أثقال الدعوة لا يحملها إلا القوي

أثقال الدعوة لا يحملها إلا القوي –  د.عبد الله فرج الله

عن عثمان بن بزدويه، قال: كنت مع وهب بن منبه وسعيد بن جبير يوم عرفة، تحت نخيل ابن عامر، فقال وهب لسعيد: «يا أبا عبد الله ! كم لك منذ خفت من الحجَّاج؟».
فقال: «خرجت عن امرأتي وهي حامل، فجاءني الذي في بطنها وقد خرج الشعر من وجهه»، فقال له وهب: «إن من كان قبلكم كان إذا أصاب أحدهم بلاءٌ عدَّه رخاءً، وإذا أصابه رخاء عده بلاءً».(1)

وكان يقول لمن يحسب الأشياء على غير وجهها، ولا يتحمل تبعات الأمور: إن للنبوة أثقالًا ومؤونةً، لا يحملها إلا القوي، وإن يونس بن متى كان عبدًا صالحًا، فلما حُملت عليه النبوة تفسَّخ تحتها، تفسخ الربع عن الحمل – وهو الجمل الصغير الذي لا يستطيع الحمل – فرفضها من يده فخرج هاربًا، فقال الله لنبيه محمد : ﴿اصْبِرْ كَمَا صَبَر أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾، وقال: ﴿فَاصْبِر لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوْتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾.

أثقال الدعوة لا يحملها إلا القوي

فالنفوس القوية لا تزداد قوةً ولا تعظم هيبةً ولا تعلو مكانةً ولا تنبل شرفًا. إلا بالإيمان، وبمقارعة الخطوب، واقتحام الأهوال، وتحدي الصعاب، وتحمل المشاق.

ومن ظن أن المكانة العظيمة تتحقق بالسهل من الأمور فقد أخطأ، وهذه هي الحقيقة العظيمة التي أراد الإمام تثبيتها وتوصيلها إلى كل الذين يسيرون على درب محمد أن طريق العزائم الماضية، والهمم العالية، والنفوس الكبيرة. التي تتجلد وتتحمل وتصبر. فلا يستخفها طمع، ولا يحركها جشع، ولا يرهبها فزع.

هذه هي الحقيقة التي يجب أن يدركها السائرون إلى الله بصدق وجلاء، وعليهم قبولها، بلا خوف أو وجل أو تردد. فلا يصلح لهذا الشأن خائف أو متردد.

البلاء نعمة، والنعمة بلاء. الشدة رخاء، والرخاء شدة.

———————————-
(1) المصدر، البداية والنهاية، لإبن كثير، الجزء التاسع، (فصل أدرك وهب بن منبه عدة من الصحابة).
(*) وهب بن منبه اليماني: تابعي جليل، وله معرفة بكتب الأوائل، وهو يشبه كعب الأحبار، وله صلاح وعبادة، ويروى عنه أقوال حسنة، وحكم ومواعظ، وقد بسطنا ترجمته في كتابنا التكميل، ولله الحمد.قال الواقدي: توفي بصنعاء سنة عشر ومائة، وقال غيره: بعدها بسنة، وقيل: بأكثر، والله أعلم. (ابن كثير).

اترك تعليقا