الإخوان المسلمون: دعوة إسلامية عالمية علنية مُشرفة بقلم: د. محمد حامد عليوة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وبعد (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) سورة الأحزاب: 23-24
(الإخوان المسلمون: دعوة إسلامية، عالمية، علنية، مشرفة) ترجع هذه المقولة الطيبة الشامخة، لأحد المجاهدين من أبناء هذه الدعوة، وأحد رجال رعيلها الأول، من العاملين الصابرين المحتسبين، وهو فضيلة المرحوم الأستاذ سعد لاشين (رحمه الله)، أحد كبار رجال الدعوة بمحافظة الشرقية – مصر.
رجل عندما تذكره في مجلس أو حديث، تجد سيرته ومواقفه تأخذك لمعاني الشموخ والإباء، معاني الرجولة وشرف الإنتساب، معاني الصدع بالحق في وجه الطغاة. إنه المجاهد (الحاج سعد لاشين)، وهو الاسم الشائع له بين الإخوان.
التحق بجماعة الاخوان المسلمين عام 1945، وهو مسئول الإخوان بمحافظة الشرقية، وأحد القلائل الذين عاصروا الإمام البنا، ونهلوا من علمه، وتربوا على يديه، فأعطوا لهذه الدعوة، وضحوا من أجلها، وظل فيها ثابتًا صابرًا محتسبًا، وفيًا لبيعته مع الله، حتى انتقل إلى جوار مولاه في 2012/4/15. بعد أن قضى في دعوته نحو (67 سنة) وهو أغلب عمره.
وقد كان -رحمه الله- يحرص على ترديد مقولته هذه في أغلب جلساته وتوجيهاته، ويربي عليها مريديه ومحبيه من أبناء الدعوة، ليؤكد لهم من خلال هذه الصفات الأربع للدعوة، على عدة معاني وأمور منها: 1) أنهم أبناء دعوة إسلامية أصيلة، تضرب بجذورها في عبق التاريخ، دعوة محمد بن عبد الله، ﷺ، دعوة امتدت طولًا حتى شملت آباد الزمن، وامتدت عرضًا حتى شملت آفاق الأمم، وامتدت عمقًا حتى إنتظمت واستوعبت شئون الدنيا والآخرة.
2) أنهم أصحاب دعوة تملئ الأرض خيرًا ورشدًا، بمبادئها وجهاد أبنائها، دعوة لا تعرف الحدود، ولا تقف أمامها الحواجز والتخوم، أو يحول دونها جنس أو لغة أو لون، وبالتالي وجب عليهم الاعتزاز بها، والفخار بالانتساب إليها.
3) أن انتماءهم لهذه الدعوة العظيمة شرف وقيمة، وبالتالي لا يخجلون في عرض أنفسهم على الناس أنهم (الإخوان المسلمون)، فليس الإنتماء لها والعمل لدين الله من خلالها سُبَةُ أو نَقيصَة، لأنهم بأخلاق نبيهم وتعاليم دينهم يتحركون بين الناس، والناس يعرفونهم جيدًا في القرى والمدن والشوارع والأحياء، بما يحملونه من خير لقومهم ووطنهم وأمتهم.
4) أن الإنتماء لدعوة الإخوان انتماء رجولة ونخوة وإباء، فلا يشعر أبناؤها بالذل أو الإنكسار وهم يحملون أعظم راية، ويقومون بأشرف مهمة، إنها راية القرآن، راية محمد بن عبد الله خير الرسل ﷺ. ولذلك كان كثيرًا مايردد: «دعوة الاخوان دعوة الرجال، ولا مكان فيها لأنصاف الرجال».
ومن مواقف رجولته وعزته، أنه كان لا يعطي الدنية من دينه ودعوته، ففي أجواء التعذيب الرهيب أيام عبد الناصر، رفض أن يدلي بمعلومات عن إخوانه رغم شدة التعذيب والتنكيل، ووقتها رخص له فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي أن يتكلم ويقول للجلادين ما يريدون تخفيفًا وتهوينًا، فكان رده عجيبًا على فضيلة الأستاذ المرشد، فقال له: «يا أستاذنا، هؤلاء يريدون أن يكسروا إرادتنا، وإن شاء الله لن ننكسر أمامهم، وسنكسرهم بصمودنا إن شاء الله».
5) أنهم أبناء دعوة لها تاريخ أصيل وجهاد طويل، دعوة كما وصفها مؤسسها الإمام البنا: «إسلامية صميمة، على الإسلام تعتمد، ومنه تستمد»، كما أنها دعوة مبادئ وقيم، كما وضح الإمام في موضع آخر: «إن دعوة الإخوان المسلمين دعوة مبدأ»، وبالتالي، حرص الأستاذ المرحوم الحاج سعد لاشين أن يعمق معنى الأصالة في نفوس أبناء هذه الدعوة، وهو ما يجعلهم شرفاء أعزاء، لا يتنازلون عن مبادئهم، ولا يفرطون في ثوابتهم، مهما كانت التضحيات.
