمة العظيمة، ولا تصاحب من لا يدلك على الله».

حال الإمام حسن البنا بين إخوانه
ولنتأمل كيف كان حال الداعية المربي المصلح حسن البنا بين إخوانه ومحبيه: يحكى (الأستاذ أحمد عادل كمال) أحد رجالات الدعوة الذين عاصروا وعايشوا الإمام حسن البنا فيقول عنه: «حضرت معه في ثلاث سنوات ثلاثين كتيبة، وكان يصلي بنا الجمع، ويخطب العيدين، ويقوم بنا التراويح في رمضان، ويعقد بين الإخوان عند زواجهم، ويستقبل مواليدهم، ويسميهم ويدعو لهم، يتعهد المنقطع، ويتفقد الغائب، ويعود المريض، ويمشي في جنازتهم، ويحضر كتائبهم، ويبيت في معسكراتهم، لا يتخلف عن اجتماعاتهم إلا لعذر قاهر، يؤثرهم بمودته ومساعدته دائما، وكنا نبادله الحب من أعماق قلوبنا».
تركته حتى يأتيني يمدّ يديّه:
يُروى أن أحد الدعاة والمربين، طرق بابه يومًا أحد إخوانه ومريديه، فلما أدخله وجلسا، قال له أخاه المتربي: «لم أدفع المصروفات الدراسية لأولادي، والمدرسة تطالبني بالسداد، فجئتك أسأل إن كان متاح لديك ما أقترضه على أن أرده عاجلًا حين تتيسر أموري»، فتأثر المربي بالموقف، فدخل وأحضر المبلغ المطلوب، وأعطاه لأخيه الذى أخذه ممتنًا ثم انصرف، وبعد انصرافه دخل صاحب البيت غرفته وأجهش في البكاء.
فلما رأته زوجه في هذه الحالة سألته: «ما يبكيك وقد فعلت خيراً بعونك لأخيك وقضاء حاجته؟»، فقال لها زوجها (المربي): «أبكى على تقصيري في حق أخي، فقد كان أولى به أن أقوم بواجب المسئولية نحوه وأتفقد حاله، وأحافظ على ماء وجهه، ولا أتركه يأتي ويمد يده ويسألني حاجته».

وختامًا:
والتفقد له معنى شامل، فلا يقتصر على تفقد المربي لإخوانه في أمورهم الحياتية والمعيشية، ولكن المعني يتسع فيشمل تفقد أحوالهم الدراسية إن كانوا طلابًا، وتفقد أحوالهم العبادية من باب التذكير والتنبيه والتعاون على طاعة الله، لا من باب المراقبة والمحاسبة والبحث عن القصور والتقصير، فلا مانع من المعاونة على أمر العبادة، فقد كان ﷺ يتفقد صحابته في أمور العبادات والطاعات، فيسأل: «من منكم أصبح اليوم صائمًا؟»، «من منكم تصدق اليوم بصدقة؟»، «من منكم زار مريضًا اليوم». وهكذا في تفقده لأحوال صحابته. وكذلك نراه ﷺ يسأل حارثة، «كيف أصبحت يا حارثة؟» وهكذا، مما يدل على أن التفقد ومتابعة الأحوال هدي نبوي وسلوك تربوي.
ومن الجوانب التى يشملها التفقد أيضًا أحوال البيت المسلم، وكيف ننهض به، وأحوال الأولاد الدراسية والصحية، ومدى تفاعلهم مع برامج وأنشطة الدعوة. هذا كله إلى جانب متابعة أحوال الأخ الدعوية وواجباته الحركية ليطمئن المربي على أخيه، ويعينه في حاله إذا تطلب الأمر.
تفقد الأحوال من آداب الصُحبة
ومن أدب الصحبة تفقد أحوال الأصحاب بالسؤال عنهم والاطمئنان عليهم، وإسداء النصيحة لهم، وإعانتهم على الخير، وزيارتهم، والسعي لحل مشكلاتهم الشخصية والاجتماعية وغيرها.
ولنا في قصة المؤاخاة بين سلماء وأبي الدرداء العبرة والعظة، فعن عون بن أبي جُحيفة عن أبيه قال: آخى النبيُّ بينَ سلمانَ وأبي الدرداء، فزارَ سلمانُ أبا الدرداء، فرأي أمَّ الدرداء متبذلةً، فقال لها: ما شأنُك؟ قالت: أخوكَ أبو الدرداء ليس لهُ حاجةٌ في الدنيا. فجاءَ أبو الدرداء فصنعَ لهُ طعامًا، فقال له: كُل، قال: فإني صائمٌ. قال: ما أنا بآكلٍ حتى تأكُلَ. قال: فأكلَ، فلما كان الليلُ ذهبَ أبو الدرداء يقومُ، قال: نمْ، فنام، ثم ذهب يقومُ، فقال: نَم. فلما كان من آخر الليل قال سلمانُ: قُمِ الآن. فصَلَّيا، فقال له سلمانُ: «إن لربِّك عليك حقًا، ولنفسكَ عليكَ حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعطِ كل ذي حق حقَّه»، فأتى النبي ﷺ فذكر ذلك له، فقال له النبي: «صَدَق سلمانُ» (1).
وقد أورد الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه (فتح الباري) جملة من الفوائد التي يمكن الخروج بها من هذا الحديث، فذكر: «وفي الحديث من الفوائد: مشروعية المؤاخاة في الله، وزيارة الإخوان والمبيت عندهم، وجواز مخاطبة الأجنبية للحاجة، والسؤال عما يترتب عليه مصلحة وكان في الظاهر لا يتعلق بالسائل، وفيه النصح للمسلم وتنبيه من أغفل» (2).
عن كعب بن عجرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة؟ النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والصِّديق في الجنة، والمولود في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر في الجنة» (3).
(1) أخرجه البخاري، في كتاب الصوم، باب: من أقسم على أخيه.
(2) فتح الباري في شرح صحيح البخاري (4/ 211).
(3) حديث حسن. أخرجه الدارقطني في الأفراد، والطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2604).