التربية الجماعية.. لماذا؟. وكيف؟ – بقلم: د. محمد صبحي رضوان
المسلم يضع لنفسه أهدافاً واضحة، ثم يسعى جاهداً لانجاز ما يستطيع، معتمداً على نفسه بعد الله، ثم يسعى للارتباط مع آخرين يساعدونه في إنجاز أهدافاً أخرى لا يمكن أن يحققها بمفرده. وهنا تكمن أهمية التربية الجماعية.
أولاً: مفهوم التربية الجماعية لكي يتضح هذا المفهوم نذكر معنى كل مفردة من مفرداته.
(التربية): فالتربية تعنى التنمية أي الزيادة. فقد روى صديقاً للامام أحمد بن حنبل واصفا حياة الامام فقال: «والله لقد صحبته عشرون عاماً، صيفاً وشتاءً حراً وبرداً صبحاً ومساءً، فما وجدته في يوم إلا وهو أفضل من الذي قبله».
والتربية تعنى أيضا المعاهدة بمعنى التعهد والتبني والمعايشة. وقد ورد عن الشيخ الجليل محمد الغزالى – رحمه الله تعالى – انه قال: «ليست التربية أن تبذر البذرة في الأرض رجاء أن تنمو، ولكنها تعنى أن تتعهد هذه البذرة بالرعاية فتزيل الحشائش من حولها وتسقيها وتحميها من الرياح العاتية، عند ذلك وبعد توفيق الله تدرك انها ستنمو شجرة باسقة».
وخلاصة ما قالوا في التربية: انها تخلية بإزالة كل ما يتعارض مع قيم وأخلاق الإسلام، وتحلية بأن تضع قيم الإسلام وأخلاقه الرفيعة مكان ما أفرغت، وتأتى الثالثة وهي التثبيت بمعنى الحفاظ على استمرار عملية التحلية.
وقال المربون: «أن التربية تعنى فن التعامل المتدرج مع النفس البشرية، للوصول بها إلى درجة الكمال».
(الجماعية): كلمة الجماعة من الفعل جمع بمعنى ضم المفرق بتقريب بعضه من بعض، والجماعة تأتى بمعنى مجموعة من الأشخاص أو بمعنى الاجتماع على الشيئ.
والتربية الجماعية معناها: اتفاق مجموعة من الأفراد في مكان ما، على فكرة واحدة وتربط بينهم مفاهيم وعلاقات مشتركة، على أن يجتمعوا على منهج يرتقى بهم ويعدل من سلوكهم ويُظهر هذه الفكرة للآخرين. ويخضع هذا النوع من التربية إلى المتابعة والتقويم المستمرين على فترات زمنية مناسبة.
ثانياً: صور الاستدلال والحض على العمل الجماعى – الطلب الدال على وجوب الفعل: قوله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ). – الجماعة موضع الرحمة في قوله تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ) هود 118-119. وقوله ﷺ: «أهل رحمة الله أهل الجماعة وإن تفرقت ديارهم». – الاعتصام بها عصمة من الاجتماع على ضلالة: «لا تجتمع أمتى على ضلالة». – هي ميراث الرسل والأنبياء ومنهاجهم في البلاغ قال تعالى: (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَأبَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَأنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّأبِرِينَ) آل عمران 146، وقوله سبحانه وتعالى: (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَأنَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف 108 – الحض على الاتحاد والتعاون على الخير قال تعالى: ﴿وَتَعَأوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَأوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَأنِ). المائدة 2 – استجلاب نصر الله وعونه قال الله تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ) غافر 51 – حسن العاقبة وجميل المآل وكريم العقبى: قال ﷺ: «من أراد بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة». – التحذير من مغبة التفرق وعاقبة التشتت بالتزام الجماعة: قال تعالى: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَأنُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) الروم 31-32 – قيام الخيرية والشهادة على الناس، قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) 110 آل عمران، وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا). 143 البقرة – لا قيام ببعض التكاليف إلا بها، مثل: (العلم – التربية – الجهاد) كما هو ثابت ومستقر عند الجميع.
