إلى دعاة الإصلاح: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا)

إلى دعاة الإصلاح: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا)
بقلم: د. محمد حامد عليوة

الحمد لله تعالى القائل في كتابه العزيز: ﴿الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ (2)﴾ (العنكبوت)، القائل سبحانه: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)﴾ (إبراهيم)، والصلاة والسلام على سيد الداعين إلى الله على بصيرة والمجاهدين فيه بإحسان محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وبعد.

لقد هالنا جميعاُ ما يحدث لإخواننا وأحبابنا من أهل دعوة الإصلاح في دولة الامارات العربية الشقيقة، حيث يتعرضون الآن لأبشع هجمة أمنية وإعلامية بلغت ذروتها في 15 يوليو 2012 عندما أقدمت السلطات باعتقال (35) من الدعاة والمصلحين المشهود لهم بالخبرة والكفاءة وحسن السيرة، ما بين داعية وتربوي وإداري ورمز اجتماعي ورائد عمل خيري إلى آخر ميادين العمل المشرفة التي ينشط بها هؤلاء الأكارم. 

ولقد صدق فيهم ما قاله قوم لوط لآل لوط المؤمنين (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)) النمل.

وتستمر الهجمة وتتواصل حملات القمع وتقييد الحريات إلى أن تجاوز عدد المعتقلين حتى منتصف أكتوبر 2012 إلى نحو (63 معتقلأ) من خيرة العقول وزمرة الصالحين المصلحين. بل وترد أنباء عن سوء معاملة وتنكيل من قبل جهات الأمن بهؤلاء الشرفاء، بل وتلصق بهم التهم الباطلة، وتغلق منابر الخير ويضيق على الأحرار وكأن هذا النظام الأمني القمعي لم يعتبر ممن سقطوا من الطغاة والمفسدين. كل هذا في إطار حملة تشويه إعلامية واسعة من خلال جهاز إعلامى كاذب يزيف الحقائق ويثير الشبهات ويخوف الناس من هؤلاء الصالحين المصلحين، ليبرر للناس ما تقوم به السلطات من قمع للحريات.

إلى دعاة الإصلاح (استعينوا بالله واصبروا)

رسالة إلى الغائبين من دعاة الإصلاح
هي رسالة نرسلها إلى أحبتنا الصابرين المحتسبين من رجال دعوة الإصلاح بالإمارات، الذين غيبتهم السجون عن أهليهم وذويهم وأحبابهم، لا لذنب أذنبوه أو جريمة اقترفتها أيديهم، ولكن فقط لأنهم يحملون لواء الدعوة ويرفعون راية الإصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة، ولأنهم قالوا ربنا الله، قالوها وهم شرفاء مصلحون، يحملون الخير لبلدهم وشعبهم وللناس أجمعين.

نقول لهم:
أيها الأحبة الكرام: يعلم الله أنكم دائمًا في القلب، ونسأل الله الذي جمع قلوبنا على طاعته أن يجمعنا بكم دائمًا في الدنيا على محبته، وفي الآخرة على سرر متقابلين في مستقر رحمته.

أيها الأحباب: ما تتعرضون له من أذي على طريق الدعوة هو معلم من معالمها وسنة من سنن الله في الدعوات. وهذا أصدق دليل على حسن المسير، وما تتعرضون له من أذى هو حال أسلافكم على هذه الطريق.

أيها الأحباب: استعينوا بالله واصبروا وصابروا ورابطوا، وثقوا بعد ذلك بفرج الله القريب من عباده المحسنين.

أيها الأحباب: نحن على مشارف أيام مباركات وموسم من مواسم الطاعات، فساعات قلائل ويهل علينا شهر ذي الحجة بفيوضاته الربانية ونفحاته الإيمانية ومعانية التربوية في التضحية والفداء، لذلك ندعوكم إلى حسن استثمار الفرصة المتاحة في التقرب إلى الله بالطاعة والتوجه إليه بالدعاء أن يكشف عنكم الكرب ويزيل الهم ويجمعكم بأهليكم وذويكم على خير.

أيها الأحباب: يؤلمنا أن يأتى علينا عيد الأضحى ونحن بين أولادنا وأهلينا، وأنتم أحرارًا خلف الأسوار، قد حالت غياهب سجون الظلم عن مشاركتكم أولادكم فرحة العيد؛ ولكن سلوانا أن الله سبحانه في بيوتكم وأهليكم وأعراضكم، فهو سبحانه الخليفة في المال والأهل والولد، ولذلك اطمئنوا، لأنكم استودعتم الله أولادكم وأهليكم وأموالكم، وهو سبحانه لا تضيع ودائعه.

نقول لأهليهم وأولادهم وذويهم:
ثبتكم الله وربط على قلوبكم، إنكم في شرف عظيم أن تكونوا من أهل هؤلاء الكرام الأفاضل، الذين يدفعون ثمن الحرية لشعوبهم وأوطانهم.

ربوا أولادكم على التضحية والفداء لهذا الدين، واغرسوا فيهم حب الانتماء للدعوة والسير على طريق المصلحين.

أخبروا أولادكم وصغاركم أن آباءهم من الدعاة المصلحين الشرفاء أصحاب الرأي والفكر، وأن سجنهم في سبيل الله والدعوة والإصلاح وفعل الخير ليس تهمة ولكنه شرف ورفعة.

أيتها الأخوات، تماسكن أمام أولادكن وأزواجكن وأهليكن، واعلمن أن الفرج والأجر مع الصبر، ولا تشكلن بعدم التماسك أو القلق ضغطًا نفسيًا على من في المحنة، فما يريده الأعداء بسياساتهم هذه هي ترويعنا من السير على طريق الدعوة بأن نجزع ونخاف ونقلق ونخوف أولادنا وأهلينا.

يا أهل الأحبة الغائبين: تكافلوا فيما بينكم وتواصلوا مع بعضكم وخففوا عن بعضكم ألم فرقة الزوج، وعايشوا القرآن ومعانيه، وتقربوا لربكم بالطاعات والدعوات، وهو سبحانه يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض.

الإمام الشهيد حسن البنا يوصّف الحالة
وفي هذا المقام لا نجد أبلغ من توصيف الإمام حسن البنا لهذه الحالة في رسالته القيمة (بين الأمس واليوم)، وتحت عنوان (عقبات في طريقنا)، يذكر رضوان الله عليه ما يلي:
«وسيتذّرع الغاصبون بكل طرق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم، وسيستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والأيدي الممتدة إليهم بالسؤال، وإليكم بالإساءة والعدوان، وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظلم الاتهامات، وسيحاولون أن يلصقوا بها كل نقيصة، وأن يظهروها للناس في أبشع صورة، معتمدين على قوتهم وسلطانهم، ومعتدين بأموالهم ونفوذهم: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)﴾ (التوبة)
وستدخلون بذلك ولا شك في دور التجربة والامتحان، فستسجنون وتعتقلون، وتنقلون وتشردون، وتصادر مصالحكم وتُعطَّل أعمالكم وتُفتش بيوتكم، وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)﴾ (العنكبوت)، ولكنَّ الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين».

وإليكم هذه القصة البليغة الموجزة:
يحكي فضيلة الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله – عن أحد إخوانه الذين كانوا معه في محنة الاعتقال، أن أخاهم قص عليهم وهم في المعتقل قصة مفادها:
«أنه كان هناك ملكًا ظالمًا مستبدًّا، وقد ضاق برجلٍ من الصالحين من رعيته، فأراد أن ينكِّل به ويضيّق عليه، فأمر بحبسه، وبعد فتره أرسل أحد رجاله إلى السجن لينقل له الحالة التي عليها هذا الرجل الصالح، ليتلذذ الملك ويفرح بما عليه الرجل الصالح من ضيق وكرب بعد سجنه، ولما وصل رسول الملك إلى السجن وجد الرجل الصالح في محبسه آمنًا مطمئنًا فرحًا مسرورًا، فاندهش مندوب الملك لهذه الحالة، وسأله: ما سبب سعادتك وأنت في حبس وضيق؟

