
وقفة دعوية وتربوية (مع وسائل التواصل الاجتماعي)
- zadussaerinweb@gmail.com
- أكتوبر 18, 2020
- التربية الدعوية
- 0 Comments
وقفة دعوية وتربوية (مع وسائل التواصل الاجتماعي) – بقلم: د. محمد حامد عليوة
لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، فهي نعمة كبيرة وساحة واسعة يستطيع الدعاة والمصلحون أن يستثمروها لخدمة دعوتهم ونشر فكرتهم، وقد صدق رسولنا الكريم ﷺ حيث قال: «الحكمة ضالة المؤمن أنا وجدها فهو أحق الناس بها».
وبالتالي فإمكانية الإفادة من هذه الوسائل والأساليب الحديثة في التواصل كبيرة جدًا إن أحسنا الانتفاع بها وحُسن توجيهها.
والعكس صحيح فقد تتحول هذه الوسائل إلى وبال وعبء على من يستخدمها؛ فمن تستهويه ويُضيّع وقته وعمره معها في اتصالات ومتابعات وإعجابات لا فائدة من ورائها، ويفرط بسببها في طاعات وأداء واجبات، فهو هنا يحولها من نعمة إلى نقمة.
وكذلك من يحولها إلى ساحة صراع وتنابز مع من يختلف معهم في الرأي، فهو بذلك يُسيئ استخدامها، ويُضيع محاسنها.
وسائل التواصل في ظلال محنة الدعوة
ورغم أن وسائل التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها (فيس بوك) كان لها الأثر الكبير في نشر كثير من جوانب وظلال المحنة التى تمر بها الدعوة، وبيان حقيقتها وكشف خباياها، وكيف يتعامل معها الدعاة، والرد على الأكاذيب التي يثيرها الخصوم والأعداء عن الدعوة والدعاة، فضلًا عما نشرته من صور الظلم والقهر والتنكيل الذى يتعرض له الدعاة والمصلحين خلال هذه المحنة، وفضح المجرمين الذين يحاربون الدعوة ويصدون عن سبيل الله.
كل ما سبق يُعد جانبًا نافعًا ومفيدًا لوسائل التواصل خلال هذه المحنة، لكن مع ذلك كانت هذه الوسائل (ولا سيما فيس بوك)، مجالًا لإثارة كثير من القضايا والخلافات، وميدانًا للتنابز والتجاوز من قِبل بعض المنتسبين للدعوة أوغيرهم، دون مراعاة لآداب وقيم وأخلاق التعامل التي تربينا عليها والتي يدعونا إليها منهج الإسلام.
من آفات وسائل التواصل
من آفات وسائل التواصل الاجتماعي، سرعة نقل ونشر الأخبار والأحداث دون تثبت من صدقها أو تبين من حقيقتها، فتشيع الأباطيل وتنتشر الشائعات، وما يترتب على ذلك من سوء الظنون وإيغار الصدور، وربما يتطور الأمر إلى سوء في الأدب وتجاوز في السلوك.
والنصيحة هنا: ألا تتعجل في الحكم على شيء حتى يستبين لك أمره، ولا تنشر خبرًا حتى تتيقن من حقيقته وصدق مصدره، لأن الكلمة التي تخرج بالأذى وتجافى الحقيقة لا تستطيع ردها إذا خرجت، وستتحمل وزرها أنت، ووزر من تأثر بها وعمل بمقتضاها، ولإن تتأخر في قول الكلمة أو نشر الخبر حتى تتبين من صدق ما تقول وتنشر، خير لك من أن تحمل أوزارك وأوزار من اتبعوك.
فلا تكن ناقلاً للأكاذيب، ولكن اجعلها تنكسر عندك ولا تمتد لغيرك، فتصبح بذلك حائل دون انتشار الزيف والضلال. والمسلم الحق مفتاح لكل فضيلة وخير، مغلاق لكل رزيلة وشر.
والمتأمل في قوله تعالى: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ)، يتبين له أن الأفاكين دائماً لا يُعملون العقل والفكر فيما يقولون وينقلون، ولكنهم بمجرد سماع الأمر بآذانهم تتلقفه ألسنتهم بالقول والنشر دون تبين، والعجيب في الأية أنها تشبه سرعة تفاعلهم مع الأباطيل والأكاذيب بأنهم يتلقونها بألسنتهم وليس بآذانهم، وهو دليل على غياب عقولهم وفساد طويتهم، نسأل الله العفو والعافية.
وأنا أعتقد أن من يقضون أغلب الأوقات (أمام وسائل التواصل الاجتماعي) في التهكم والنقد والتجريح ونشر الأكاذيب دون سند أو رَويّة ليس لديهم وقت لعمل جاد لخدمة قضيتهم ودعوتهم.

وأقول لهؤلاء: لو كُنتُم تنتمون للدعوة بصدق وتعملون لها بحق، لحرصتم على العمل بدلا من الجدل، ولجبرتم التقصير بدلا من الخيبة والتشهير.
وأقول لصاحب التأويلات: يا صاحب التأويلات والتفسيرات، خسرت بما افتريت، وأفصحت عما طويت، فهل تبينت مما كتبت؟، أو تثبتت فيما تجنيَّت؟
تبارز بقلمك إخوانك، وينالهم منك طول لسانك، وتطعن في نواياهم ببنانك!! فهلا حفظت الود والجميل، ونصحت بالحجة والدليل.
سامحك الله، أن تفتح أبواب الجدل رغم كثرتها، وتثير الفتن رغم قسوتها.
قل لي بالله عليك: ما الذى جنته يداك مما كتبت؟ وما الذي عاد عليك بعدما افتريت؟
إلى سلال المهملات ما أوّلت، وإلى مجاهل النسيان ما افتريت.
عتاب على بعض الأحباب
أعتب على بعض أحبابي، أن يجعلوا من صفحات التواصل نافذة للانتقاص من أحبابهم، أو صب اللوم على قادتهم، فالذي بيننا كبير، وما يربط بيننا قوي متين، والنصح والتناصح بيننا حق وواجب، وكل منَّا على ثغرة، فلا تكن يا أخي سبباً في فتح ثغرات في صفوف إخوانك وبناء دعوتك، ولكن سدد وقارب وانصح وثابر، ولا تمل بذل النصح فهو عبادة، وسفينتنا واحدة تحمل من بأعلاها ومن بأدناها، فحافظوا على سفينة الدعوة، حتى ترسوا بالجميع على بر الأمان، إما النصر والسيادة أو الشهادة والسعادة.
يا أحبة القلب، وزمرة الحق، ورفاق الطريق:
كلنا في ظلال المِحنة ذلك الرجل، إما شهيد أو طريد أو جريح أو سجين، وكلها في الحق بإذن الله. والأولى بِنَا في هذا الظرف الشديد؛ أن نتعافى ونتجاوز آثار المِحنة لنستكمل المسير إلى الله (بالتزام الطريق – وتضميد الجراح – وتطييب النفوس – والانشغال بالعمل – وحسن الاستعداد – والحرص كل الحرص على وحدة القلوب واستواء الصفوف – وتقدير أهل الفضل في السبق والصدق)، ولا نترك لشياطين الإنس والجن ثغرة ليفرقوا بها بين صفوفنا، ونتعالى فوق جراحنا إلى فتح قريب كما فعل رسولنا ﷺ وصحابته الأكارم بعد مُصاب يوم أحد، يوم أن اتكأ الصحابي الأكثر جرحًا على أخيه الأقل جرحًا تلبية لأمر الرسول القائد إلى حمراء الأسد، دون تلاوم أو تلاسن، فكان النصر والفتح.

وختامًا: وصية غالية لأحبة القلب:
أيها الفضلاء: أدعوكم لنجعل من وسائل التواصل الاجتماعي وفي المقدمة منها (فيس بوك):
1- ميدان بناء وتربية؛ لا هدم وتعرية.
2- همزات وصل؛ لا وصلات همز.
3- ساحة تقارب والتقاء؛ لا تنابز وازدراء.
4- نافذة دعوة وإرشاد، لا تراشق وإفساد.
5- إطلالة وعي وفكر، لا نافذة خداع ومكر.
6- أوقات عبادة واستقامة؛ لا ضياع وندامة.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
——————————