ثالثاً: أثر ومردود التربية الجماعية على الفرد مساعدة الفرد في اكتشاف شخصيته بكل ما فيها من قوة وضعف: – – إصلاح وتقويم ودعم هذه الشخصية. – توظيف الطاقات، والعمل على إحداث التوازن لهذه الشخصية. – بث الثقة والأمل ودفع اليأس في نفس الفرد. – تجديد النشاط بما يقوى العزم ويُعلى الهمة. – تزويد الفرد بالخبرات والتجارب التي تعينه على أداء دوره في الحياة خاصة الدعوة إلى الله تعالى. – حفظ هيبة الفرد وحرمته وكرامته. – فتح مجالات عديدة من الأجر والثواب، ومضاعفة الحسنات أمام الفرد. – سبب في استجلاب عون الله تعالى وتأييده ونصره «يد الله مع الجماعة». – تقوية صلات الفرد الاجتماعية والاقتصادية. – تقوية الرغبة في الآخرة. – إمداد الفرد بحظ وافر من الثقافة الإسلامية. – إطلاق لطاقات وقدرات الفرد، وتوظيفها التوظيف الجيد الذي يخدم الإسلام. – صياغة شخصية الفرد صياغة صحيحة. – كما أن للتربية الجماعية دورا ايجابيا على أسرة الفرد وأهل بيته.
رابعاً: عناصر ومكونات التربية الجماعية 1-المنهج: هو مجموع الخبرات التربوية التي تعد للأفراد بقصد مساعدتهم على النمو الشامل (العقلي – النفسي – الجسدي) نمواً يؤدى إلى تعديل السلوك ويعمل على تحقيق الأهداف التربوية المنشودة. والمنهج يتكون من (أهداف – وكتب ومعلومات ومفاهيم وكلها تسمى المحتوى – كما له وسائل تحقق هذه الأهداف – وآليات تقويم مناسبة للاطمئنان على أثر هذا المنهج على من يتلقاه). ويقوم على إعداد المحتويات الخاصة بالمناهج خبراء متخصصون.
2-المربى: هو من يقوم على عملية تناول المنهج وتطبيقه. 3- الأفراد: هم من سيطبق عليهم المنهج. ومن المعروف أن لكل مستوى من الأفراد منهج يناسبهم. 4-البيئة: هي الوسط المحيط بعملية التربية الجماعية كلها.
خامساً: كيف تتحقق التربية الجماعية؟ وسائل تحقيق التربية الجماعية كثيرة، لكن قبل أن نتناول أبرزها أود أن أشير إلى أن كل وسيلة منها لها (أهداف – وشروط – وآداب – وبرنامج خاص بها) يختلف عن الأخرى. كذلك لكي تؤدي الوسائل أفضل مردود لها يجب مراعاة مايلى: – انتظامها وفق معدلاتها الزمنية. – الإعداد الجيد لها وحسن اختيار محتواها (على أن يكون من محتوى المنهج وأحيانا من خارجه إذا لزم الأمر وذلك وفق الضوابط التي لا تخرج عن الأهداف المرصودة). – توظيف الوسائط الحديثة المؤثرة في تنفيذها. – حسن اختيار القائمين عليها. – معايشة السابقين وأصحاب السبق لها. – تطوير أسلوب وشكل تنفيذها. – مشاركة الجميع في أدارتها.
وأبرز الوسائل التي تحقق التربية الجماعية هي: – الاجتماع الاسبوعى للأفراد مع المربى. – الليالى الايمانية. (كل شهر). – الرحلات بأنواعها (رحلات قمرية – على الشواطئ – الرحلات الرياضية – ركوباً على الدراجات – سيراً على الأقدام …إلخ). (كل شهرين). – الدورات التثقيفية. (كل ثلاثة شهور). – الندوات الفكرية. (كل ثلاثة شهور). – المخيمات الشتوية والصيفية. (كل ستة شهور). – المؤتمرات المختلفة والتى يتم عقدها حسب الحدث والحاجة. وكل وسيلة من وسائل التربية الجماعية السابقة لها تفاصيل وتحتاج إلى مقال كامل.
وأخيراً: بقيت نقطة اخيرة وهي: أن التربية الجماعية لكي تحقق أهدافها والمردود المطلوب منها؛ فإن ذلك يظهر في صقل شخصة الفرد وصياغتها الصياغة الإسلامية السليمة، ثم ينعكس ذلك على دور هذا الفرد الفعال في سعيه للتأثير على المحيطين به في المجتمع، من خلال قدرته على إحداث التغيير الايجابي فيهم بأحد أشكال التغيير المرجوة أو بعضها أو جميعها، وهي على الترتيب التالي: 1. تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام والفكرة الإسلامية لدى أفراد المجتمع. 2. تحييد الأشخاص: خاصة من يقفون ضد الفكرة الإسلامية. 3. تأييد الفكرة الإسلامية وجعلها في أولويات الاختيار عند أفراد المجتمع. 4. ضم أفراد المجتمع للمجموعة التي آمنت بأهمية التربية الجماعية. والحمد لله رب العالمين