فقال له الرجل الصالح: إني أتناول كل يوم دواءً مكونًا من سبعة عناصر يجعلني كما ترى، فسأله وما هذا الدواء وما عناصره؟ قال الرجل الصالح:
العنصر الأول: أني أثق بربي ثقةً مطلقةً تجعلني أطمئن إلى كل ما يقدره لي سبحانه هو خير، وإن بدا لي أنه شر: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾ (البقرة).
العنصر الثاني: أني أعلم أن أقدار الله نافذة ولا مفرَّ منها، وأنه لا راد لقضائه، فوجب علىَّ أن أرضى بقضاء الله ولا أتبرم منه.
العنصر الثالث: أني علمت أن ما أنا فيه هو امتحان من الله، وأن النجاح فيه يكون بالصبر والاحتساب. وأملي كبير أن الله سيعوضني عن هذا خيرًا، سواء في الدنيا أو الآخرة؛ ولهذا يذهب عني الضيق والقلق وأعيش في سجني مطمئنًا.
العنصر الرابع: أني أيقنت أنه إن لم أصبر فماذا يفيد الجزع والحزن والغضب؟ وأن الجزع وعدم الصبر سيجعلان الهم الواحد همومًا كثيرةً، ويجعلان صاحبهما في قلق دائم واضطراب مستمر، فلا يستريح في نومه أو يقظته، ولا يستمتع بطعامه وعبادته.
العنصر الخامس: أني علمتُ أنه ربما كنتُ أتعرض لبلاء أشد مما أنا فيه، فأحمد الله على ما أنا فيه من بلاء، وكما يقولون: «مَن عرف بلاء غيره هان عليه بلاؤه»؛ ولذلك أنا مطمئن.
العنصر السادس: أن مصيبتي ليست في ديني؛ لأن المصيبة الحقيقية تكون في دين المرء، بأن يكون على ضلال أو فسق أو كفر، وفيما عدا ذلك من مال وولد وبدن فكلها مصائب هينة وآثارها أقل بجانب مصيبة الدين، وهذا ما جعل حبيبنا المصطفي ﷺ يدعو ربه فيقول: «اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا».
العنصر السابع: أني في انتظار فرج الله بين لحظة وأخرى؛ لأني على يقين أن الأمور كلها بيد الله، وأن دوام الحال من المحال، وأن أشد ساعات الليل ظلمة قبيل الفجر، وأن مع العسر يسرًا، وهذا كله يجعلني كما ترى.

فلما عاد المندوب إلى الملك وحكى له ما دار بينه وبين الرجل الصالح، والحالة الطبيعية التي عليها الرجل، فاغتاظ الملك مما سمع وقال: (أخرجوه فلا حيلةَ لي معه ومع أمثاله)». انتهت القصة.

أيها الأحباب الغائبين عن الأهل والأولاد والاخوان:
اعلموا أحبتنا أنه لا يقع في ملك الله إلا ما يريد، وأن ما أنتم فيه الآن ما كان إلا بمشيئة الله وتقديره، قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ (الأنعام: من الآية ١٣٧). وأن الحق قوي أبلج، والظلم ضعيف لجلج، والباطل يحمل ضعفه فيه، وأن الباطل كان زهزقا. فاثبتوا على الحق وإن طال الأمد، فإن مع العسر يسر.

وفي الختام: نسأل الله العلي القدير ونحن على مشارف شهر ذي الحجة (موسم الطاعات) أن يرفع عنكم ما أنتم فيه من هم وغم وكرب، وأن يردكم إلى أهليكم وأولادكم وأعمالكم وإخوانكم سالمين غانمين، وأن يجعلكم وأولادكم في حرزه وحفظه وضمانه وأمانه، فهو نعم المولى ونعم النصير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

اترك تعليقا