(إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ) –  د. محمد حامد عليوة

(إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ) –  د. محمد حامد عليوة

لا شك أن الأخوة والحب في الله من النعم الربانية العظيمة التي أنعم الله بها على عباده، فهي أخت الإيمان والتفرق أخو الكفر (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ).

إنها الأخوة في الله، أقوى الروابط وأوثقها بعد رباط العقيدة والإيمان. (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَإذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) سورة آل عمران 103، وفي حديث المصطفي ﷺ «أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله عز وجل» رواه الطبراني وصححه الألباني.

إنها الأخوة في الله، نعمة عظيمة، يمنُّ بها الله على من أحبهم من عباده، فألف بين قلوبهم، من غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، أو منافع ومصالح يتبادلونها، ولكنها أخوة في الله ولله.

إنها الأخوة في الله، التي يكتمل بها إيمان العبد، وهي صدى لهذا الإيمان ودليل عليه، «من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان». رواه أبو داود.

إنها الأخوة في الله، التي بها يشعر المرء بحلاوة الإيمان ونور اليقين، ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار».

إنها الأخوة في الله، معيار التفاضل بين الخلان والأحباب في الله، «ما تحاب اثنان في الله تعالى إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه» رواه ابن حبان وصححه الألباني.

إنها الأخوة في الله، نعمة لا تقدر بثمن، ولا يستطيع الناس أن يحصلوا عليها لو أنفقوا ما في الأرض جميعًا، إلا بإذن الله، (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). (سورة الأنفال 63).

إنها الأخوة في الله، نعمة قلبية معنوية من أعمال القلوب، لكن مظاهرها الحسية عظيمة وجليلة، أدنى مراتبها (سلامة الصدر من الضغائن والأحقاد)، وأعلاها (الإيثار)، بأن تؤثر أخاك على نفسك. (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (سورة الحشر 9)

إنها الأخوة في الله، التي تتجاوز الكلمات والنظريات إلى الأفعال والسلوكيات، فأجمل ما في الأخوة مشاعرها ومظاهرها، أعمالها وأفعالها الدالة على تمكنها من القلوب.

انظروا كيف كان أبو حمدون القصاص يُترجم أخوته من العواطف إلى المواقف، يذكر الخطيب البغدادي في كتابه (تاريخ بغداد): «كان لأبي حمدون القصاص صحيفة، مكتوب فيها ثلاثمائة من أصدقائه، وكان يدعو لهم كل ليلة، فتركهم ليلة فنام، فقيل له في نومه: يا أبا حمدون لم تسرج مصابيحك الليلة؟ فقام وأسرج وأخذ الصحيفة فدعا لواحد واحد حتى فرغ.»، نعم.. الأخوة عواطف ومواقف، عواطف قلبية ومواقف عمليه تدل عليها وتبرهن على صدقها.

إنها الأخوة في الله، طريق الفوز بظل عرش الرحمن يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظله، كما أخبر الصادق المصدوق، في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، «رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه». متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : «إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظلَّ إلا ظلِّي» رواه مسلم

إنها الأخوة في الله، التي تجعل لأصحابها منابر من نور يوم القيامة، أخرج الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: قال الله عز وجل: «المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء».

الإمام حسن البنا وركن الأخوة
ويتحدث الإمام البنا حول هذه النعمة في رسالة التعاليم فيقول – رحمه الله:
«وأريد بالأخوة: أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها، والأخوة أخت الإيمان، والتفرق أخو الكفر، وأول القوة: قوة الوحدة، ولا وحدة بغير حب، وأقل الحب: سلامة الصدر، وأعلاه: مرتبة الإيثار، ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الحشر: 9).

والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه؛ لأنه إن لم يكن بهم، فلن يكون بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره، «وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية»، «والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا»، ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ (التوبة: 71)، وهكذا يجب أن نكون.». رسالة التعاليم

ومما عُرف عن الإمام حسن البنا، أنه – رحمه الله – كان دائماً ما يُذكّر إخوانه بنعمة الأخوة، وأن أغلب توجيهاته ودروسه كان يفتتحها بالتذكير بنعمتين هما: (نعمة الإيمان)، و (نعمة الأخوة والحب فى الله)، لدرجة أن الإخوان كانوا يطلقون على حديث الثلاثاء للإمام البنا بـ (عاطفة الثلاثاء)، وهو ما كان يحلو للإمام البنا أن يسميه به، وقد كان الأستاذ محمد الحامد (من علماء وفقهاء الدعوة في حماه – سوريا)، يطلق على حديث الثلاثاء، (ليلة الفيوضات)، لما فيها من مشاعر قلبية وروابط عاطفية.

وقفة تدبر مع آية كريمة: 
والمتأمل في هذا الجزء من الآية الكريمة (إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ) يوسف 69، والتي وردت على لسان سيدنا يوسف عليه السلام لأخيه، يستخرج مجموعة من المعاني، منها: أن مع الأخوة لا حزن ولا بؤس، وأن من حقوق الأخوة أن تبعث فى نفس أخيك الراحة والطمأنينة والأنس، وأن الأخوة الصادقة تزيل الحواجز وتفتح قنوات التواصل بين القلوب، فيبث الأخ لأخيه عن همومه، فيجد الأنس ويخف الهم، فلم يعد يحمله وحده ولكن شاركه في حمله أخاه.

يقول الإمام ابن القيم: «مثل الأخوة في الله كمثل اليد والعين، فإذا دمعت العين مسحت اليد دمعتها، وإذا تألمت اليد بكت العين لأجلها».

نسأل الله سبحانه أن يبارك أخوتنا، وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن يعيننا على أداء حقوق إخواننا، ونسأله سبحانه كما جمعنا في الدنيا إخواناً متحابين، أن يجمعنا في الجنة إخواناً على سرر متقابلين والحمد لله رب العالمين

اترك تعليقا