على خطى الإمام المجدد حسن البنا وبهذه الصفات العامة للدعوة التي كان يصدع بها الحاج سعد لاشين، مقتديًا في ذلك بقائده ومرشده الإمام البنا، الذي كتب عن بعض هذه الخصائص العامة والصفات التي تمتاز بها دعوة الإخوان، فقال رضوان الله عليه:
– أنها دعوة الربانية، فيقول: «أما إنها ربانية فلأن الأساس الذي تدور عليه أهدافنا جميعًا أن يتعرف الناس إلى ربهم وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة روحانية كريمة تسمو بأنفسهم عن جمود المادة الصماء وجحودها إلى طهر الإنسانية الفاضلة وجمالها ونحن الإخوان المسلمون نهتف من كل قلوبنا (الله غايتنا) فأول أهداف هذه الدعوة أن يتذكر الناس من جديد هذه الصلة التي تربطهم بالله تبارك وتعالى». (رسالة دعوتنا في طور جديد) ص 226
– أنها دعوة عالمية، فيقول: «وأما أنها عالمية فلأنها موجهة إلى الناس كافة لأن الناس في حكمها أخوة: أصلهم واحد وأبوهم واحد ونسبهم واحد… فنحن لا نؤمن بالعنصرية الجنسية ولا نشجع عصبية الأجناس والألوان ولكننا ندعو إلى الاخوة العادلة بين بني الإنسان». (رسالة دعوتنا في طور جديد) ص 226
– أنها دعوة الإسلام الشامل، فيقول رحمه الله: «كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين أن شملت فكرتهم كل نواحي الإصلاح في الأمة وتمثلت فيها كل عناصر غيرها من الفكر الإصلاحية وأصبح كل مصلح غيور يجد فيها أمنيته والتقت عندها آمال محبي الإصلاح الذين عرفوها وفهموا مراميها وتستطيع أن تقول ولا حرج عليك أن الإخوان المسلمين دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية». (رسالة المؤتمر الخامس ص 123)
– أنها دعوة التجرد، فيقول الإمام: «فهي دعوة لا تقبل الشركة إذ إن طبيعتها الوحدة فمن استعد لذلك فقد عاش بها وعاشت به ومن ضعف عن هذا العبء فسيحرم ثواب المجاهدين ويكون مع المخلفين ويقعد مع القاعدين ويستبدل الله لدعوته به قومًا آخرين».(رسالة دعوتنا ص 16)
– أنها دعوة السمو والعزة، فيقول: «فدعوتكم أحق أن يأتيها الناس، ولا تأتى هي أحدًا، وتستغنى عن غيرها، وهي جماع كل الخير، وما عداها لا يسلم عن النقص، إذن فاقبلوا على شأنكم ولا تساوموا على منهاجكم، واعرضوه على الناس في عزة وقوة، فمن مدّ لكم يده على أساسه فأهلًا ومرحبًا في وضح الصبح وفلق الفجر وضوء النهار، أخ لكم يعمل معكم ويؤمن إيمانكم وينفذ تعاليمكم ومن أبى فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه.» (مذكرات الدعوة والداعية 263)
– أنها دعوة النقاء والوحدة، فيقول الإمام الشهيد: «فدعوة الإخوان دعوة بيضاء نقية غير ملونة بلون، وهي مع الحق أينما كان تحب الإجماع وتكره الشذوذ، وإن أعظم ما منى به المسلمون الفرقة والخلاف وأساس ما انتصروا به الحب والوحدة». (مذكرات الدعوة والداعية 262)
– أنها دعوة البراءة والنزاهة، فيقول: «وإنها دعوة بريئة نزيهة قد تسامت في نزاهتها حتى جاوزت المطامع الشخصية واحتقرت المنافع المادية وخلفت وراءها الأهواء والأغراض». (مذكرات الدعوة والداعية 13).
وهكذا هي دعوة الإخوان المسلمين، كما حدد ملامحها العامة الإمام المؤسس حسن البنا، وسار على خطاه أتباعه من المخلصين الأوفياء ومنهم أستاذنا المجاهد الحاج سعد لاشين رحمه الله.
وفي الختام: هذه بعض الأقوال والحكم المشهورة والمأثورة عن الأستاذ المجاهد الحاج سعد لاشين (رحمه الله): – «إخواننا: نمرض فنعودكم، وتخطئون فنأتيكم نعتذر». – «أخي أضع اللقمة في فمه، فأجد حلاوتها في فمي». – «سهام الحقد الموجهة إلى دعوة الإخوان لا تستحق الرد». – «دعوة الاخوان دعوة الرجال، ولامكن فيها لأنصاف الرجال». – «دعوة الإخوان، دعوة إسلامية عالمية علنية مشرفة».
رحم الله فضيلة الأستاذ المجاهد الحاج سعد لاشين، وتقبل منه جهاده، ونفعنا بسيرته، وأكرمه ربه برفقة الحبيب محمد في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين